الأربعاء 24 نوفمبر 2021 - 19:42
محمد عبد الماجد يكتب: عودة حمدوك


)1(
بعد انقلاب 25 أكتوبر الذي أطاح حكومة حمدوك، بلغت الأزمة السياسية بين شركاء الحكم منتهاها ، ووصلت التعقيدات إلى الذروة ، وكانت الساحة مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها السيناريوهات الأسوأ، وكانت كل الطرق تقود إلى المجهول والوقوف على حافة الخطر …في غمرة تلك التعقيدات وغموض المصير والنتائج ، شهدت الساحة الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك… ومن هنا يبرز السؤال الجوهري :هل ينجح الاتفاق في كبح جماح الأزمة ونتائجها المحتملة ؟ وبمعنى آخر هل نستطيع القول بأن الاتفاق قطع الطريق أمام السيناريوهات الأسوأ، ويمهد الطريق أمام الانتقال السلس والتحول الديمقراطي؟
)2(
الإجابة ربما نعم …وربما لا .. لكن بإلقاء نظرة فاحصة لطبيعة الأزمة يدرك المراقب السياسي أن المشكلة هي أصلاً بين طرفين )طرف عسكري، وآخر مدني(، اختلف الطرفان على طرق العبور نحو التحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية وكل له طرق تفكيره وما تنطوي عليه نواياه التي يعلمها الله وحده، وبعد جدال طويل ومفاوضات شاقة انتهت بالمخاشنة والملاسنات والحرب الكلامية ثم الانقلاب العسكري وإيداع الشركاء المدنيين السجن، وفرض الإقامة الجبرية على رئيس الوزراء، وهيمنة المكون العسكري على مقاليد الأمور…ما الذي حدث تحت وطأة هذه الظروف.؟؟؟..
)3(
تحت وطأة ظروف الاعتقال وسيادة قانون الطوارئ ، والتضييق على الشركاء المدنيين ،شهدت الساحة ميلاد الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك الذي كان يفاوض في ظل ظروف غير طبيعية وبعيداً عن الحاضنة السياسية التي جاءت به والتي يفترض أنه يمثلها ويعبِّر عن إرادتها ورغباتها… جاء الاتفاق متسقاً مع وجهة نظر الجانب العسكري ومعبراً عن إرادته، ومنسجماً مع رغبات المطالبين بحل الحكومة ، ولجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وهم في الأساس مناصرين للجانب العسكري.
)4(
إذن الاتفاق جاء متماشياً مع إجراءات إقصاء الشريك المدني الذي يمثل جماهير عريضة في الشارع السوداني مما يعني أن الاتفاق أحدث انشقاقاً جديداً في الشارع ، ولم يعالج جذور المشكلة، بل ربما يؤدي إلى تعقيد وتصعيد جديد لا نعلم متى سينتهي ..
)5(
على مستوى الأشخاص يمكن القول إن الكاسب الأكبر من هذا الاتفاق الفريق البرهان حيث اتقى بعودة حمدوك سهام الضغوط الدولية، كما أن الاتفاق اعطى مبرراً غير حقيقي لقراراته، فأظهرها وكأنها فعلاً لتصحيح المسار وليست انقلاباً ، ورغم أن حمدوك وعقار وغيرهما وصفوا ما حدث بأنه انقلاب عسكري إلا أن عودة حمدوك ومشاركة عقار في المجلس السيادي أضفتا شرعية له، وإلا لماذا ارتضيا أن يكونا جزءاً منه بدلاً عن مقاومته، لهذا فإنه ليس هناك قيمة لوصفهما تلك الإجراءات بالانقلاب طالما أنهما يشاركان فيه….على المستوى الشخصي أيضاً خسر حمدوك طائفة كبيرة من حاضنته السياسية وقسماً كبيراً من الشارع ، لكن مع ذلك يجب أن نحترم تقديراته السياسية وإن اختلفنا معها فهذا أفضل من تخوينه وأدعى لرتق الفتق …
)6(
التحسر على ما كان لن يفيد فما هو إلا بكاءً على لبن مسكوب ، الآن الظرف الحساس يحتم الفعل الإيجابي من كل القوى السياسية بعيداً عن النظرة الانتهازية ، فليكن الاتفاق الذي جرى رغم ما به من نقائص بمثابة خطوة أولى في مسيرة شاقة من الحوار الوطني الشفاف … حوار يقوده الدكتور عبد الله حمدوك مع كل القوى السياسية لتوسيع دائرة المشاركة في اختيار المفوضيات والمجلس التشريعي والتشاور في استكمال بقية هياكل السلطة الانتقالية، وتهدئة الخواطر وتخفيف حدة التوتر والاستعداد للمرحلة المقبلة … صحيح أن الاتفاق جاء في ظروف غير عادلة فيها ما فيها من القهر ومنطق القوة ، لكن ليكن تنازلاً من أجل حفظ الدماء وعبرة من دروس العامين الماضيين من أجل التأسيس لدولة مدنية ديمقراطية وليكن ما حدث في الخامس والعشرين من اكتوبر ثمناً إضافياً لبلوغ هذه الغاية…اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.