الجمعة 24 ديسمبر 2021 - 11:13
مصادفة هذه الأيام ظلت تقع على عيني وأذني بصورة مستمرة، مناقشات وبرامج عن التراث الحضاري للإنسانية والفلكلور لدى مختلف أمم العالم.. وآخرها أمسية الأربعاء الفائتة استمعت إلى برنامج إذاعي ناجح ومُمتع ذلكم هو برنامج )فلكلور(, وبعد أن سيطر علي هذا البرنامج وفرض علي سماعه ظللت بعده ولمدة طويلة أفكر في هذه المسألة الهامة إلى أن فرضت نفسها هي بدورها على الصفحة، دارت بذهني نقطتان أساسيتان حول مفهوم التراث والتعامل معه والاستفادة منه.. والنظرة الموضوعية له, الأولى هي المثقف السوداني يعرف تاريخ أمته الحضاري معرفة كاملة أو قريبة من ذات وحضارة أقصد بها جميع جوانب النشاط الفكري وأعني مُختلف مجالات الحياة وتشمل أيضاً التراث الشعبي والغاز وحكايات، طرح هذا السؤال واضح في الاعتبار موقف البعض من التراث.. ذلك الموقف الذي يثير من القضايا المعقدة وكثير ما يوحي لبعض الناس أن الاستغراق في البحث عن التراث والتحدث عنه والغوص في أعماقه يبعد القائمين به عن التحديد والمرونة في تقبل الجديد ومسايرة روح العصر وهذا واردٌ بالطبع، ولكن الدراسة العلمية المتأنية هي التي تضع كل شيء في مكانه التاريخي الصحيح, وتجعل من السّهل المزج المُتناسق والدراسة العلمية من أن تنتهي إلى التعصب. والتراث الحضاري والشعبي بالنسبة لنا في السودان عريضٌ وعميقٌ.. عرض وعي انتمائنا وضرب حضارتنا المختلفة في أعماق التاريخ, فالتراث العربي الذي عاش على أرض الوطن العربي والأفريقي.. قبل انتشار الإسلام.. وقبل استكمال الوحدة الثقافية العربية أو الأفريقية.. وعليه, لا بد أن نفهم واقعنا ونبني مُستقبلنا على هذا الأساس.. أن نعرف ما في مُجتمعنا من بذور ورواسب لهذا الماضي الطويل.. وكل هذا التراث بمعناه الشامل قادرٌ على أن يوصل لمثقف اليوم وأن يفتح له مجالاً للاقتباس والخلق يضفي على العمل الثقافي أصالة لا تتوفر لمن حرم نفسه من التأمل والوقوف على ما يزخر به مجتمعنا من تراث فلم يحدث في تاريخ الإنسانية أن انقطعت الأسباب بين الحضارة السابقة واللاحقة.. وليست الأمم الحديثة في أي مكان من العالم ترضى لنفسها أن تجهل تراثها وإنما جهدها يقوم على زيادة الفهم لهذا التراث وزيادة الانتفاع به والثانية وجوب معرفة المثقف السوداني لواقع أمته ومجتمعه.. ومعرفة هذا الواقع ودراسة مشاكله والالتحام التام بالجماهير.. وهذا بدوره يُثير بعض النقاش حول التعالي على الجماهير والتأفف وإبداء عدم الرضاء الدائم عن الواقع.. وفي رأيي من سوء الظن بالجماهير واتهام الشعبية بالإسفاف أثر سلبي من الآثار التي يحرص عليها المستعمر دائماً على أن يتركها ويزرعها بعناية في أذهان طلبة المدارس والجامعات.. وهذه دائماً تترك قطاعاً كبيراً من أبناء الوطن يتولى قيادة الصراع ما بين المفاهيم الجديدة والقديمة عندما تتحرّر بلدانهم من نير الاستعمار.. وعلاج ذلك لا يكون إلا عن طريق المزيد من الالتحام بالجماهير.. فهذا وحده الذي يطرد الغربة عن المثقف الحقيقي ويُتيح له فرصاً لو استطاع الانتفاع بها لقضت على الكثير من أزماته.. وقادته إلى الطريق الذي يجد فيه ذاته مُتفاعلاً مع أمته وهذا ما نبحث عنه بعناية وأمنياتي الطيبة لبرنامج )فلكلور(.
