الخميس 9 ديسمبر 2021 - 20:09
الخرطوم: أحمد طه صديق
تزعم بعض المصادر أن الحزب الشيوعي بعد أن اكتشف أن محاضر اجتماعاته تسربت إلى جهاز الأمن المايوي عمد إلى تغييب عضو من كل اجتماع حتى يدرك من الذي يقوم بالتسريب، وتقول تلك المصادر غير الموثوقة إن الحزب عندما غيب عمداً العضو الشاب آنذاك ياسر عرمان لم يتم تسريب تلك الاجتماعات، وقيل لاحقاً إن جهاز الأمن تعمد أن يحرق العضو الفاعل عرمان بعد أن يوصم بالخيانة داخل الحزب، وبالرغم من ان الرواية غير مؤكدة، لكن الثابت أن عرمان هجر الحزب الشيوعي في عام 1986م والتحق بالحركة الشعبية بجنوب السودان التي كانت تقاتل القوات الحكومية برئاسة الرئيس الراحل جعفر نميري الذي تمت الإطاحة به عقب انتفاضة ثورة السادس من إبريل 1985م، حيث حمل السلاح داخل أحراش الجنوب مقاتلاً في صفوف الحركة ربما كأول مواطن من شمال السودان ينضم إلى صفوفها العسكرية، واستطاع عرمان أن ينال ثقة قائد الحركة جون قرنق بحماسه وفكره السياسي الثاقب، منافحاً من أجل قضية التهميش الذي تعرض له شعب جنوب السودان. ومن الواضح أن عرمان عندما غادر الحزب الشيوعي لم يغادره فقط عبر مواقف سياسية طارئة، بل بسبب تقاطعات فكرية تتعلق بنظرية الحزب الشيوعي المتولدة من نخاع الفكر الماركسي، حيث كان الحزب الشيوعي في أدبياته السياسية يرى أن أزمة جنوب السودان في الأساس تتعلق بالصراع الطبقي ولا يمكن حلها بالبندقية وحدها، بينما يرى عرمان أن قضية التهميش هناك أزمة سياسيات جائرة من الحكومات المستبدة، ولا يمكن معالجتها إلا عبر القضاء على جذورها المتمثلة في تلك القوى المهيمنة على القرار في الشمال.
وحين كانت الحركات المسلحة المتمردة في جنوب السودان على حكومات المركز بالخرطوم تطالب بالانفصال ربما استطاع ياسر عرمان أن يقنع قائد الحركة الشعبية بالقتال من أجل التحرر في إطار وحدة السودان، ولكن لا يعرف عما إذا كان تخلي زعيم الحركة جون قرنق عن منفيستو الحركة الماركسي الذي رفعته عند تكوينها في عام 1983 كان يإيعاز من ياسر عرمان، أم أن قرنق اتخذ هذا القرار وفق سياسة براغماتية تهدف لاستقطاب الدعم الغربي للحركة الشعبية.
عرمان وحكومة البشير
عرف ياسر عرمان بخصومته الشديدة لنظام الجبهة الإسلامية وتنظيمها السياسي المؤتمر الوطني، وكان إعلام النظام يشن عليه هجمات سياسية عبر الصحف الموالية له، واتهموه بقتل طالبين من التنظيم الإسلامي بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، وأنه فر بعدها إلى اثيوبيا ملتحقاً بالحركة الشعبية لجنوب السودان، مع أنهم يعلمون أن المحكمة كانت قد برأته وأطلقت سراحه من تلك التهمة. ولعل ذلك البغض السياسي من سياسيي النظام تجاه عرمان يعود إلى مدى تأثيره الكارزمي في قائد الحركة الشعبية الذي عمل على إشعال نيران الحرب بشراسة في أحراش الجنوب، فزجت الحكومة آنذاك بمقاتلي الدفاع الشعبي الملتزمين بتنظيم الحركة الإسلامية حيث كانوا يرونها قضية دينية جهادية من أجل تثبيت اعمدة الدين في مقابل حركة علمانية يرون أنها تهدف إلى استئصال الدين من تلك المنطقة الحيوية الغنية بالموارد.
