الأربعاء 13 أكتوبر 2021 - 20:34
منى عبد الفتاح تكتب: ما بعد النزاع


يتعام ل المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة مع واقع السودان الحالي على اعتبار دخوله في مرحلة ما بعد النزاع، وعلى الرغم من وجود بعثات السلام في السودان غير أنَّ هناك فجوة معرفية بين الواقع السياسي وما يحدث على الأرض وبين ما تتمناه هذه البعثات التي تركِّز على مساعدة السودان لبناء السلام. ولكن الهدف الذي جاءت من أجله وهو منع النزاع لا يبدو أنَّه قريب من التحقق. ولعل القصور في هذه الفجوة بين أهداف بعثات السلام وواقع النزاع مسؤولة عنه الحكومة الانتقالية بدرجة أساسية. فدور بعثات السلام أن تكون داعمة فقط للجهود الوطنية، وفي حال تردد هذه الجهود وتسييسها فإنَّها ستفقد البعثة أهدافها. كما أنَّها لم تستطع ضمان الأجواء التي يمكن أن تسهم فيه هذه البعثات في بناء السلام، وذلك لعدة عوامل وهي أولاً عدم التزام أطراف النزاع بما يتم الاتفاق عليه. وثانياً، عدم وجود فضاء سياسي صالح للعمل فيه وتوفير الحد الأدنى من الاستقرار. ثالثاً، على الرغم من الشراكة بين بعثات السلام والاتحاد الأفريقي، فإنَّ الأخير لم يستطع الاستمرار في الشراكة والتعاون بنفس الوتيرة التي ابتدأ بها، ما أفقد السودان توفير وتعزيز المقدرات التي كانت الأمم المتحدة على وشك توفيرها. رابعاً، الهوة الواسعة بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم خصوصاً إقليم دارفور، فعلى الرغم من تعيين أركو منّي مناوي حاكماً عاماً على دارفور، إلَّا أنَّه لم ينجح في الخروج من جلباب حركته المسلحة، ويظهر في خطابه كأنّه ليس جزءاً من الحكومة، كما أنَّ مطالباته الحكومة بأموال وسلطات للإقليم تفوق استحقاقات الولايات الأخرى بكثير، تظهر من خلالها نبرة التهديد والتمرد. وهو ما أدى إلى ما جاء به تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الذي رأى أنَّ أصحاب المصلحة الوطنيين ليسوا أكثر حرصاً مما جاءت من أجله هذه البعثات.
تتجلى طبيعة عمل “يونيتامس” بأن تستعرض البعثة للأمم المتحدة تقاريرها ويصدر مجلس الأمن تعليقات عامة وتوصياته وقراراته بعد الإجماع من الدول دائمة العضوية فيه. وما حدث في هذا الظرف وجعل تقرير الأمين العام للأمم المتحدة يبدو غير مقبول بالنسبة للحكومة الانتقالية سببان، الأول هو أنَّ الحكومة الانتقالية طوال الفترة الماضية لم تقدِّم تفسيرات رسمية لما يحدث في دارفور، أو تقوم بمهمة تحليل التقرير نتيجة للمتابعة. كما أنَّ ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتعديل التشريعات والسياسات العامة تثبت امتثالها لما تم التوافق حوله بالعمل على تيسيير مهمة البعثة لتحقيق أهدافها حول المحاور الأربعة المذكورة. أما السبب الثاني فهو تعوّد السودان خلال عهد النظام السابق وربما ظل هذا إرث سياسي في التعاطي مع المنظمات الدولية، وهو نتيجة لآليات الإدانة التي تأتي بتوجيه اللوم كالإدانة اللفظية فى المحافل الدولية، وهذه تزخر بها قرارات وتقارير العديد من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية تجاه السودان وغيره، غير أنَّه في حالة السودان تطورت قرارات الأمم المتحدة إلى سلطة رقابة وإشراف دوليين على أرض الواقع، وفشل النظام السابق بل عارض الالتزام بالقواعد والمعايير الدولية ذات الصلة، ولكنه ظل في الحكم لمدة ثلاثين عاماً متحدياً لها.
ربما لا يجدي الإنكار بأنَّ البلد تعاني فعلاً من عدم الاستقرار، وربما أيضاً تم على عجل إنشاء بعثة تُعنى مع الحكومة بمهام مثل الإحصاء السكاني لمواطنين غير مستقرين، وتدريب الخبراء في مؤسسات الدولة في لجان الانتخابات وكتابة قانون الانتخابات قبل إجازة كافة القوانين وتكوين المجلس التشريعي. هذا قد يهيء الظروف لنقل مهمة “يونيتامس” من الفصل السادس إلى السابع مرةً أخرى. وإذا تفاقمت هذه الظروف مع انتقاد الحكومة لقرارات مجلس الأمن بهذا الخصوص بدلاً من حل المشكلة داخلياً، فإنَّه لن ينفع هذه المرة استجداء حمدوك، يكفي فقط أن يحصل القرار على عدد الأصوات المطلوبة في مجلس الأمن، وموافقة الدول الخمس دائمة العضوية.