*.من التراث:
في كتاب طبقات ود ضيف الله تحقيق يوسف فضل في سيرة العجمي جاء الآتي:
العجمي بن حسونة اسمه محمد وأم فاطمة بنت وحشية الارصادية خميسية ووالدها مسملى قبيعي.. وكان والده حسونة يتجر للريف.. فإن الشيخ حسن سلكه الطريق واشتغل بالذكر والعبادة وقال يا حسن قلدتني في تجارتي ثم لما وصل مقامات الرجال قال له الشيخ حسن ما يرتعن تورين في بقر.. فسافر إلى الحجاز وجاور بمكة وسلك في رباط العباسي وانقطع إلى الله بالذكر والعبادة ولم يتزوج إلى أن مات.. فلما حج الشيخ حسن فلم يسلم عليه فقيل له لم لا تسلم عليه أخيك وشيخك فقال: نظر المُحب للمُحب سلام والصمت بين العارفين كلام، ومن زهده أن سلطان إسطنبول معتقداً فيه وأهدى له ابنته أن يتزوجها ومعها دنيا كثيرة فلم يقبلها, وقال: إن سمع قولي يدوها هذا الفقير وقال الحاج إبراهيم بن يري نحن أربعة سافرنا إلى الحج الشيخ حسن كتب لنا مكتوباً صغيراً إلى عنده قال له الفقراء لا تجيهم عوجة فلما قرأ المكتوب قال تب الله الموه الله.. كل يوم في طاقة نلقى أربعة اقراص على عددنا.. ومن كراماته أصاب الناس بمكة مطر شديد هدم البيوت وحزم السيل البيت فاستغاث الناس به وغز عكازه فبلع جميع المياه ببركته وكتب يوماً في الأرض إلى حواره وقال له اني مسافر إلى المدينة فأرخ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي توفى فيه وتوفى بأحد الحرمين.. انتهى.
مربع شعر:
قال ود الفراش متغزلاً:
تعبت من جلجلة وشيبنا بشيب كلما طربت أشد فوق أم نويب
تعرف للمشي وتتكي طيب نقول فوسسبيه ضاربها الهبيب
مقطع شعر:
قال صلاح عبد الصبور في قصيدته )موت فلاح(:
لم يك مثلنا يستعجل الموتا
لأنه كل صباح، كان يصنع الحياة في التراب
ولم يكن كدأبنا, يلغط بالفلسفة الميتة
لأنه لا يجد الوقت
لكنه, والموت مقدور
قضى, ظهيرة النهار, والتراب في يده
والماء يجري بين أقدامه
وعندما جاء ملاك الموت يدعوه
لوّن بالدهشة عيناً وفما
ومدّ للأمام ساعداً، وجرّ في عياء قدما
واستغفر الله
ثم ارتمى
والفأس والدرّة في جانبه تكوّما
وجاء أهله وأسبلوا جفونه
وكفنوا جثمانه وقبّلوا جبينه
وغيبوه في التراب في منخفض الرمال
وحدقوا إلى الحقول في سكينة
من أمثالنا:
اتنين ندور غُناهم راجل بنتك وصاحب دَينك
مصادفة هذه الأيام ظلت تقع على عيني وأذني بصورة مستمرة، مناقشات وبرامج عن التراث الحضاري للإنسانية والفلكلور لدى مختلف أمم العالم.. وآخرها أمسية الأربعاء الفائتة استمعت إلى برنامج إذاعي ناجح ومُمتع ذلكم هو برنامج )فلكلور(, وبعد أن سيطر علي هذا البرنامج وفرض علي سماعه ظللت بعده ولمدة طويلة أفكر في هذه المسألة الهامة إلى أن فرضت نفسها هي بدورها على الصفحة، دارت بذهني نقطتان أساسيتان حول مفهوم التراث والتعامل معه والاستفادة منه.. والنظرة الموضوعية له, الأولى هي المثقف السوداني يعرف تاريخ أمته الحضاري معرفة كاملة أو قريبة من ذات وحضارة أقصد بها جميع جوانب النشاط الفكري وأعني مُختلف مجالات الحياة وتشمل أيضاً التراث الشعبي والغاز وحكايات، طرح هذا السؤال واضح في الاعتبار موقف البعض من التراث.. ذلك الموقف الذي يثير من القضايا المعقدة وكثير ما يوحي لبعض الناس أن الاستغراق في البحث عن التراث والتحدث عنه والغوص في أعماقه يبعد القائمين به عن التحديد والمرونة في تقبل الجديد ومسايرة روح العصر وهذا واردٌ بالطبع، ولكن الدراسة العلمية المتأنية هي التي تضع كل شيء في مكانه التاريخي الصحيح, وتجعل من السّهل المزج المُتناسق والدراسة العلمية من أن تنتهي إلى التعصب. والتراث الحضاري والشعبي بالنسبة لنا في السودان عريضٌ وعميقٌ.. عرض وعي انتمائنا وضرب حضارتنا المختلفة في أعماق التاريخ, فالتراث العربي الذي عاش على أرض الوطن العربي والأفريقي.. قبل انتشار الإسلام.. وقبل استكمال الوحدة الثقافية العربية أو الأفريقية.. وعليه, لا