غير أن حكومة المؤتمر الوطني وقعت على اتفاقية نيفاشا للسلام مع الحركة الشعبية، ليعود زعيمها جون قرنق للخرطوم نائباً للرئيس عبر فترة انتقالية يعقبها استفتاء لتقرير مصير الجنوب حول الوحدة أو الانفصال، الا أن مصرع جون قرنق في حادث طائرة وتنصيب القائد سلفا كير بديلاً له في زعامة الحركة جعل انفصال الجنوب أمراً ممكناً، في حين أن الراحل جون قرنق كان من داعمي الوحدة هو ومساعده ومستشاره ياسر عرمان، ليجد عرمان بعد رحيل قرنق المفاجئ نفسه في عزلة سياسية، لكنه لاحقاً التحق بما تعرف بالحركة الشعبية شمال لجنوب كردفان والنيل الأزرق بقيادة مالك عقار وعبد العزيز الحلو، قبل أن تنشق الحركة ويتولى الحلو قيادة الحركة شمال )جبال النوبة(، في حين تولى مالك عقار الحركة الشعبية )النيل الأزرق(. وسرعان ما اكتسب ياسر عرمان بخبراته السياسية الكبيرة ثقة زعيم الحركة مالك عقار، فأصبح الأمين السياسي لها ومن المقربين من قائدها، وربما كان رفع الحركة الشعبية شمال شعار وحدة السودان ورفض تقرير المصير عكس ما ينادي به الجناح الآخر بزعامة عبد العزيز الحلو, وكان لكادر الحركة البارز والكارزمي ياسر عرمان دور في ذلك باعتباره من المنادين بشعار الوحدة عندما كان عضواً في الحركة الشعبية بجنوب السودان بزعامة جون قرنق.
الخروج الأخير
عندما تفجرت ثورة ديسمبر جاء ياسر عرمان مع قائده مالك عقار في الحركة الشعبية شمال ليخوض معه مفاوضات السلام في جوبا التي تكللت بالتوقيع على اتفاق السلام، ثم استعان به رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مجلس الوزراء كمستشار سياسي له، وفي اعقاب قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي تم اعتقال ياسر عرمان قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد التوقيع على الإعلان السياسي الذي وقعه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وبعد خروجه ندد عرمان بخطوة البرهان واعتبرها تعويقاً للمسار الديمقراطي، بينما ولج زعيم الحركة شمال الذي ينتمي لها عرمان في القصر الجمهوري عضواً في مجلس السيادة، مما يعني أن على عرمان الاندماج في الخطوة الجديدة وهو أمر بالطبع يعتبر متناقضاً مع مبادئه أو الابتعاد عن الحركة الشعبية والخروج منها من الباب الواسع قبل أن يخرج مضطراً بالفصل منها. وكانت صحيفة )اليوم التالي( قد ذكرت أمس أن الحركة الشعبية شمال ترتب لتغيرات داخل الحركة خلال الأيام القادمة، وكشف المصدر للصحيفة أن القائد مالك عقار دعا إلى اجتماع عاجل عقب عودته مباشرة من جوبا في زيارة للجنوب، وتوقع المصدر أن يقوم باسر عرمان بتقديم استقالته استباقاً للقرارات المرتقبة لرئيس الحركة.
ويرى المراقبون أن وجهة عرمان السياسة القادمة لن ترتبط بأي من الحركات المسلحة، وكذلك من المستحيل أن يعود إلى تياره السياسي السابق الحزب الشيوعي او الانضمام لأي حزب سياسي في هذه المرحلة، الا أنه لا يستبعد أن يتحالف سياسياً مع أحد الأحزاب السياسية في معركة الانتخابات القادمة في حال قيامها في ظل متغيرات جديدة، وربما يكون وقتها قريباً من حزب المؤتمر السوداني أو يغير أشرعة مراكبه بشكل غير متوقع.
