الإثنين 2 أغسطس 2021 - 22:27



عزا نبيل اديب رئيس لجنة التحقيق في جريمة فض اعتصام الثوار أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم في الثالث من يونيو 2019 والتي راح ضحيتها أكثر من مئة شاب؛ تأخر صدور التقرير النهائي للجنة إلى عدم قدرة إدارة الأدلة الجنائية السودانية على التعامل مع الادلة المادية واعتذار الاتحاد الأفريقي عن تقديم الدعم اللوجستي؛ إضافة إلى بعض الصعوبات المالية؛ وذلك بحسب تصريحات ادلى بها اديب لموقع سكاي نيوز عربية.
ودحضت جهات رسمية وقانونية تلك المبررات. وفي حين قال “أديب” إن إدارة الادلة الجنائية السودانية لا تملك القدرات الكافية لتفحص الادلة المادية؛ نقلت سكاي نيوز عربية عن قيادي كبير سابق في الشرطة السودانية التأكيد بان إدارة الادلة الجنائية السودانية تتمتع بإمكانيات ضخمة تمكنها من أداء المهمة.
كما نفى مصدر رسمي رفيع في وزارة الخارجية السودانية وجود أي رد رسمي يؤكد صحة رفض الاتحاد الأفريقي طلب من الحكومة السودانية لتقديم الدعم اللوجستي للجنة.
وفي ذات السياق اوضح الخبير القانوني “صالح محمود” أن اللجنة تأخرت كثيرا في إصدار التقرير النهائي وتوجيه الاتهام رغم توفر الكثير من المعطيات المهمة.الأدلة المادية
عزا “أديب” تأخر أعمال اللجنة إلى عدم استجابة الاتحاد الافريقي لتقديم الدعم اللوجستي المطلوب؛ لكن دبلوماسي كبير في الخارجية السودانية أكد لموقع سكاي نيوز عدم وجود أي تأكيد رسمي على ذلك.
نبيل أديب عبدالله المحامي
وقال اديب “لم تتوفر المعينات اللوجستية حتى الآن؛ لدينا مجموعة كبيرة من البينات المادية التي تحتاج فحص واثبات وتشمل تلك البينات جثث ومقابر وتسجيلات صوتية وتسجيلات مصورة تحتاج لفحص بواسطة خبراء معمل جنائي تتوفر فيه المعدات اللازمة للفحص. واوضح “هناك مقاطع فيديو موجودة على شبكة الإنترنت وتحتاج إلى فحص من الخبراء لإثبات الزمان والمكان الذي تم فيه التصوير وصلة المقطع بالوقائع وأيضا يجب اثبات عدم العبث في المقطع بعد تصويره وعدم خضوعه لاي عملية تركيب أو تغيير…من غير تلك الاثباتات لا تكون للمقطع القيمة الإثباتية المطلوبة في المحكمة”.
واضاف “حاولنا الحصول على مساعدات فنية من الاتحاد الافريقي لكن بعد عام كامل من المخاطبات اعتذر بسبب عدم توفر الخبرة اللازمة في هذا الجانب…. نواصل السعي للحصول على المساعدة الفنية اللازمة للتعامل مع الأدلة المادية”.
وردا على سؤال حول التقارير التي تتحدث عن القدرات الكبيرة التي يتمتع بها مركز الأدلة الجنائية التابع لوزارة الداخلية السودانية والذي يعتبر واحدا من أفضل المراكز المرجعية التي تستعين بها العديد من البلدان بما فيها دول الاتحاد الافريقي وبعض البلدان العربية؛ قال اديب إن ذلك غير صحيح وإن المركز لا تتوفر لديه القدرات اللازمة لفحص الادلة المادية المتعلقة بجريمة فض الاعتصام. لكن اديب أكد ان لجنته لم تتواصل مع المركز منذ تشكيلها ولم تطلب منه فحص اي من الادلة المادية المتوافرة لديها. وأوضح “لم نتواصل مع المركز لأن المسالة متعلقة بنوع محدد من الخبرات وهي غير متوافرة في مركز الادلة الجنائية السوداني… هنالك اشياء تفوق حتى قدرات الاتحاد الافريقي…هنالك دول لديها قدرات معروفة مثل الولايات المتحدة الاميركية وروسيا وبلدان الاتحاد الاوروبي وأميركا اللاتينية”.
واشار “اديب” إلى ان لجنته تعمل بالتنسيق مع مكتب رئيس الوزراء للوصول إلى اتفاقيات مع جهات دولية لم يسميها للاستعانة بها لفحص الادلة المادية.
