الإثنين 31 يناير 2022 - 20:16

تقرير: نجلاء عباس
أماط وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم اللثام عن حجم الزيادة في أجور العاملين بالدولة التي ظلت الوزارة تتحدث عنها باستمرار دون الكشف عن أرقام، وفي برنامج )مؤتمر إذاعي( بالإذاعة السودانية الجمعة الماضية، أعلن الوزير عن رفع الحد الأدنى للأجور في موازنة العام الجاري من )3( آلاف جنيه إلى )12( ألف جنيه، وأثار هذا القرار الكثير من الشكوك والتخوف من ارتفاع التضخم وما يصاحبه من ارتفاع جنوني للأسعار الخاصة بالسلع الضرورية، بينما طمأن خبراء الاقتصاد بأن القرار سيمر بسلام إن اعتمدت الموازنة على إيرادات حقيقية والبعد عن الاستيراد والاستنزاف الخارجي.
تمت الموافقة
وكشف الناطق الرسمي لوزارة المالية د. أحمد شريف عن اكتمال قرار زيادة الأجور ورفع الحد الأدنى من )3( إلى )12( الف جنيه، وقال شريف لـ )الانتباهه( إن زيادة الأجور تمت إجازتها من هيكلة الفصل الأول بجانب الزيادة التي تمت في بنك الإعانات، وقال إن هناك زيادات أخرى سوف تتم في البدلات مثل الغلاء المعيشي وبدل السكن وغيره.
منع الترهل الحكومي
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد العاملين بالخدمة المدنية بالسودان أكثر من مليون عامل من جملة )11( مليون عامل بالقطاعات الأخرى، وفي منتصف أبريل من العام قبل الماضي شرعت الحكومة السودانية في تنفيذ زيادة كبيرة غير مسبوقة لأجور العاملين بالدولة، بلغت 569%، الأمر الذي أثر في معدلات التضخم المرتفعة أصلاً، وادى إلى حدوث عجز كبير في تمويل الموازنة العامة للدولة، حيث بلغت زيادة الحد الأدنى للأجور في البلاد بنحو )7( أضعاف عما كان عليه، إذ تم رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين في الدولة من )425( جنيهاً إلى )3( آلاف جنيه، في محاولة لمواكبة تغيرات الأسعار وارتفاع نسب التضخم المتصاعدة في البلاد، وتدهور قيمة العملة الوطنية الجنيه التي بلغ سعرها في السوق الموازية خلال الأسبوع الحالي )430( جنيهاً للدولار الواحد، ويحدد البنك المركزي السعر الرسمي بـ )55( جنيهاً للدولار الواحد.
وفي المقابل يقول المحلل الاقتصادي د. الفاتح عثمان لـ )الانتباهة( إن إعلان وزير المالية د. جبريل إبراهيم عن رفع الحد الأدنى للأجور من )3( آلاف جنيه إلى )12( الف جنيه يعتبر زيادة غير مسبوقة، لأنه يؤدي تلقائياً لقفزة كبيرة في أجور العاملين لدى القطاعين العام والخاص.
وتابع قائلاً: )أما من يقول انها غير منصفة فهذا غير سليم، لأن زيادة المرتبات تتحكم فيها أساساً الإيرادات المالية المتدفقة لخزانة المالية، وهي هذا العام محصورة في الجمارك والضرائب في ظل تجميد المانحين الدوليين مساعداتهم للسودان، بعد إجراءات البرهان العسكربة، وبالتالي فإن أية زيادة في المرتبات لا تقابلها إيرادات تكفي لتمويلها فسينتج عنها تلقائياً انهيار سريع لسعر الصرف للجنيه السوداني، وستقود إلى وضع أسوأ للعاملين من فترة ما قبل زيادة المرتبات(.