على وشك المغادرة
عرمان.. بطاقة خروج من الحركة الشعبية
الخرطوم: أحمد طه صديق
تزعم بعض المصادر أن الحزب الشيوعي بعد أن اكتشف أن محاضر اجتماعاته تسربت إلى جهاز الأمن المايوي عمد إلى تغييب عضو من كل اجتماع حتى يدرك من الذي يقوم بالتسريب، وتقول تلك المصادر غير الموثوقة إن الحزب عندما غيب عمداً العضو الشاب آنذاك ياسر عرمان لم يتم تسريب تلك الاجتماعات، وقيل لاحقاً إن جهاز الأمن تعمد أن يحرق العضو الفاعل عرمان بعد أن يوصم بالخيانة داخل الحزب، وبالرغم من ان الرواية غير مؤكدة، لكن الثابت أن عرمان هجر الحزب الشيوعي في عام 1986م والتحق بالحركة الشعبية بجنوب السودان التي كانت تقاتل القوات الحكومية برئاسة الرئيس الراحل جعفر نميري الذي تمت الإطاحة به عقب انتفاضة ثورة السادس من إبريل 1985م، حيث حمل السلاح داخل أحراش الجنوب مقاتلاً في صفوف الحركة ربما كأول مواطن من شمال السودان ينضم إلى صفوفها العسكرية، واستطاع عرمان أن ينال ثقة قائد الحركة جون قرنق بحماسه وفكره السياسي الثاقب، منافحاً من أجل قضية التهميش الذي تعرض له شعب جنوب السودان. ومن الواضح أن عرمان عندما غادر الحزب الشيوعي لم يغادره فقط عبر مواقف سياسية طارئة، بل بسبب تقاطعات فكرية تتعلق بنظرية الحزب الشيوعي المتولدة من نخاع الفكر الماركسي، حيث كان الحزب الشيوعي في أدبياته السياسية يرى أن أزمة جنوب السودان في الأساس تتعلق بالصراع الطبقي ولا يمكن حلها بالبندقية وحدها، بينما يرى عرمان أن قضية التهميش هناك أزمة سياسيات جائرة من الحكومات المستبدة، ولا يمكن معالجتها إلا عبر القضاء على جذورها المتمثلة في تلك القوى المهيمنة على القرار في الشمال.
وحين كانت الحركات المسلحة المتمردة في جنوب السودان على حكومات المركز بالخرطوم تطالب بالانفصال ربما استطاع ياسر عرمان أن يقنع قائد الحركة الشعبية بالقتال من أجل التحرر في إطار وحدة السودان، ولكن لا يعرف عما إذا كان تخلي زعيم الحركة جون قرنق عن منفيستو الحركة الماركسي الذي رفعته عند تكوينها في عام 1983 كان يإيعاز من ياسر عرمان، أم أن قرنق اتخذ هذا القرار وفق سياسة براغماتية تهدف لاستقطاب الدعم الغربي للحركة الشعبية.
عرمان وحكومة البشير
عرف ياسر عرمان بخصومته الشديدة لنظام الجبهة الإسلامية وتنظيمها السياسي المؤتمر الوطني، وكان إعلام النظام يشن عليه هجمات سياسية عبر الصحف الموالية له، واتهموه بقتل طالبين من التنظيم الإسلامي بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، وأنه فر بعدها إلى اثيوبيا ملتحقاً بالحركة الشعبية لجنوب السودان، مع أنهم يعلمون أن المحكمة كانت قد برأته وأطلقت سراحه من تلك التهمة. ولعل ذلك البغض السياسي من سياسيي النظام تجاه عرمان يعود إلى مدى تأثيره الكارزمي في قائد الحركة الشعبية الذي عمل على إشعال نيران الحرب بشراسة في أحراش الجنوب، فزجت الحكومة آنذاك بمقاتلي الدفاع الشعبي الملتزمين بتنظيم الحركة الإسلامية حيث كانوا يرونها قضية دينية جهادية من أجل تثبيت اعمدة الدين في مقابل حركة علمانية يرون أنها تهدف إلى استئصال الدين من تلك المنطقة الحيوية الغنية بالموارد.
