السبت 16 أكتوبر 2021 - 18:13

الخرطوم: أحمد طه صديق
ربما لم تواجه الحكومة الانتقالية مأزقاً حرجاً مثل ما تواجهه الآن من شأنه أن يضعها على مفترق الطرق وهو موقف وفق معطيات الأحداث ومآلاتها المتوقعة قد يجعل حتى الفترة الانتقالية على فوهة بركان قابل للانفجار عند توفر العناصر المساعدة لذلك .
فقد شهدت الأيام القليلة الماضية تراشقاً بين بعض رموز )الحرية والتغيير( والقيادات العليا للمجلس السيادي التي صعدت لهجتها الحادة بطابع غير معهود تجاه المكون المدني وفشلها وعن أداء لجنة التمكين وأعلنت على لسان نائب رئيس المجلس السيادي إنهم لن يسلموا الأجهزة الأمنية للمدنيين لأنها عسكرية وخوفاً أن تتحول إلى أداة بطش لديهم كما قطع الطريق في الوقت الحالي لتسليم رئاسة السيادي للمدنيين بحسب الوثيقة الدستورية بحجة أن ذلك سابق لأوانه .
كما طالب رئيس مجلس السيادة بحل الحكومة في خطاب للعسكريين بمنطقة الخرطوم بحري العسكرية الأسبوع الماضي حيث قال ) إن أي حلول للوضع السياسي الراهن في البلاد، لن تمر إلّا عبر حل الحكومة الحالية، مضيفاً: »ليست هناك حلولاً للوضع الراهن إلّا بحل الحكومة الحالية، وتوسعة قاعدة الأحزاب السياسية في الحكومة الانتقالية (.
وأوضح البرهان أن المدنيين ظلوا يتواصلون مع المكون العسكري في مجلس السيادة، منذ اندلاع الأزمة من أجل استمرار الشراكة بشكلها »الحالي«، بيد أن المكون العسكري »رفض كل المحاولات لاستمرار الشراكة بشكلها السابق«، واشترط توسيع قاعدة الأحزاب لتشمل الجميع عدا حزب »المؤتمر الوطني«.
تصعيد آخر
وفي إطار الضغوط لحل الحكومة الحالية حذر مستشار رئيس مجلس السيادة العميد الطاهر أبوهاجة من تأخر اتخاذ القرار بحل الحكومة، قائلاً: إن لم يصدر القرار الصعب اليوم فسيكون عصياً غداً حتى القرار الأصعب.
ووصف الحكومة بأنها أصبحت بلا مهام ولا كفاءات ولا أهداف، مُنذ أن فارقت الوثيقة الدستورية، وحلت الحبل الذي يربطها بالشعب وأضاف قائلاً »ماذا طُلب منهم، غير جمع صفهم بلا إقصاء، واحترام وثيقتهم بلا خداع، والعمل لأجل الوطن لا من أجل الأحزاب، وخدمة الشعب لا الصراع حول المناصب؟«،
وقال ) إن الشعب السوداني صبر خلال فترة الحكومة الانتقالية آملاً بأن ينصلح الحال، إلا أن شيئاً لم يتغير بل تدهورت الأوضاع إلى الأسوأ.( والعبارة تشير بوضوح إلى نعي حكومة حمدوك الحالية وفتح الباب أمام القوى السياسية الموازية لتحل مكانها التي تجري تمريناً مفصلياً اليوم عبر موكب محشود بغرض فرضها كأمر واقع على رئيس الوزراء ومن ثم تكوين حكومة جديدة ومجلس تشريعي وفق التركيبة الجديدة مما يهيء الملعب لصياغة قرارات تجب كل القرارات الثورية المتمثلة في تطهير الخدمة المدنية وإعادة الممتلكات المصادرة وحل لجنة التمكين وحياكة قانون انتخابي جديد يمهد للقوى الجديدة العودة لسدة الحكم بخيول جديدة واستدعاء لاعبين قدماء نفدت لياقتهم السياسية، كما أن جهاز المخابرات سينفض القميص الجديد الذي كسته له الوثيقة الدستورية بقميص آخر يعيد له كل صلاحياته السابقة .
وكل تلك الأجواء الملبدة بالغيوم والرعود لا تضع فقط الحكومة تحت فوهة قادة العسكر في السيادي والمستظلين بسنان نفوذهم من قوى اعتادت الاستناد على أكتاف السلطويين تاريخياً لكنها تشكل تهديداً ماحقاً لمستقبل ثورة ديسمبر لما تستبطنه من مآلات وإسقاطات متوقعة .
فحل الحكومة وفق الواقع المفروض الآن في الساحة لن يفضي إلى تحقيق استقرار حقيقي كما يدعي البعض وإن تم تكوينها عبر كفاءات ) تكنقراط( لأنها ستكون أيضاً سجينة واقع مليء بالمتاريس والمطبات ومجلس تشريعي يكبل قراراتها وسلاسل أمنية تشدها لمربع القوى الجديدة القديمة .
هل تُحل الحكومة ؟
بالرغم من أن د. حمدوك جبل على الحلول الوسطية وعدم اللجوء للمواقف الرايدكالية وإن كانت تشكل مخرجاً مفصلياً تجاه الواقع المصادم الآن لكنه سيكون صعباً عليه أن يوافق على حل الحكومة كقربان لكسب ود المكون العسكري والقوى السياسية ) تيار قاعة الصداقة( ولإيقاف حصار الشرق لأنه سيصبح في هذه الحال خصماً لقوى الثورة الشابة التي ترفض النكوص عن مبادئ الثورة سواء أكان ذلك عن طريق الانقلابات العسكرية أو عن مظلة الهبوط الناعم .
ويرى المراقبون أنه لن يكون أمام رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بعد تلك الضغوط الممنهجة التي تواجه الحكومة المدنية والفترة الانتقالية بأكملها وتهديد مستقبل الثورة ومبادئها إلا أن يطلب السند من قوى الثورة ويكشف كل المطبات والمتاريس التي تتربص بحكومته وثورة شعبه أمام الجميع ووقتها ستكون الكرة في ملعب الثوار بفريق متجانس يعرف طريق الشباك جيداً مهما كانت خشونة الخصوم واستخدامه كل أساليب المواجهة غير النظيفة لكنه من المؤكد سيكسب المباراة وفق منطق مكنيزم التاريخ والقراءة المنطقية للإرث النضالي التليد وتوفر الوعي وصلابة المواقف لهذا الجيل المصادم حتى الرمق الأخير .