السبت 11 سبتمبر 2021 - 8:41

هناك بطء مشكوك فيه يلازم حركة الحكومة في كثير من الملفات، وذلك في وقتٍ تنتظر المُبادرة لتنجدها. فأمنياً لا تزال البلاد تعاني من أحداث القتل، وترويع صفاء الاجتماع، وضُعف الأمل في الإصلاح المقدور عليه. ذلك رغم أنّ مسألة الحسم الأمني لا تكلف مجلسهم المشترك شيئاً إلا لو كان هناك قصد بأن تسهم هذه الأحداث في إظهار ضعف المدنية مقابل العسكرية في حفظ حياة الناس. وفي الملف الاقتصادي ليس هناك ما يشي بقدرة الحكومة على حل معضلاته، رغم مجهوداتها الخارجية التي بذلتها، والإعانات النقدية من المُجتمع الدولي، ومُصادرات لجنة التمكين. وحتى الآن لم تنعكس كل هذه السياسات في واقع الطبقة الوسطى، وكذلك الفقراء، والمساكين، وهي الطبقة الأهم بالرعاية. ولا نتخيّل أنّ دولارات ثمرات الخمسة هي الحل البتّة.
أما على مستوى إصلاح الخدمة المدنية بما يتّصل بها من ضروريات فما يزال التخبط سمة أساسية في كثير من وزاراتها. وضف إلى هذا غياب المحكمة الدستورية لعامين، وعدم حسم موضوع الجنائية، والتواطؤ دُون إكمال مؤسسات الانتقال، وسلحفائية مُبادرة حمدوك، وإهمال الترتيبات الأمنية، والغموض حول ما رسى إليه تقرير فض الاعتصام، والتكاسل في استئناف السلام بجدية، ونفاذ، مع الحلو، وعبد الواحد.
باختصار: كل جهد حكومي – أو مشترك – في كل هذه المناحي لا يُوحي بأنه يثمر عن أنباء مشرقة لبوادر تحوُّل جوهري طوال العامين الماضيين. ذلك في وقت يكثر نقد الخبراء من المكون الثوري في هذه المجالات بأن هناك أخطاءً جوهرية في النهج الذي تتبعه الحكومة لتحقيق الإصلاح العام. ونعتقد أنّ مرد هذه الأخطاء يعود إلى غياب المراجعة التشريعية المقصود لبرامج الحكومة. إذ تضعها بلا مُشاركة من كل الخبراء، وتجيزها بلا تعديلات، أو مُساءلات خارج الصندوق، خلافاً لما هو حال الممارسة الديمقراطية.
ومع التأكيد على أن الناس يتفهّمون ثقل المُهمّة على رئيس الوزراء، وبقية المسؤولين، ولكن تظل الإجراءات التي تتبعها الحكومة قاصرة في نظرتها للمشكل اعتباراً من مُعطيات الحال التي أمامنا وإلا كان الواقع مُختلفاً. ولعل الكثير من هذه الانتقادات المُوجّهة للحكومة لها حجتها القوية بأن تلك الإجراءات نظريا ضعيفة، أو ليست في المستوى المطلوب، وعلى سبيل المثال مسودة قانون النقابات.
وهذه المقالات الكثيفة، والنقاشات، التي تُواجه التوجهات، والأفعال الحكومية كل يوم، تمتلك حيثيات قوية. ولكن يبدو أن الحكومة لا تستفيد منها، أو أنها تدرك أهميتها، ولكنها حدّدت وجهتها مسبقاً لتغض البصر عن النقد، ولا ترى إلا أجندتها الانفرادية. وهكذا بدت الحكومة منعزلة تماماً عن الأرضيات الاجتماعية في ظل غياب المؤتمرات الصحفية، والندوات التي يُشارك فيها المسؤولون.
هذا العيش في البرج العاجي للمسؤولين دُون تلاحُم مع الجماهير يُعد عيباً كبيراً لقادة أتت بهم ثورة محفوفة بمعاني الشفافية، والأخلاق، والتضحيات. والحقيقة أنّ الإنقاذ بكل سوئها كان مسؤولوها يتواصلون إعلامياً مع قواعد الشعب السوداني حتى في أحلك الظروف. بل كان الوزير أحمد بلال يكاد أسبوعياً يعقد مؤتمراً صحفياً، فيما كانت هناك ترسانة إعلامية ضخمة تدعم النظام. وهكذا للأسف أصبح ظهر الثورة مكشوفاً، وفشلنا حقيقة في تهيئة المجال للثوار الشباب الإعلاميين لحماية ثورتهم، ومجابهة الإعلام المضاد الذي لا يستهدف فقط الحكومة، وإنما كل مؤسسات الانتقال. ولا نعتقد أن الإعلام الرسمي التقليدي الذي لا يزال مليئاً بثعابين النظام يستطيع الدفاع عن الثورة. ونخشى أمام الرشح الإعلامي الذي يبذله الفلول في رأس كل ثانية أن يتشكّل الرأي العام باتجاه كراهية المسؤولين الحكوميين، والتشكيك في قدرتهم على تحمل المسوولية، ومن ثم فقدان الثقة في التغيير الذي حدث إجمالًا.
نحن ندرك أن كثيراً من المعوقات التي تجابه الحكومة يعود إلى طبيعة الاتفاق الذي وقع مع العسكر، إذ صار هناك تأثير تنفيذي من زاوية مشاركتهم في الشأن المدني. ولكن إذا وضعنا هذا جانباً، وعذرنا الحكومة في تكاثف معوقات العسكر، فلا نعذرها في ضعف سياستها إزاء ما تملك نفوذاً كاملاً عليه.
ففي المربع المدني الذي هي مسؤولة عنه لا تزال الحكومة خجولة في تنظيف الخدمة المدنية التي يعوق فيها فلول النظام كثيراً من سياستها كما أثبتت التجربة عبر أكثر من منحى.
ففي مجالات التعليم، والثقافة، والإعلام، والعمل الاجتماعي، لم تقدم الحكومة مشروعات خُطط كفيلة للقطع مع زمان الإنقاذ. ولا تزال الأوضاع في هذه المرافق كما هي في زمن الإنقاذ رغم المقترحات الكثيرة التي قدمت في العامين المنصرمين. لا مشاريع ثقافية لتأهيل البنيات الأساسية، ولا إصلاح ملموس للأجهزة الإعلامية الرسمية. بل إن التواطؤ في هذا الجانب مَهّدَ للفلول مساحات جديدة لضرب التغيير، وذلك بقُدرتهم على توظيف قُدراتهم المالية الضخمة في الإعلام الخاص. وغداً سترون استجابة للابتزاز بتعطيل لجنة إزالة التمكين، والتي هي برغم بطء إجراءاتها وقلة دعمها، هي الواجهة الأكثر ثورية في ضرب النفوذ الاقتصادي للفلول.
طالبنا رئيس الوزراء أن يُصارح شعبه الصابر عبر مؤتمر صحفي أسبوعي لتنويره عن مجريات الإصلاح، ومعوقاته، لتطمئن القلوب، وألا يستعصم في بُرجه العَاجِي ليتواصل معه بالبيانات التي لا تحل معضلة. ولا نرى أنّ مُبادرته بتفصيلاتها الجديدة ستفضي إلى حل بتوصياتها، مهما كان سقفها. فالأزمة في القُدرة على التنفيذ الذي يحتاج إلى عزيمة ثورية.