غير أن حكومة المؤتمر الوطني وقعت على اتفاقية نيفاشا للسلام مع الحركة الشعبية، ليعود زعيمها جون قرنق للخرطوم نائباً للرئيس عبر فترة انتقالية يعقبها استفتاء لتقرير مصير الجنوب حول الوحدة أو الانفصال، الا أن مصرع جون قرنق في حادث طائرة وتنصيب القائد سلفا كير بديلاً له في زعامة الحركة جعل انفصال الجنوب أمراً ممكناً، في حين أن الراحل جون قرنق كان من داعمي الوحدة هو ومساعده ومستشاره ياسر عرمان، ليجد عرمان بعد رحيل قرنق المفاجئ نفسه في عزلة سياسية، لكنه لاحقاً التحق بما تعرف بالحركة الشعبية شمال لجنوب كردفان والنيل الأزرق بقيادة مالك عقار وعبد العزيز الحلو، قبل أن تنشق الحركة ويتولى الحلو قيادة الحركة شمال )جبال النوبة(، في حين تولى مالك عقار الحركة الشعبية )النيل الأزرق(. وسرعان ما اكتسب ياسر عرمان بخبراته السياسية الكبيرة ثقة زعيم الحركة مالك عقار، فأصبح الأمين السياسي لها ومن المقربين من قائدها، وربما كان رفع الحركة الشعبية شمال شعار وحدة السودان ورفض تقرير المصير عكس ما ينادي به الجناح الآخر بزعامة عبد العزيز الحلو, وكان لكادر الحركة البارز والكارزمي ياسر عرمان دور في ذلك باعتباره من المنادين بشعار الوحدة عندما كان عضواً في الحركة الشعبية بجنوب السودان بزعامة جون قرنق.
الخروج الأخير
عندما تفجرت ثورة ديسمبر جاء ياسر عرمان مع قائده مالك عقار في الحركة الشعبية شمال ليخوض معه مفاوضات السلام في جوبا التي تكللت بالتوقيع على اتفاق السلام، ثم استعان به رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مجلس الوزراء كمستشار سياسي له، وفي اعقاب قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي تم اعتقال ياسر عرمان قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد التوقيع على الإعلان السياسي الذي وقعه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وبعد خروجه ندد عرمان بخطوة البرهان واعتبرها تعويقاً للمسار الديمقراطي، بينما ولج زعيم الحركة شمال الذي ينتمي لها عرمان في القصر الجمهوري عضواً في مجلس السيادة، مما يعني أن على عرمان الاندماج في الخطوة الجديدة وهو أمر بالطبع يعتبر متناقضاً مع مبادئه أو الابتعاد عن الحركة الشعبية والخروج منها من الباب الواسع قبل أن يخرج مضطراً بالفصل منها. وكانت صحيفة )اليوم التالي( قد ذكرت أمس أن الحركة الشعبية شمال ترتب لتغيرات داخل الحركة خلال الأيام القادمة، وكشف المصدر للصحيفة أن القائد مالك عقار دعا إلى اجتماع عاجل عقب عودته مباشرة من جوبا في زيارة للجنوب، وتوقع المصدر أن يقوم باسر عرمان بتقديم استقالته استباقاً للقرارات المرتقبة لرئيس الحركة.
ويرى المراقبون أن وجهة عرمان السياسة القادمة لن ترتبط بأي من الحركات المسلحة، وكذلك من المستحيل أن يعود إلى تياره السياسي السابق الحزب الشيوعي او الانضمام لأي حزب سياسي في هذه المرحلة، الا أنه لا يستبعد أن يتحالف سياسياً مع أحد الأحزاب السياسية في معركة الانتخابات القادمة في حال قيامها في ظل متغيرات جديدة، وربما يكون وقتها قريباً من حزب المؤتمر السوداني أو يغير أشرعة مراكبه بشكل غير متوقع.