ودحض الخبير الأمني والقانوني والقيادي السابق في الشرطة السودانية اللواء د. “الطيب عبدالجليل حسين” الادعاء بعدم قدرة إدارة الادلة الجنائية السودانية على التعامل مع الادلة المادية المتعلقة بجريمة فض الاعتصام. واكد لموقع سكاي نيوز عربية تمتعها بإمكانيات ومقدرات فنية وبشرية عالية التأهيل. واوضح “إضافة إلى الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها إدارة الادلة الجنائية السودانية فإنها تعتبر مركزا مرجعيا للكثير من البلدان في أفريقيا”.
ووصف “عبدالجليل” الادلة المادية الخاصة بجريمة فض الاعتصام ب “البسيطة” التي يمكن تحليلها وإثبات صلتها بمسارح جريمة فض الاعتصام واستخلاص الادلة منها بكل سهولة. واضاف “حتى إذا افترضنا جدلا ان هنالك جوانب معقدة فإن إدارة الادلة الجنائية السودانية تمتلك من المقومات ما يمكنها من اداء المهمة بمهنية واحترافية عالية؛ كما لها علاقة تعاون فني وتقني مع مراكز مشابهة في اوروبا والعديد من أنحاء العالم”.المدى الزمني
حدد القرار الخاص بتشكيل اللجنة ثلاثة أشهر- قابلة للتجديد- كمدة زمنية لتقديم التقرير النهائي؛ لكن حتى الآن ورغم مرور أكثر من 17 شهرا على تشكيلها لم تقدم اللجنة تقريرها النهائي مما اثار الكثير من الجدل في الشارع السوداني.
ورفض اديب تحديد مدى زمني بعينه لإنهاء التحقيق وتقديم التقرير النهائي.
غير ان الخبير القانوني صالح محمود استغرب تلك التبريرات؛ وقال لموقع سكاي نيوز عربية “عندما كلف مجلس الامن لجنة القاضي الايطالي انطوني كاسياسي في اكتوبر 2004 بالتحقيق في جرائم دارفور؛ رفعت اللجنة تقريرها في مارس 2005 اي في اقل من 6 اشهر؛ الآن مضى على تكليف لجنة اديب نحو 17 شهرا ولم تخرج بتقرير واضح على الرغم من ان مساحة المنطقة التي وقعت فيها الجريمة التي يحقق فيها اديب اقل من 4 كيلومترات مربعة في حين تصل مساحة دارفور إلى اضعاف مساحة دول قائمة”.قضية واضحة
يؤكد صالح محمود ان القضية التي تحقق فيها لجنة اديب هي قضية جريمة ضد الإنسانية؛ وتقع المسؤولية المباشرة فيها على الجهة الحاكمة وقت وقوع الجريمة والتي يستوجب عليها بحسب القانون الدولي حماية كل إنسان يعيش في الرقعة الجغرافية للوطن.
ويقول محمود لموقع سكاي نيوز عربية إن هذه القضية تشغل الضمير العالمي بأكمله لذلك لا يجب على اي
الخبير القانوني صالح محمود
جهة السعي على اطفائها او طمس معالمها لأنها ليست من الجرائم التي تسقط بالتقادم او العفو.
ويرى محمود ان المشكلة الأكبر تتعلق بقرار تشكيل اللجنة نفسه والذي صدر من رئيس الوزراء في حين ان الوضع الصحيح كان يستوجب اضطلاع النيابة العامة بالقضية. ولا يتوقع محمود ان تسفر اعمال اللجنة عن النتائج الحقيقية التي يتطلع إليها الشارع السوداني. وقال محمود ان اعتراض بعض دول المنطقة أجهض مقترح بتشكيل لجنة تحقيق دولية قدم خلال اجتماعات مجلس حقوق الإنسان في جنيف في يونيو 2019 أي بعد ايام قليلة من وقوع المجزرة؛ مما فوّت على السودان فرصة كبيرة كانت ستحدث تغييرا جوهريا في سير القضية.
ويشدد محمود على ان فض الاعتصام في حد ذاته جريمة لأن التجمع السلمي حق تكفله العديد مت الأليات والمواثيق الدولية والإقليمية على رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من ديسمبر ١٩٤٨ إضافة إلى الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان وكافة العهود الدولية المقرة في وثيقة الحقوق المتضمنة في دستور السودان للعام 2005.
ويوضح محمود ان فض الاعتصام بهذه الطريقة هو جريمة ارتكبتها قوات نظامية؛ وبالتالي يكون القادة الذين أصدروا الأوامر مسؤولين عنها وفقا لنظرية “افتراض المعرفة” والتي استخدمت في محاكمة قادة عسكريون خلال الحرب العالمية الثانية وفي احداث يوغسلافيا ورواندا وتستخدمها المحكمة الجنائية الدولية حاليا في مواجهة مرتكبي جرائم دارفور. ويضيف “بناءً على نص المادة 21 للقانون الجنائي السوداني للعام 1991؛ يتساوى من أعطى الأوامر مع من نفذ تلك الأوامر… كما تطبق هنا ايضا قوانين الاتفاق الجنائي”.
