الثلاثاء 8 فبراير 2022 - 17:48

حدثتني صديقتي : أذكر عندما كنا صغاراً ، كان أخي الذي يكبرني مباشرة حاد الطباع، صعب المراس ، وكان لي نصيب الأسد من شراسته، ربما بحكم أننا (طردة) كما يقولون، ولا أنسى، فطالما نصحتني أمي في ذلك الزمان بتجاهله ، فأنا كما كانت تقول (بنت) ولا يصح أن يعلو صوتي، وكان نتيجة استماعي لنصيحتها أنه تمادى في غيه وضلاله،،،
ما أردت قوله هنا إن الأم هي التي ترسخ مبدأ الذكورية في الأسرة السودانية، والكثير من الفتيات عانين الأمرين من سوء المعاملة، السباب والضرب من إخوانهن الذكور، وربما تسبب ذلك في نتائج كارثية تبدأ من انحراف السلوك، بحثاً عن الحنان والاهتمام المفقود داخل الأسرة مروراً بالهروب من منزل الأسرة وصولاً للشروع في الانتحار،،
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، المفهوم العام عند الغالبية إن لم يكن كل على سبيل التعميم، أن الفتاة هي التي يجب أن تقوم بالأعباء المنزلية وخدمة إخوانها الذكور، من تنظيف غرفهم، غسل وكي ملابسهم ومساعدة الأم أو القيام بتحضير الطعام، وهذا الاستنزاف التام للفتيات لصالح إخوانهن الذكور يقوم تحديداً برعاية الأم، فأنا لا أذكر صراحة أن والدي (رحمه الله) قد كلفني بأي مهام في إطار خدمة أخواني الذكور.
سمعت قصة بالأمس فيما يخص هذا الموضوع، قصة أليمة أثارت في داخلي كمية من الحنق على المجتمع السوداني كافة، وعلى المرأة السودانية على وجه الخصوص.
القصة تحكي عن أسرة سودانية عادية، أم وأب أنجبوا ثلاث فتيات وولد، وكالعادة نشأ الولد مدللاً، أفسدته أمه بالدلال وهو الآمر الناهي في البيت، كان لشقيقته التي تصغره نصيب الأسد في ازدرائه وتسلطه، وكان يترصدها هي تحديداً وجعلها خادمة شخصية له تقوم بخدمته من الألف للياء،
وفي مرة طلب منها كي ملابسه فرفضت، فما كان منه إلا أن أخذ المكواة وضربها بها على رأسها، وباختصار توفيت الفتاة،
لا تفغروا فاها ! فالمأساة الحقيقية لم تحدث حتى الآن، ذهبت الأم واستشارت محامياً سعياً منها لتبرئة الولد من جريمة قتل أخته،، أخبرها المحامي الداهية أنه ليس هناك أي حل سوى أن تقول إن الأخ قد وجد أخته في وضع مناف للأخلاق مع رجل، ولذلك فلتت أعصابه وقتلها،
وقد كان!!
تم تنفيذ ذلك السيناريو بنجاح،
تعرضت الفتاة للقتل وإشانة السمعة بمباركة والدتها التي أنجبتها من بطنها !
ترتب على هذه الحادثة طلاق الأخت الكبيرة للمتوفاة، لأن زوجها زهد في تلك العائلة بسبب التهمة التي ألحقت بالمتوفاة،
ورجعت الأخت ومعها أبناؤها إلى بيت الأسرة، وأصبح لزاماً عليها أن تقوم بخدمة شقيقها وأبنائها ووالدتها، أي خدمة الجميع، لا يفوتني هنا أن أذكر أن الأم تكتمت هي والولد على السبب الحقيقي الذي جعل الأخ يقتل أخته، وجعلت الجميع بما في ذلك بناتها يعتقدون أن ذلك تم بسبب وجودها في وضع مناف للأخلاق.
تزوج الولد بعد ذلك كأن شيئاً لم يكن، فهو رجل، تغاضى المجتمع عن جريمة أخته المزعومة.
هذه القصة حقيقية واعذروني إن كنت قد كدرتكم بها،
هذه الأم فعلت كل ذلك لصالح ولدها الذي لم يكن له أي ميزة غير أنه ذكر،
ولأن العدالة الإلهية يجب أن تسود ولو طال الظلم، فالذي حدث أن هذا الولد أصيب بمرض عضال، أفقده الحركة وأصبح مشلولاَ،
ولسبب ما وربما ضمير استيقظ متأخراً جداً ، قررت الأم مصارحة بناتها بحقيقة الأمر وتبرئة المتوفاة من التهمة التي ألحقت بها.
أنا حقيقة لا أعلم ما الذي حدث بعد ذلك، لأنه عندما وصلت محدثتي التي روت علي الحكاية إلى هذه النقطة، كنت أنا في غاية الغضب والحنق،
الأمر المؤسف أن حواء السودانية هي التي تناضل من أجل سيادة المجتمع الذكوري.
نهى محمد الامين
صحيفة التحرير