الخميس 3 فبراير 2022 - 18:47
لقد توقف عن الحركة لكنه يتنفس، ها هو يحرك يده، لم يمت.. لا يزال على قيد الحياة.
يدب الأمل من جديد، وتتسارع الحركة أعلى الحفرة، حيث يستعد شاب نحيل البنية لمحاولة نزول جديدة علها تنجح هذه المرة، من أجل انتشال الطفل الصغير ريان الذي سقط في بئر ضيقة عمقها 62 مترا في إقليم شفشاون بالمغرب.
في القاع، بدا الطفل منهكا، خائر القوى، هزيل البنية، بالكاد يتحرك، مستلق على بطنه من شدة الألم والخوف، غير بعيد منه جهاز يُمده بما يحتاج من أكسيجين.
هو المشهد ذاته يتكرر ليومين متتاليين، لأكثر من 49 ساعة متواصلة، منذ أن انتشر خبر سقوط ريان، الطفل ذي السنوات الأربع في بئر يتجاوز قطرها الـ60 سنتمتراً، ويضيق نحو القاع، الذي يبعد 32 متراً.
قلوب منفطرة
عقارب الساعة تتمايل في كسل نحو الثامنة صباحاً بالتوقيت المحلي، الخميس، خيوط الشمس تُغالب عتمة الليل، لكنها لم تحمل معها أي جديد. لا يزال الوضع كما كان، والأمل أيضاً.
الحلول الميدانية لإنقاذ الطفل محدودة، جُلها فشل، لم يعد رجال الإنقاذ يملكون سوى الاستمرار في الحفر بالمُحاذاة مع البئر، والابتهال بالدُعاء.
على الرغم من التعب الظاهر على وجوههم الشاحبة، يُتابع رجال الإنقاذ حالة الطفل أولاً بأول، وغير بعيد عنهم بضع جرافات تضرب الأرض، علها تُزيل أطنان التراب المتراكمة، وتصل إلى الملاك الصغير.
وفي مُحيط الموقع، اجتمع أهالي المنطقة، ورفعوا أكف الضراعة، راجعين فرجاً قريباً، أو معجزة تزيد من صبر الطفل ومقاومته للجوع والعطش، وتسبق يد العناية الربانية إليه، قبل أن تصل له أيادي المنقذين.
توالت الأدعية إلى أن خفتت أصوات أصحابها من فرط التعب، إلا أن هدير الجرافات، وأصوات رجال الإنقاذ لم تخفت، ومجهوداتهم في تزايد.
عند اقتراب منتصف النهار، وصل عمق حفر الجرارات إلى 23 متراً من أصل 32 متراً عمق الثقب المائي حيث يوجد الطفل ريان.
عملية الحفر هذه، تتم بشكل أفقي بواسطة جرافات، تورد مصادر من فرق الإنقاذ لـ"العين الإخبارية"، وهو الشيء الذي يُبرر بطء العملية، نظراً للأطنان الهائلة من الأتربة التي يجب إزالتها، والتي تتجاوز 200 ألف متر مكعب.
متطوعون
وقبل الشروع في عمليات الحفر، وإلى ساعة مبكرة من فجر الخميس، تقاطر على موقع البئر العديد من المتطوعين، من محترفي تسلق الجبال وسبر أغوار المغارات، وذلك لولوج البئر وإنقاذ الطفل ريان.
بعضهم قطع أكثر من 200 كيلومتر للوصول إلى عين المكان، قادمين من مدن مختلفة، بعدما سمعوا الخبر من مواقع التواصل الاجتماعي. وقبلها اصطف العشرات من المتطوعين نحيلي البنية، قريباً من الحفرة للتطوع لانتشال الطفل من هناك.
آخر المُحاولات كانت لشاب جاء من مدينة تيفلت نواحي العاصمة المغربية الرباط، يحترف الغطس وتسلق الجبال، إلا أن محاولته باءت بالفشل.
وصل على عجل، بعد أكثر من أربع ساعات من السفر، وقف أمام البئر المهجور حيث رجال الإنقاذ وأهالي المنطقة، التقط أنفاسه، ارتدى عُدة التسلق، ثم نزل ورأسه إلى أسفل، صمت الجميع، والقلوب عند الحناجر..
"الظلام دامس، بالكاد يُضيء المصباح جُزءاً يسيراً، هُناك الكثير من الأحجار الحادة، لا يُمكنني التقدم أكثر، المكان ضيق جداً، لا أستطيع التنفس، أشعر بالاختناق" هكذا قال الشاب الذي حاول إنقاذ الطفل.
