السبت 25 سبتمبر 2021 - 14:45
الطاهر ساتي يكتب: لانتقال بلا متاعب ..)1(


:: الجنون هو أن تفعل الشيء مرة تلو أخرى ثم تتوقع نتائج مختلفة، أو هكذا إحدى حِكَم أنشتاين الداعية إلى عدم تكرار الخطأ أو معالجة الخطأ بالخطأ.. ومنذ استقلال بلادنا، وحتى ضحى السجال الراهن، مازلنا نعيد إنتاج الأزمات والكوارث في كل مناحي الحياة .. ورغم تراكم الأزمات والكوارث، لم تحدِّث النخب – السياسية والعسكرية – نفسها بتغيير طرائق التفكير، بحيث تكون في الساحة السياسة )نتائج مختلفة(، غير الصراع السياسي والتردي الاقتصادي..!!
:: وعلى سبيل المثال، فالصراع الراهن ما بين المسمى سابقاً بالمجلس العسكري وقوى الحرية، يُعيد إلى الذاكرة ما كان يحدث بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في حكومة الحكم الثنائي )حكومة نيفاشا( ..لقد اختلفت الشخوص، ولكن نفس الملامح والشبه والضرب تحت الحزام .. وكما تعلمون، طوال سنوات حكومة نيفاشا، لم يفعل الشريكان إلا ما يعكر صفو الوحدة والسلام، ولذلك كان طبيعياً أن يحصد الشعب انفصال الجنوب وحروب المناطق الثلاث..!!
:: وهذا ما سيكون الحصاد لو تواصل صراع السُلطة – والضرب تحت الحزام – بين المجلس العسكري وقوى الحُرية، أي سوف يفقد الشعب جنوباً آخر، قد يكون شرق السودان أو دارفور وغيرها من المناطق التي على شفا حُفرة من الاضطراب..وقد تُعود الحروب، ولن تعود – هذه المرة – في أطراف البلاد وأريافها، بل في طول البلاد وعرضها – وعاصمتها – لن يجد المواطن متراً مربعاً يُصلي أو ينام عليه مُطمئناً..!!
:: فالوثيقة الدستورية يجب أن تكون هي الفيصل بينهم، والمؤسف أن الشركاء لم يلتزموا بنصوصها كما يجب .. لقد تم تعديل الوثيقة – اسم الدلع للتزوير – قبل أن يجف مدادها ويُغادر الوسطاء قاعة الصداقة، وكان مُحزناً أن يصدم وزير العدل السوداني العالم بوجود ) وثيقتين دستوريتين(، ليبكي جميع الشركاء ويتباكوا، وكأنهم لم يعدلوا النص المتفق والموقع عليه من قبل الطرفين والشهود الوسطاء..هكذا تم الانتهاك الأول لدستور البلد، بالتعديل..!!
:: ثم كان الانتهاك الثاني – وهو الأخطر – عدم تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، كما يحدث عقب كل ثورة في كل العالم.. فالسادة الزعماء، خالفوا ما تم الاتفاق عليه مع تجمع المهنيين ومطالب الثوار، وفرضوا على الشعب والبلد حكومة محاصصات.. جاء كل حزب بكوادره، ليتقاسموا – فيما بينهم فقط – كل السلطات السيادية وما دونها ومُلحقاتها من لجان وهيئات وشركات بكل )قوة عين(..هكذا تم الانتهاك الثاني لدستور البلد، بالمحاصصات..!!
:: وليتها كانت محاصصات عادلة، بحيث يتساوى- في مناصب الحكومة – كل الموقعين على إعلان الحرية .. فالمؤسف فيهم من ناضل ضد النظام المخلوع، ثم وقعّ على إعلان الحرية، ومع ذلك )مغضوب عليه(، وليس له في المناصب نصيب، وكأنه شارك الحزب المحلول في النظام المخلوع مع مبارك الفاضل والسيسي وأحمد بلال وغيرهم من ) شُركاء الوطني(.. لقد تم إقصاء الكثير من رُفقاء النضال، وكان طبيعياً أن يتحولوا إلى أعداء..!!
:: ولا أعني فقط الحزب الشيوعي الذي اشتم رائحة ) الهبوط الناعم( وغادر قوى الحرية سريعاً، ولكن المبعدون لا يُحصى عددهم ولا يُعد، والمؤسف أنهم بعد أن كانوا جزءاً من الحاضنة السياسية للحكومة المدنية، تحولوا إلى ) كُتلة مُعادية(..وعليه، كما لم تُحسن إدارة علاقتها بحركات الجبهة الثورية والإدارات الأهلية، فإن قوى الحرية أيضاً لم تُحسن إدارة ملفاتها الداخلية، ولذلك غادرتها أحزاب وكوادر ذات تأثير سياسي واجتماعي..!!
:: وعليه، فإن على قوى الحرية ترتيب بيتها من الداخل سريعاً، أي قبل موعد انتقال رئاسة المجلس السيادي إلى المدنيين..فالمكون العسكري مٌلزم بنقل رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، وفي عدم الالتزام انتهاك صارخ لدستور البلد و) انقلاب حقيقي(، وليس كالذي حدث ضحى الثلاثاء، وعلى المؤسسات العسكرية أن تكون أكثر حرصاً على حماية )دستور البلد(.. ولانتقال رئاسة المجلس للمدنيين بلا متاعب، فإن قوى الحرية مطالبة بإجراءات تؤدي إلى إصلاح الحاضنة السياسية وتقوية الجهاز التنفيذي..و.. نواصل.