بد أن نفهم واقعنا ونبني مُستقبلنا على هذا الأساس.. أن نعرف ما في مُجتمعنا من بذور ورواسب لهذا الماضي الطويل.. وكل هذا التراث بمعناه الشامل قادرٌ على أن يوصل لمثقف اليوم وأن يفتح له مجالاً للاقتباس والخلق يضفي على العمل الثقافي أصالة لا تتوفر لمن حرم نفسه من التأمل والوقوف على ما يزخر به مجتمعنا من تراث فلم يحدث في تاريخ الإنسانية أن انقطعت الأسباب بين الحضارة السابقة واللاحقة.. وليست الأمم الحديثة في أي مكان من العالم ترضى لنفسها أن تجهل تراثها وإنما جهدها يقوم على زيادة الفهم لهذا التراث وزيادة الانتفاع به والثانية وجوب معرفة المثقف السوداني لواقع أمته ومجتمعه.. ومعرفة هذا الواقع ودراسة مشاكله والالتحام التام بالجماهير.. وهذا بدوره يُثير بعض النقاش حول التعالي على الجماهير والتأفف وإبداء عدم الرضاء الدائم عن الواقع.. وفي رأيي من سوء الظن بالجماهير واتهام الشعبية بالإسفاف أثر سلبي من الآثار التي يحرص عليها المستعمر دائماً على أن يتركها ويزرعها بعناية في أذهان طلبة المدارس والجامعات.. وهذه دائماً تترك قطاعاً كبيراً من أبناء الوطن يتولى قيادة الصراع ما بين المفاهيم الجديدة والقديمة عندما تتحرّر بلدانهم من نير الاستعمار.. وعلاج ذلك لا يكون إلا عن طريق المزيد من الالتحام بالجماهير.. فهذا وحده الذي يطرد الغربة عن المثقف الحقيقي ويُتيح له فرصاً لو استطاع الانتفاع بها لقضت على الكثير من أزماته.. وقادته إلى الطريق الذي يجد فيه ذاته مُتفاعلاً مع أمته وهذا ما نبحث عنه بعناية وأمنياتي الطيبة لبرنامج )فلكلور(.
*.من التراث:
في كتاب طبقات ود ضيف الله تحقيق يوسف فضل في سيرة العجمي جاء الآتي:
العجمي بن حسونة اسمه محمد وأم فاطمة بنت وحشية الارصادية خميسية ووالدها مسملى قبيعي.. وكان والده حسونة يتجر للريف.. فإن الشيخ حسن سلكه الطريق واشتغل بالذكر والعبادة وقال يا حسن قلدتني في تجارتي ثم لما وصل مقامات الرجال قال له الشيخ حسن ما يرتعن تورين في بقر.. فسافر إلى الحجاز وجاور بمكة وسلك في رباط العباسي وانقطع إلى الله بالذكر والعبادة ولم يتزوج إلى أن مات.. فلما حج الشيخ حسن فلم يسلم عليه فقيل له لم لا تسلم عليه أخيك وشيخك فقال: نظر المُحب للمُحب سلام والصمت بين العارفين كلام، ومن زهده أن سلطان إسطنبول معتقداً فيه وأهدى له ابنته أن يتزوجها ومعها دنيا كثيرة فلم يقبلها, وقال: إن سمع قولي يدوها هذا الفقير وقال الحاج إبراهيم بن يري نحن أربعة سافرنا إلى الحج الشيخ حسن كتب لنا مكتوباً صغيراً إلى عنده قال له الفقراء لا تجيهم عوجة فلما قرأ المكتوب قال تب الله الموه الله.. كل يوم في طاقة نلقى أربعة اقراص على عددنا.. ومن كراماته أصاب الناس بمكة مطر شديد هدم البيوت وحزم السيل البيت فاستغاث الناس به وغز عكازه فبلع جميع المياه ببركته وكتب يوماً في الأرض إلى حواره وقال له اني مسافر إلى المدينة فأرخ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي توفى فيه وتوفى بأحد الحرمين.. انتهى.
مربع شعر:
قال ود الفراش متغزلاً:
تعبت من جلجلة وشيبنا بشيب كلما طربت أشد فوق أم نويب
تعرف للمشي وتتكي طيب نقول فوسسبيه ضاربها الهبيب
مقطع شعر:
قال صلاح عبد الصبور في قصيدته )موت فلاح(:
لم يك مثلنا يستعجل الموتا
لأنه كل صباح، كان يصنع الحياة في التراب
ولم يكن كدأبنا, يلغط بالفلسفة الميتة
لأنه لا يجد الوقت
لكنه, والموت مقدور
قضى, ظهيرة النهار, والتراب في يده
والماء يجري بين أقدامه
وعندما جاء ملاك الموت يدعوه
لوّن بالدهشة عيناً وفما
ومدّ للأمام ساعداً، وجرّ في عياء قدما
واستغفر الله
ثم ارتمى
والفأس والدرّة في جانبه تكوّما
وجاء أهله وأسبلوا جفونه
وكفنوا جثمانه وقبّلوا جبينه
وغيبوه في التراب في منخفض الرمال
وحدقوا إلى الحقول في سكينة
من أمثالنا:
اتنين ندور غُناهم راجل بنتك وصاحب دَينك
