الإثنين 13 سبتمبر 2021 - 10:27
مُنى أبوزيد تكتب : هل سيربح المليون..?!


“الحُكومة تَكره من يُنافسها”.. باولو كويلو..!
عندما كنت حديثة عهدٍ بالصحافة والإعلام، شهدتُ احتجاج أحد رؤساء التحرير على مقالات كاتب صحفي كبير، وكان مبعث اعتراضه هو أنها كتابات ذاتية، حافلة بالحكايات الشخصية. بينما كنتُ أنظر إلى ما يراه عيباً باعتباره ميزةً ولوناً من ألوان الكتابة التي يتوسّل فيها الكاتب بذاته لإيصال أفكاره بشأن مُختلف القضايا، ومع ذلك التزمت الصّمت تأدُّباً في حضرة كبار المهنة الذين يفوقونني خبرةً ومقاماً. لكن أحد الكُتّاب الكبار سناً ومقاماً انبرى يومها لرد غيبة زميله وخاطب رئيس التحرير قائلاً “إن زميلنا فلان كاتب قدير يُحظى بقبول القراء ومحبتهم، والقبول من الله”..!
والحقيقة أن القبول من الله فعلاً، وهو سر النجاح في أي مهنة تصاحبها شهرة، وهو أيضاً مسألة مُعقّدة ربما لأنها ربانية وتتجاوز مقومات الجدارة ومقاييس الشطارة في إتقان أصول المهنة، والدليل على ذلك أن القبول يقود إلى الشهرة، لكن الشهرة قد تتحقّق ورغم ذلك لا تقود إلى القبول، الذي ثَبُتَ شرعاً – ويَثبُتُ كل يوم – أنه من الله..!
الإعلامي اللبناني القدير “جورج قرداحي” هو أشهر الأمثلة التي يجتمع عندها ذلك القبول مع الجدارة المهنية والشطارة الإعلامية، ورصيده من الشُّهرة والنجاح كبير وباعث على الإعجاب والتقدير. ولو وقف يوماً على ناصية الشارع في أيِّ عاصمةٍ عربية ووقف أحد الوزراء على الناصية الأخرى، فقد يكون في حكم المُؤكّد أن عدد الذين سيلتفون حوله – لإلقاء التحية أو مُشاركة صورة “سيلفي” – سوف سيفوق أضعاف عدد المُلتفين حول السيد الوزير..!
قبل أيّام كلف رئيس الوزراء اللبناني “نجيب ميقاتي”، الإعلامي “جورج قرداحي” بتولي حقيبة وزارة الإعلام ضمن الحكومة اللبنانية الجديدة التي تم الإعلان عن تشكيلها بعد شهور طويلة شهد الشعب اللبناني خلالها تخبُّطاً سياسياً وانفلاتاً أمنياً وانهياراً اقتصادياً غير مسبوق. وهو تكليفٌ يضع حظ الرجل من القبول الرباني الذي تحدّثنا عنه على محك التجربة السياسية والأداء التنفيذي، ويضعه أيضاً تحت رحمة الأداء الجماعي لحكومةٍ سوف يطال نجاحها أو فشلها كل وزير شارك في تشكيلها..!
القبول بمثل هذا المنصب يكون في معظم الأحوال من باب خدمة الوطن أو المُساهمة في حل أزمة سياسية طالت واستطالت، لكنه يتحقّق أيضاً على حساب الشعبية المهنية لشاغل المنصب. وفي مهنة مثل الإعلام اعتاد الناس على وجود علاقة طردية مفترضة بين جدارة الإعلامي ونجاحه في كسر القيود السياسية وتحطيم حواجز المُؤسّسات التنفيذية، وهم يرون في ذلك حريةً ومتنفساً، لذا تجدهم لا يتّفقون في الغالب مع قرارات السلطة التنفيذية التي تهدف إلى تشذيب الإعلام وتحجيم سلطته الرابعة. فكيف تكون الحال إذا إن كان على رأس ذات العمل التنفيذي إعلامي شهير..?!
أعتقد أن الشعبية التي يُحظى بها الإعلامي شأنٌ، وأن القبول الشعبي الذي يُحظى به المسؤول الحكومي شأنٌ آخرٌ، فضلاً عن أن أول عقبة قد تواجه الإعلامي الذي صار وزيراً للإعلام هي المُحافظة على رصيده من القَبول بين “أبناء الكار” – وزملاء المهنة – قبل الجَمهور..!
مُنى أبوزيد
munaabuzaid2@gmail.com