الأحد 3 أكتوبر 2021 - 7:30

عُدت الى الخرطوم قادماً من الولايات المتحدة الأمريكية بعد غربة دامت لأكثر من عقد من الزمان, نتيجةً لسياسات النظام البائد القمعية وتضييقه على حرية الرأي والتعبير وقد دفع شعبنا أثماناً غالية في ذلك, من تهجير وتشريد ونزوح واختفاء قسري، وبفضل جهود شعبنا وكفاح مُناضليه وانحياز قُوّاته النظامية لخيار الشعب, رحل البشير واعوانه واختفى المطبلاتية من مناصريه, واليوم ينعم شعبنا بالحرية بما في ذلك الفلول الذين يجدون حق التعبير وحرية الرأي وفقاً للوثيقة الدستورية, وبرحيل النظام توقّف القتال بين أبناء الوطن وتحقق السلام الذي تم إنجازه بجهود كبيرة من النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو ورعاية دولة جنوب السودان, فتوقفت دانات وبراميل وقاذفات الانتنوف التي كانت تسقط على رؤوس المدنيين العُزّل في دارفور والجنوب الجديد, ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتم التطبيع مع المجتمع الدولي, وكل هذا لم يتم لولا نجاح ثورة ديسمبر المجيدة والشهداء الذين قدّموا أـرواحهم رخيصةً عن طِيب خاطر وإيمانهم بحتمية التغيير الذي سوف يفضي في آخر المطاف إلى الانتخابات والتحوُّل الديمقراطي ليختار الشعب مَن يمثله دون وصايا أو تكالب على المواقع وتسكين أشخاص في مواقع هم ليسوا أهلاً لها كمراقب داخل الوطن.
منذ أكثر من سنتين, أشهد يومياً تدهوراً مُريعاً في الخدمات الأساسية, الصحة، التعليم، الطرق والجسور, وليس هنالك أي مسؤول يقوم بواجبه تجاه صيانة الطرق التي أصبحت فضيحة ووصمة عار في جبين الثورة, وبالأخص ولاية الخرطوم التي كل شوارعها منقرة وحُفراً ووسطها طفح الصرف الصحي وتوالد البعوض والذباب, فالثورة يجب أن تُحاسب التنفيذيين جنبًا إلى جنبٍ مع الفلول, لأن هنالك تقصيراً واضحاً في إدارة ملف الخدمات والصيانة, كما أن الأسعار تضاعفت أكثر من خمسة أضعافها, في سبتمبر ٢٠١٩ كان الدولار بـ٦٥ جنيهاً والآن في سبتمبر ٢٠٢١ اصبح ٤٥٠ جنيهاً, وفي ذات التاريخ كان طلب الفول بـ٣٥ جنيهاً في المطعم القريب من صحيفتنا والآن ٥٠٠ جنيه, وفي حي العمارات الذي أسكن فيه اليوم طلب الفول بـ٧٠٠ جنيه, وبعض المنظفات تُصنع في الصين تُباع في أمريكا مثلاً بأربعة دولارات، تجدها هنا ما يُعادل سبعة إلى ثمانية دولارات رغم بُعد المسافة والجودة والمواصفات, الآن أسعارنا أصبحت عالمية, وجالون الوقود أغلى من كندا وأمريكا, والاستثمار هنا أيضاً معالمه غير واضحة, لجهة أن سعر الصرف غير مُستقر إذا دخلت في أيِّ مشروعٍ وحوّلت العملة الصعبة إلى العملة الوطنية وأردت إعادة ذات المبلغ بالعملة الأجنبية من الصعوبة بمكان أن تعيد ذات المبلغ مع فارق الزمن الذي ضيّعته, فهذا هو حال وطننا الذي يحتاج إلى تضافُر جهود شعبية ورسمية كبيرة, وأن تتخلّى القوى السياسية عن الصراع حول الكراسي ويكون همّها الوطن والمواطن بعيداً عن الأجندات السياسية والتكتيكات المرحلية وسياسية الإقصاء والتكويش, وأن يعلم السياسي الحزبي أن العمل الحزبي ليس وظيفة وأكل عيش, بل هو برنامج لتحقيق غايات آمن بها وقاتل من أجلها, والمطلوب سَن قانون يحرم الجمع بين الوظيفة العامة والعمل السِّياسي.