وينبِّه محمود على العديد من القوانين والمواثيق الدولية التي كفلت حق الحماية لأي إنسان في اي مكان والتي تتيح لأي فرد سوداني حق الاستعانة بالمنظمات والهيئات القانونية الدولية.تفادي الحقيقة
حصلت “الراكوبة” على إفادة من الخبير العسكري “خليل محمد سليمان” أشار فيها إلى أن لجنة التحقيق لم تظهر حتى الآن ما يؤكد تعاملها مع 4 دلائل قاطعة كان يمكن الاستفادة منها لتقديم اتهام واضح وصريح للقيادة العليا للجيش.
خليل محمد سليمان
ويلخص سليمان الدليل الاول في أنه ومن الناحية العسكرية؛ لا يمكن القيام بعملية بهذا الحجم بدون خطة عسكرية بالضرورة تتضمن وجود جهة آمرة وأخرى منفذة؛ وبالتالي تكون تعليمات التنفيذ بيد الجهة الآمرة.
اما الدليل الثاني فيتمثل في انه لا يمكن لعملية بهذا الحجم ان تتم في محيط القيادة العامة للجيش وامام بواباتها ومن ثم تستمر المطاردات والتمشيطات المتعلقة بملاحقة الثوار في شوارع العاصمة لمدة ثلاثة ايام بلياليها دون علم القيادة العليا للجيش.
ويتمثل الدليل الثالث؛ وفقا لسليمان؛ في استحالة ان تقوم وحدات مختلفة في الجيش في أقاليم ومدن مختلفة بعمل واحد في توقيت واحد دون تعليمات من القيادة العليا.
ويذكر سليمان دليل رابع يتمثل في ظهور ضباط وأفراد بأشكالهم في ساحة الاعتصام مما يسهل عملية التعرف عليهم؛ مؤكدا انه على المستوى الشخصي يعرف بعضا منهم.
ويشدد سليمان على ان الجيش تحكمه التراتبية، لذلك لا يمكن للأقل رتبة ان يقوم بعمل يفوق صلاحياته، ومهامه بدون تعليمات من الجهة الاعلى منه. واوضح “لا يمكن لجهة غير قيادة الجيش العليا ان تصدر تعليمات بفض اعتصام امام بوابات القيادة، و اسوارها، و لا يمكن لقوة بهذا الحجم ان تتحرك بلا نقاط تجمع، لإنزال الخطة، ليعرف كل جندي مهامه وواجباته في هذه العملية”. واضاف “بالنسبة للوحدات خارج العاصمة، وعلى وجه الخصوص المدن التي تم فض الاعتصامات فيها بالتزامن مع فض اعتصام القيادة العامة، فإنها تتع بشكل مباشر للقائد العام الخرطوم”.الإمكانيات المادية
قال اديب إن الإمكانيات المادية واحدة من المشكلات التي تواجه اللجنة؛ لكنه قال إن الأمر عندما يتعلق بالمال يكون مقدور عليه. واوضح “أنا الآن ادفع من جيبي الخاص لتسيير بعض الأعمال وفي انتظار ان ترد لي… نمضي في عملنا وحتى اذا كان هناك تأخير في الاستجابة للمطالب المادية فإننا نوفرها من جيبنا”.
ويرى الصحفي الفاتح وديدي أنه إذا صح الأمر واتضح ان هنالك قصور في الوفاء بالمتطلبات المالية للجنة فإن ذلك يؤكد انعدام المؤسسية والخلل الكبير في الاولويات.سبير التحقيق
وفقا لأديب فقد شمل التحقيق 3500 شخص معظمهم من المدنيين.
واكد اديب ان اللجنة فرغت من سماع اقوال كل من ترغب في سماع اقواله او التحقيق معه.
عبد السلام كشه
لكن “كشه عبد السلام كشه” وهو والد الشهيد”عبد السلام” الذي كان في الخامسة والعشرين من عمره عندما قتل في عملية فض الاعتصام قال لموقع سكاي نيوز عربية إن اللجنة لم تطلب إفادته. وعبر “كشه” عن رفضه القاطع للطريقة التي تعمل بها اللجنة؛ مشيرا إلى انهم كأسر شهداء لم يعودوا يثقون في اللجنة ولا ينتظرون منها اي نتائج مؤكدا انهم سيواصلون العمل من أجل البحث عن الحقيقة. وشدد “كشه” على ضرورة الوصول إلى تحقيق نزيه حتى إن استدعى ذلك تدخل جهات دولية.
ورفض “أديب” الرد على سؤال حول سبب عدم توقيف ايا من المتهمين حتى الآن رغم خطورة ذلك على سير القضية باعتبار أن بعضهم يحتل مراكز قيادية قد تمكنه من العمل على تعطيل العدالة او محاول طمس الأدلة ؛ وقال إن الرد على هذا السؤال “يعرض التحقيق للخطر”.