الأربعاء 13 أكتوبر 2021 - 10:25
منى أبو زيد تكتب : التاريخ الذي يصنعنا..!


“الإنسان خادم الطبيعة ومفسرها”.. فرانسيس بيكون..!
)1(
المؤرخون اتفقوا على أن حفر الخندق حول المدينة المنورة كان أول وأولى أسباب نصر المسلمين، وهزيمة جيوش القبائل العربية في غزوة الأحزاب، واتفقوا – أيضاً – على أن صاحب الفكرة هو سلمان الفارسي “رضي الله عنه”، والذي كان بتعريف قوانين الهجرة العالمية وافداً أجنبياً على سكان البلاد، ساعد في تطوير عتادها العسكري، من خلال ما يسمى – وفق مصطلحات هذا العصر – بآلية نقل المعرفة. وفي هذه الحكاية دلالات تؤكد مؤازرة الحكمة النبوية لمفاهيم عصرية تتعلق بفقه تعاطينا مع الآخر عموماً، وبمدى فلاح تدابيرنا من حماقتها، في تنظيم خامة الوجود الأجنبي في بلادنا. وكيف وكم أننا مأمورون بالتحقق من ضبط بعض المفاهيم المتعلقة بهذا النوع من الوجود الإنساني، قبل المناداة بتفعيل آليات بعينها للاجتهاد في ضبطه..!
)2(
هند بنت المهلب كانت امرأة وافرة الجمال وجدت نفسها زوجة للحجاج بن يوسف – وهو من هو – رغماً عنها. وفي ساعة شؤم سمعها الحجاج تقول “لله دري مهرة عربية، سليلة أفراس تزوجها بغل، فإن ولدت مهراً فلله درها، وإن ولدت بغلاً فقد جاد به البغل”. فخرج محبطاً، مغتاظاً، غاضباً، دون أن تراه، وأرسل خادمه إليها بمؤخر الصداق “عشرين ألف دينار”، وكلمتين “لقد كنت فبنت” – أي كنت زوجتي وأصبحت طليقتي – ففهمت مراده، وأجابته بجملتين “كنا فما فرحنا وبنا فما ندمنا”، ثم أعطت العشرين ألف دينار للخادم مكافأة له على البشرى العظيمة التي جاء بها. وفي كتب التاريخ تكملة للحكاية، فقد تعقبها الحجاج في مواقف أخرى بعد طلاقها منه، رغبة في إذلالها، فغلب كيدها في كل مرة كيد الحجاج. وهو – بلا شك – نصر مؤزر من الله لكيد النساء الذي يخطئ بعض الرجال من أمثال الحجاج في استيعابه، وتقدير تبعاته ويروجون لسوئه وفظاعته. فالكيد الكيد من صفات المولى جل وعلا. وقديماً قال أهل العلم “إن العبد يسعى إلى التحلي بصفات الله على الوجه الذي يليق به”..!
)3(
كان التصنيف الفنِّي لحسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ عندما دخل خيمة الشعر بسوق عكاظ، أيّام الجاهلية، أنّه أشعر العرب، لكنه أخفق في الحفاظ على اللقب لأنه لم يسوق لذاته ومنجزاته كما ينبغي له ولها، وفقاً لمعايير الفخر الصارمة عند العرب، حينما وقف أمام النابغة الذبياني منشداً “لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى، وأسيافنا يقطرن من نجدة دما، ولدنا بني العنقاء وابني محرق، فأكرم بنا خالاً وأكرم بذا ابنما”. فكانت نتيجة المعاينة كالآتي “إنك والله لشاعر، لولا أنك قلَّلت عدد جفناتك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك”. وهو كما ترى تقييم فني يَعني بلغة هذا العصر أن الشاعر لم يفلح تماماً في التسويق لمقدراته الذاتية والتدليل على إمكاناته الشعرية التي جانبها الصمود في حضرة الخنساء التي أنشدت “وإنَّ صَخراً لتأتمُّ الهَداة به كأنَّه علمٌ في رأسه نارُ”. فعبَرتْ بطاقتها الوجدانية الهائلة – المُضمَّنة في ذلك البيت – أسوار النوع وحواجز “الجندر” إلى رحابة الانتماء الإنساني الجليل. ولو كان صاحب خيمة الشعر أحد خبراء تنمية الموارد البشرية على أيامنا هذه لنصح حامل اللقب – السابق – بأن يشتغل أكثر على تطوير مقدراته في مضمار تسويق الذات، لا لشيءٍ إلا لكي يسلم من عواقب دِقَّة المعيار وحِدَّة المنافسة..!