فشلت آخر المُحاولات، عم الإحباط، لا حل لإنقاذ الطفل عبر البئر سوى بإدخال طفل في نفس عمره، فاتساع أكتاف البالغين تحول دون وصولهم إلى القاع، لأن البئر يضيق جداً عن عمق الـ28 متراً.
خرج الشاب لاهثاً متعرقاً، أخذ نفساً عميقاً، ثم توسل رجال الإنقاذ إعادة الكرة مرة أخرى، رفضوا بادئ الأمر، لكن أمام إصراره أعادوه إلى البئر، حاول من جديد الحفر بيديه أو إزالة الأحجار، لكن، دون فائدة، قبل أن يفقد الوعي بسبب نقص الأكسيجين.
ألم وأمل
وفي منزل الطفل، اجتمع الجيران والأقارب، يواسون الأم المكلومة والجدة الموجوعة، أما والد الطفل ريان، فلا يكاد ينبس ببنت شفة حتى ينهار من شدة الحزن.
مناشدات متتالية للأسرة الصغيرة، تتوسل الإسراع بإنقاذ طفلها الصغير، وإعادته إليها حياً يُرزق.
كان الوقت زوالا، غاب عن أنظارنا، بحثنا عنه في كُل مكان، لنجده داخل البئر المهجور، تقول والدة ريان مُغالبة دموعها، قبل أن تنهار وهي تتوسل إرجاع طفلها.
جدته التي جاءت للقرية من منزلها الذي يبعد ستين كيلومتراً، لا يكف لسانها عن الدعاء، مكررة عبارة "أرجو من الله أن يُعيده إلي وأن أراه يلعب أمامي".
خطر داهم
بقاء الطفل على عمق 32 متراً، في تجويف أرضي ضيق، يضعه أمام العديد من المخاطر على حياته، تقول الطبيبة سناء الحناوي لـ"العين الإخبارية".
سقوط الطفل ريان من علو 32 متر وفي فضاء ضيق لا يتجاوز الـ60 سنتمتراً، مع احتمال كبير لارتطامه بجنبات البئر، يزيد من خطورة واحتمال وقوع كسور أو التواءات في العنق أو الأطراف، تقول الحناوي.
الطبيبة أكدت لـ"العين الإخبارية"، أن هذه الحادثة، يمكن أن تصيب الطفل بخطر شديد إما لشلل مؤقت أو دائم لا قدر الله. دون الحديث عن التعفنات المحتملة على مستوى الجراح أو الكسور، إذا لم يتم الوصول إليه بشكل سريع خلال الساعات القليلة القادمة.
واعتبرت أن التسريع بإنزاع أنبوب أكسيجين إلى الطفل ريان، ساهم بشكل كبير في الحفاظ على حياته، خاصة وأن طفلاً في مثل عمره لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة مع غياب الأكسيجين لمدة 10 دقائق.
في المقابل، حذرت من خطورة بقائه بالجوع والعطش، موضحة أن قدرة الأطفال على تحمل العطش تكون مابين 3 إلى 8 أيام، والجوع من أسبوع إلى شهر.
وعلى الرغم من ذلك، فإنه يواجه خطر الجفاف بسبب غياب الأكل والشرب لمدة طويلة وهي المدة التي تجاوزت الآن 49 ساعة، ناهيك عن خطر انخفاض سكر في الدم ووقوع إجهاد ومشاكل في التركيز وقد يصل للغيبوبة.
استنفار
وعلى مدار أكثر من 49 ساعة من المحاولات الحثيثة لإنقاذ الطفل ريان، استنفرت مختلف السلطات الحكومية، إلى جانب متطوعين، كُل جهودهم للتعجيل بإنقاذ الطفل ريان، والحفاظ على حياته.
وفي هذا الصدد، رصدت السلطات المحلية 5 آليات ثقيلة، بالإضافة إلى العشرات من عناصر الدرك والوقاية المدنية، ناهيك عن مهندسين طبوغرافيين لمواكبة عملية الحفر، والحيلولة دون انهيار البئر أو سقوط جزء منه على الطفل ريان.
وغير بعيد من مكان البئر، حطت مروحية طبية، مجهزة بكل وسائل الإنعاش والإسعاف، ترقباً لإخراج الطفل ريان من البئر، إلى جانب سيارة إسعاف طبية وفريق صحي يضم طبيب مختص في الإنعاش والتخدير وممرضين في الإنعاش والتخدير حلول بالمنطقة قادمين من المستشفى الإقليمي وثلاثة ممرضين تابعين للمركز الصحي بالمدينة.