وقال: )إن زيادة المرتبات مع أنها ليست بالقدر الكافي، لكن كونها اعتمدت على إيرادات حقيقية سيشعر العاملون بجدواها وتساعدهم على ضنك المعيشة، لكن على الحكومة التخلي عن برنامج )سلعتي( الفاشل وتوجيه موارده في شكل منحة مالية للعاملين في القطاع الحكومي، ومن المعلوم بالضرورة أنه لن يتم إعطاء العاملين في القطاع الحكومي مرتبات كافية ما لم يتم إنهاء الترهل الكبير في الخدمة المدنية والتخلص من كل العاملين الذين لا توجد وظائف حقيقية لهم. والترهل الحالي يحول تماماً دون تحسين حقيقي للأجور في ظل إيرادات محدودة(.
خطوة متقدمة
أما الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم فيقول لـ )الانتباهة(: )إن قرار وزارة المالية برفع الحد الأدنى للأجور من )3( إلى )12( الف جنيه يعتبر خطوةً متوازنةً ومبررةً(، مشيراً إلى أن الزيادة التي تمت في عام 2019م أعقبتها قوة شرائية ضخمة حتى فقدت النقود قيمتها بنسبة ٤٠٠٪، وقال: )إن الزيادة للقطاع العام والعاملين بالدولة مجزية إلى حد كبير، خاصةً أن العاملين بالخدمة المدنية قرابة مليون عامل بمختلف الدرجات الوظيفية(، ولفت إلى أنه إن لم تتم زيادة في الأجور سوف يقف العاملون عن واجبهم، وسيحدث ترهل كبير في القطاع الحكومي، وأضاف أن الزيادة جاءت في وقت مناسب، وتمكن العاملين من مجابهة ارتفاع الأسعار والغلاء المعيشي وارتفاع معدل التضخم، إضافةً إلى الاحتقان السياسي والرفض للسلطة.
وتابع عبد المنعم قائلاً: )إن ما يجده العاملون من الدولة يصنف إعانة وليس أجوراً بما يستحقونه، فكل زيادة تتم قبل سنوات سابقة لا تفي بالغرض وغير مجزية لهم، وما تم اتخاذه حالياً يمكن أن يمكنهم من الصمود إلى حد ما أمام الغلاء المعيشي حتى تتحسن الحالة الاقتصادية للبلاد(.
تخوف غير منطقي
ويواصل الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم حديثه لـ )الانتباهة( وقال: )إن تخوف التجار وتشكيكهم بأن خطوة زيادة الأجور ستحدث ارتفاعاً في التضخم وترفع أسعار العملات الأجنبية غير منطقي(، ولفت إلى أنه إذا لم تتم زيادة فسيحدث الانهيار الكامل للدولة برفض العاملين مزاولة عملهم، وأضاف أنه من الجيد أن خصصت موازنة 2021م المعدلة ربع الإيرادات إلى زيادة الأجور بقيمة )729( مليار جنيه. وقال: )إن التشكيك في التضخم يعتمد على سير الموازنة وتمريرها بإيرادات حقيقية، خاصة أنه تمت زيادة الضرائب من 3 إلى 7٪(، وأشار إلى أن الضرائب والجمارك تحققان كتلة نقدية جيدة، وقال إن أمام وزارة المالية فرصة زيادة الضرائب بنسبة أكبر وفقاً للأوامر الوزارية وتحصيل الضرائب من المنبع للإيرادات والمدفوعات الحكومية، وقال إن زيادة الضرائب تحقق العدالة في توزيع الدخل بين الأعنياء والطبقات الدنيا.
وتوقع عبد المنعم انخفاض معدل التضخم من 200٪ إلى 100٪ أو أقل إن تمت تغطية الموازنة بإيرادات حقيقية ذاتية والانتفاء عن المكون الأجنبي، وترشيد الاستيراد والاكتفاء باستيراد السلع الضرورية فقط، وضرورة المحافظة على قيمة الجنيه السوداني.
ولفت عبد المنعم إلى أهمية السيطرة على المعابر المصرية التي وصفها بالمستنزفة، وقال: )يجب على وزير المالية اتخاذ قرارات أمام المعابر المصرية بصفتها عنصراً لهدم الاقتصاد والاستنزاف وتعويق الأداء الاقتصادي(.