الأربعاء 11 أغسطس 2021 - 14:31
بشفافية - حيدر المكاشفي
قال لي ضابط الأمن وهو يحقق معي )أنت شيوعي(، قلت له ليس خشية من أن يصيبني ما تصيبون به الشيوعيين من سوء، ولكنها الحقيقة المجردة، فأنا لست شيوعياً فحسب بل لم انتمي يوماً لأي حزب، رغم أن الوالد رحمه الله كان من أنشط قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي في المنطقة التي يقيم فيها، وبذل ماله وجهده في نصرة هذا الحزب وتحمل في سبيله الكثير من العناء والعداء.
صحيح أنني كنت أنشط وما زلت فيما يثار ويستجد من قضايا وطنية، الا انني أفعل ذلك من موقف مستقل، فاذا ما تلاقت قناعتي مع طرح وموقف هذا الحزب أو ذاك حول قضية معينة أيدته في موقفه وتضامنت معه.. والاتهام بالشيوعية كان هو الأسلوب الرخيص الذي يستخدمه سدنة النظام البائد وجلاديه و)سنيدته(، للتنكيل بالخصوم من جهة، ولتنفير العوام من العمل المعارض بتضليلهم بأن من يقودونه هم الكفرة والملاحدة من الشيوعيين..المهم ما ذكرنا الشيوعية والحزب الشيوعي الا ان يوم 16 أغسطس القادم يصادف الذكري )75( لتأسيسه الذي تم في 16 أغسطس 1946، فهو حزب عريق وجذوره ضاربة في التربة الوطنية وله أثره وتأثيره في المشهد الوطني والسياسي، أبى من أبى وعاداه، ورضي من رضي ووالاه..
بمناسبة هذه الذكرى عن لي أن أحيي ذكرى فقيد البلاد محمد ابراهيم نقد رحمه الله السكرتير العام السابق للحزب، وما ذلك الا لأن لي محبة وتقدير خاصين لنقد، والحقيقة أنني لست وحدي من يكن هذا الشعور للفقيد، بل طيف واسع من مختلف فسيفساء السياسة السودانية يلتقون في محبة الرجل، فقد كان نقد من النوع الذي يألف ويؤلف، وحظي بسبب مبدئيته ونضاله باحترام القيادات السياسية والزعامات المجتمعية، ولهذا لم يتحرج كلا من الإمام الصادق المهدي امام الانصار ومرشد طائفة الختمية مولانا محمد عثمان الميرغني من أن يقدما نقد ليؤمهما في الصلاة إبان وجودهم جميعا في معتقل كوبر بعد انقلاب الانقاذ المشؤوم عام 1989، ولم نخص نقد بالذكر والتذكر دون غيره من القيادات التاريخية للحزب الشيوعي، الا لأننا عايشناه وخبرناه دون الآخرين من أمثال عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق وقاسم أمين وفاطمة أحمد ابراهيم والقائمة تطول، وقد افتقدت البلاد نقد في أشد لحظات حاجتها إليه وإلى حكمته وبصيرته النافذة ورؤاه السديدة، خاصة في مثل هذا المنعطف الذي تمر به البلاد وهي تواجه أزمات شديدة التعقيد والتشابك وليس لها إلا ذوي البصر النافذ والبصيرة المستبصرة، ونقد رحمه الله يعد بلا جدال واحدا من أبرز بصرائنا وحكمائنا وراشدينا وكبارنا، فعند المحكات والمنعطفات والأزمات، كان دوما أكبر من الحزب حتى لتظن أنه ليس سكرتيرا لحزب وإنما محلل ومراقب سياسي متحلل من أي انتماء حزبي، فقد كان واسع الرؤية يمد بصره إلى كامل الوطن ولا ينغلق داخل دائرة حزبية ضيقة لم تؤت مهما كانت الحكمة وفصل الخطاب، الانتماء للوطن السودان ولإنسان السودان البسيط العفيف الشريف يعلو عنده على كل انتماء، وكان ذلك مدخله للاقتناع بالماركسية والتزام جانب الحزب الشيوعي الذي ترقى في مدارجه حتى تربع على قيادته، وحتى لو اختلف الناس حول أُطروحات الحزب ورؤاه وأفكاره، فإنهم لا يختلفون حول المزايا الشخصية التي يتمتع بها نقد كسوداني صميم، كرس حياته ووهب عمره لقضايا الناس والبلد منذ ما قبل الاستقلال وإلى ساعة رحيله، وقد لاقى في سبيل ذلك ما لاقى من مشاق ومتاعب، من الاعتقال والملاحقة والمراقبة الأمنية وإلى الاختفاء بعيدا عن الأهل والأحباب محتسبا كل ذلك من أجل ما آمن به ومن أجل إنسان السودان الذي يعتبر نقد من أعرف الناس بمزاجه ونفسيته، ولهذا كان حبيب النفس إلى الجميع إلا ذوي المزاج الفاسد والنفوس المريضة، ولم يكن نقد سياسيا متمرسا فحسب وإنما كان إلى جانب ذلك مفكرا يعمل النظر في أعقد القضايا ويكتب فيها الدراسات ويؤلف الكتب، كما كان حاضر البديهة سريع الرد والتعليق المختصر المفيد وصاحب نكتة لاذعة وذكية وليست سفيهة أو غبية.ومن طرائفه الذكية، قيل أنه عندما كان عضوا بأحد البرلمانات وكان يجالس رفيقيه في البرلمان الشيخ ابوسبيب ودفع الله التوم، جاءهم زميلهم هجو قسم السيد شايل مصاحف أنيقة الشكل، قام هجو ادى الاتنين وفط نقد )تجاوزه(. نادى نقد هجو وسألو ليه ما اديتني مصحف، هجو قال ليهو ما حبيت احرجك، قال ليهو نقد أنا اسمي محمد ابراهيم نقد فيهو اتنين انبياء..انت من الله خلقك سمعت ليك بي نبي اسمو هجو، فضحك الجميع..