الخرطوم: أحمد طه صديق
تزعم بعض المصادر أن الحزب الشيوعي بعد أن اكتشف أن محاضر اجتماعاته تسربت إلى جهاز الأمن المايوي عمد إلى تغييب عضو من كل اجتماع حتى يدرك من الذي يقوم بالتسريب، وتقول تلك المصادر غير الموثوقة إن الحزب عندما غيب عمداً العضو الشاب آنذاك ياسر عرمان لم يتم تسريب تلك الاجتماعات، وقيل لاحقاً إن جهاز الأمن تعمد أن يحرق العضو الفاعل عرمان بعد أن يوصم بالخيانة داخل الحزب، وبالرغم من ان الرواية غير مؤكدة، لكن الثابت أن عرمان هجر الحزب الشيوعي في عام 1986م والتحق بالحركة الشعبية بجنوب السودان التي كانت تقاتل القوات الحكومية برئاسة الرئيس الراحل جعفر نميري الذي تمت الإطاحة به عقب انتفاضة ثورة السادس من إبريل 1985م، حيث حمل السلاح داخل أحراش الجنوب مقاتلاً في صفوف الحركة ربما كأول مواطن من شمال السودان ينضم إلى صفوفها العسكرية، واستطاع عرمان أن ينال ثقة قائد الحركة جون قرنق بحماسه وفكره السياسي الثاقب، منافحاً من أجل قضية التهميش الذي تعرض له شعب جنوب السودان. ومن الواضح أن عرمان عندما غادر الحزب الشيوعي لم يغادره فقط عبر مواقف سياسية طارئة، بل بسبب تقاطعات فكرية تتعلق بنظرية الحزب الشيوعي المتولدة من نخاع الفكر الماركسي، حيث كان الحزب الشيوعي في أدبياته السياسية يرى أن أزمة جنوب السودان في الأساس تتعلق بالصراع الطبقي ولا يمكن حلها بالبندقية وحدها، بينما يرى عرمان أن قضية التهميش هناك أزمة سياسيات جائرة من الحكومات المستبدة، ولا يمكن معالجتها إلا عبر القضاء على جذورها المتمثلة في تلك القوى المهيمنة على القرار في الشمال.
وحين كانت الحركات المسلحة المتمردة في جنوب السودان على حكومات المركز بالخرطوم تطالب بالانفصال ربما استطاع ياسر عرمان أن يقنع قائد الحركة الشعبية بالقتال من أجل التحرر في إطار وحدة السودان، ولكن لا يعرف عما إذا كان تخلي زعيم الحركة جون قرنق عن منفيستو الحركة الماركسي الذي رفعته عند تكوينها في عام 1983 كان يإيعاز من ياسر عرمان، أم أن قرنق اتخذ هذا القرار وفق سياسة براغماتية تهدف لاستقطاب الدعم الغربي للحركة الشعبية.
عرمان وحكومة البشير
عرف ياسر عرمان بخصومته الشديدة لنظام الجبهة الإسلامية وتنظيمها السياسي المؤتمر الوطني، وكان إعلام النظام يشن عليه هجمات سياسية عبر الصحف الموالية له، واتهموه بقتل طالبين من التنظيم الإسلامي بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، وأنه فر بعدها إلى اثيوبيا ملتحقاً بالحركة الشعبية لجنوب السودان، مع أنهم يعلمون أن المحكمة كانت قد برأته وأطلقت سراحه من تلك التهمة. ولعل ذلك البغض السياسي من سياسيي النظام تجاه عرمان يعود إلى مدى تأثيره الكارزمي في قائد الحركة الشعبية الذي عمل على إشعال نيران الحرب بشراسة في أحراش الجنوب، فزجت الحكومة آنذاك بمقاتلي الدفاع الشعبي الملتزمين بتنظيم الحركة الإسلامية حيث كانوا يرونها قضية دينية جهادية من أجل تثبيت اعمدة الدين في مقابل حركة علمانية يرون أنها تهدف إلى استئصال الدين من تلك المنطقة الحيوية الغنية بالموارد.
غير أن حكومة المؤتمر الوطني وقعت على اتفاقية نيفاشا للسلام مع الحركة الشعبية، ليعود زعيمها جون قرنق للخرطوم نائباً للرئيس عبر فترة انتقالية يعقبها استفتاء لتقرير مصير الجنوب حول الوحدة أو الانفصال، الا أن مصرع جون قرنق في حادث طائرة وتنصيب القائد سلفا كير بديلاً له في زعامة الحركة جعل انفصال الجنوب أمراً ممكناً، في حين أن الراحل جون قرنق كان من داعمي الوحدة هو ومساعده ومستشاره ياسر عرمان، ليجد عرمان بعد رحيل قرنق المفاجئ نفسه في عزلة سياسية، لكنه لاحقاً التحق بما تعرف بالحركة الشعبية شمال لجنوب كردفان والنيل الأزرق بقيادة مالك عقار وعبد العزيز الحلو، قبل أن تنشق الحركة ويتولى الحلو قيادة الحركة شمال )جبال النوبة(، في حين تولى مالك عقار الحركة الشعبية )النيل الأزرق(. وسرعان ما اكتسب ياسر عرمان بخبراته السياسية الكبيرة ثقة زعيم الحركة مالك عقار، فأصبح الأمين السياسي لها ومن المقربين من قائدها، وربما كان رفع الحركة الشعبية شمال شعار وحدة السودان ورفض تقرير المصير عكس ما ينادي به الجناح الآخر بزعامة عبد العزيز الحلو, وكان لكادر الحركة البارز والكارزمي ياسر عرمان دور في ذلك باعتباره من المنادين بشعار الوحدة عندما كان عضواً في الحركة الشعبية بجنوب السودان بزعامة جون قرنق.
الخروج الأخير
عندما تفجرت ثورة ديسمبر جاء ياسر عرمان مع قائده مالك عقار في الحركة الشعبية شمال ليخوض معه مفاوضات السلام في جوبا التي تكللت بالتوقيع على اتفاق السلام، ثم استعان به رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مجلس الوزراء كمستشار سياسي له، وفي اعقاب قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي تم اعتقال ياسر عرمان قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد التوقيع على الإعلان السياسي الذي وقعه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وبعد خروجه ندد عرمان بخطوة البرهان واعتبرها تعويقاً للمسار الديمقراطي، بينما ولج زعيم الحركة شمال الذي ينتمي لها عرمان في القصر الجمهوري عضواً في مجلس السيادة، مما يعني أن على عرمان الاندماج في الخطوة الجديدة وهو أمر بالطبع يعتبر متناقضاً مع مبادئه أو الابتعاد عن الحركة الشعبية والخروج منها من الباب الواسع قبل أن يخرج مضطراً بالفصل منها. وكانت صحيفة )اليوم التالي( قد ذكرت أمس أن الحركة الشعبية شمال ترتب لتغيرات داخل الحركة خلال الأيام القادمة، وكشف المصدر للصحيفة أن القائد مالك عقار دعا إلى اجتماع عاجل عقب عودته مباشرة من جوبا في زيارة للجنوب، وتوقع المصدر أن يقوم باسر عرمان بتقديم استقالته استباقاً للقرارات المرتقبة لرئيس الحركة.
ويرى المراقبون أن وجهة عرمان السياسة القادمة لن ترتبط بأي من الحركات المسلحة، وكذلك من المستحيل أن يعود إلى تياره السياسي السابق الحزب الشيوعي او الانضمام لأي حزب سياسي في هذه المرحلة، الا أنه لا يستبعد أن يتحالف سياسياً مع أحد الأحزاب السياسية في معركة الانتخابات القادمة في حال قيامها في ظل متغيرات جديدة، وربما يكون وقتها قريباً من حزب المؤتمر السوداني أو يغير أشرعة مراكبه بشكل غير متوقع.
على وشك المغادرة
عرمان.. بطاقة خروج من الحركة الشعبية
الخرطوم: أحمد طه صديق
تزعم بعض المصادر أن الحزب الشيوعي بعد أن اكتشف أن محاضر اجتماعاته تسربت إلى جهاز الأمن المايوي عمد إلى تغييب عضو من كل اجتماع حتى يدرك من الذي يقوم بالتسريب، وتقول تلك المصادر غير الموثوقة إن الحزب عندما غيب عمداً العضو الشاب آنذاك ياسر عرمان لم يتم تسريب تلك الاجتماعات، وقيل لاحقاً إن جهاز الأمن تعمد أن يحرق العضو الفاعل عرمان بعد أن يوصم بالخيانة داخل الحزب، وبالرغم من ان الرواية غير مؤكدة، لكن الثابت أن عرمان هجر الحزب الشيوعي في عام 1986م والتحق بالحركة الشعبية بجنوب السودان التي كانت تقاتل القوات الحكومية برئاسة الرئيس الراحل جعفر نميري الذي تمت الإطاحة به عقب انتفاضة ثورة السادس من إبريل 1985م، حيث حمل السلاح داخل أحراش الجنوب مقاتلاً في صفوف الحركة ربما كأول مواطن من شمال السودان ينضم إلى صفوفها العسكرية، واستطاع عرمان أن ينال ثقة قائد الحركة جون قرنق بحماسه وفكره السياسي الثاقب، منافحاً من أجل قضية التهميش الذي تعرض له شعب جنوب السودان. ومن الواضح أن عرمان عندما غادر الحزب الشيوعي لم يغادره فقط عبر مواقف سياسية طارئة، بل بسبب تقاطعات فكرية تتعلق بنظرية الحزب الشيوعي المتولدة من نخاع الفكر الماركسي، حيث كان الحزب الشيوعي في أدبياته السياسية يرى أن أزمة جنوب السودان في الأساس تتعلق بالصراع الطبقي ولا يمكن حلها بالبندقية وحدها، بينما يرى عرمان أن قضية التهميش هناك أزمة سياسيات جائرة من الحكومات المستبدة، ولا يمكن معالجتها إلا عبر القضاء على جذورها المتمثلة في تلك القوى المهيمنة على القرار في الشمال.
وحين كانت الحركات المسلحة المتمردة في جنوب السودان على حكومات المركز بالخرطوم تطالب بالانفصال ربما استطاع ياسر عرمان أن يقنع قائد الحركة الشعبية بالقتال من أجل التحرر في إطار وحدة السودان، ولكن لا يعرف عما إذا كان تخلي زعيم الحركة جون قرنق عن منفيستو الحركة الماركسي الذي رفعته عند تكوينها في عام 1983 كان يإيعاز من ياسر عرمان، أم أن قرنق اتخذ هذا القرار وفق سياسة براغماتية تهدف لاستقطاب الدعم الغربي للحركة الشعبية.
عرمان وحكومة البشير
عرف ياسر عرمان بخصومته الشديدة لنظام الجبهة الإسلامية وتنظيمها السياسي المؤتمر الوطني، وكان إعلام النظام يشن عليه هجمات سياسية عبر الصحف الموالية له، واتهموه بقتل طالبين من التنظيم الإسلامي بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، وأنه فر بعدها إلى اثيوبيا ملتحقاً بالحركة الشعبية لجنوب السودان، مع أنهم يعلمون أن المحكمة كانت قد برأته وأطلقت سراحه من تلك التهمة. ولعل ذلك البغض السياسي من سياسيي النظام تجاه عرمان يعود إلى مدى تأثيره الكارزمي في قائد الحركة الشعبية الذي عمل على إشعال نيران الحرب بشراسة في أحراش الجنوب، فزجت الحكومة آنذاك بمقاتلي الدفاع الشعبي الملتزمين بتنظيم الحركة الإسلامية حيث كانوا يرونها قضية دينية جهادية من أجل تثبيت اعمدة الدين في مقابل حركة علمانية يرون أنها تهدف إلى استئصال الدين من تلك المنطقة الحيوية الغنية بالموارد.
غير أن حكومة المؤتمر الوطني وقعت على اتفاقية نيفاشا للسلام مع الحركة الشعبية، ليعود زعيمها جون قرنق للخرطوم نائباً للرئيس عبر فترة انتقالية يعقبها استفتاء لتقرير مصير الجنوب حول الوحدة أو الانفصال، الا أن مصرع جون قرنق في حادث طائرة وتنصيب القائد سلفا كير بديلاً له في زعامة الحركة جعل انفصال الجنوب أمراً ممكناً، في حين أن الراحل جون قرنق كان من داعمي الوحدة هو ومساعده ومستشاره ياسر عرمان، ليجد عرمان بعد رحيل قرنق المفاجئ نفسه في عزلة سياسية، لكنه لاحقاً التحق بما تعرف بالحركة الشعبية شمال لجنوب كردفان والنيل الأزرق بقيادة مالك عقار وعبد العزيز الحلو، قبل أن تنشق الحركة ويتولى الحلو قيادة الحركة شمال )جبال النوبة(، في حين تولى مالك عقار الحركة الشعبية )النيل الأزرق(. وسرعان ما اكتسب ياسر عرمان بخبراته السياسية الكبيرة ثقة زعيم الحركة مالك عقار، فأصبح الأمين السياسي لها ومن المقربين من قائدها، وربما كان رفع الحركة الشعبية شمال شعار وحدة السودان ورفض تقرير المصير عكس ما ينادي به الجناح الآخر بزعامة عبد العزيز الحلو, وكان لكادر الحركة البارز والكارزمي ياسر عرمان دور في ذلك باعتباره من المنادين بشعار الوحدة عندما كان عضواً في الحركة الشعبية بجنوب السودان بزعامة جون قرنق.
الخروج الأخير
عندما تفجرت ثورة ديسمبر جاء ياسر عرمان مع قائده مالك عقار في الحركة الشعبية شمال ليخوض معه مفاوضات السلام في جوبا التي تكللت بالتوقيع على اتفاق السلام، ثم استعان به رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مجلس الوزراء كمستشار سياسي له، وفي اعقاب قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي تم اعتقال ياسر عرمان قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد التوقيع على الإعلان السياسي الذي وقعه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وبعد خروجه ندد عرمان بخطوة البرهان واعتبرها تعويقاً للمسار الديمقراطي، بينما ولج زعيم الحركة شمال الذي ينتمي لها عرمان في القصر الجمهوري عضواً في مجلس السيادة، مما يعني أن على عرمان الاندماج في الخطوة الجديدة وهو أمر بالطبع يعتبر متناقضاً مع مبادئه أو الابتعاد عن الحركة الشعبية والخروج منها من الباب الواسع قبل أن يخرج مضطراً بالفصل منها. وكانت صحيفة )اليوم التالي( قد ذكرت أمس أن الحركة الشعبية شمال ترتب لتغيرات داخل الحركة خلال الأيام القادمة، وكشف المصدر للصحيفة أن القائد مالك عقار دعا إلى اجتماع عاجل عقب عودته مباشرة من جوبا في زيارة للجنوب، وتوقع المصدر أن يقوم باسر عرمان بتقديم استقالته استباقاً للقرارات المرتقبة لرئيس الحركة.
ويرى المراقبون أن وجهة عرمان السياسة القادمة لن ترتبط بأي من الحركات المسلحة، وكذلك من المستحيل أن يعود إلى تياره السياسي السابق الحزب الشيوعي او الانضمام لأي حزب سياسي في هذه المرحلة، الا أنه لا يستبعد أن يتحالف سياسياً مع أحد الأحزاب السياسية في معركة الانتخابات القادمة في حال قيامها في ظل متغيرات جديدة، وربما يكون وقتها قريباً من حزب المؤتمر السوداني أو يغير أشرعة مراكبه بشكل غير متوقع.