الثلاثاء 22 فبراير 2022 - 15:03
منى ابو زيد تكتب :المُغترب المُهاجر..!


“معظم السودانيين بالخارج بات شعارهم قول الإمام علي بن أبي طالب، خير البلاد هو ما حمَلَك – بفتح الميم – لا ما حمَّلَك بتشديدها، وتضييق الخناق عليك”.. الكاتبة ..!
دراسات العرب أكدت – منذ زمن – أن مئات مليارات من الدولارات هي خسائر هجرة العقول العربية، بينما كانت دراسات إفريقية قد أكدت أن القارة قد فقدت بين منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات حوالي ستين ألفاً من الخبرات المهنية في الإدارات العليا والمتوسطة هاجرت إلى الخارج. وفي المكتبة الفرنسية كتاب قيِّم بعنوان “هجرة العقول الإفريقية، مأساة قارة”. الكتاب يفند آثار هجرة العقول على التنمية في القارة الإفريقية، باعتبار أن الطاقات البشرية المحلية هي الشرط الأساسي للتنمية. إلى درجة أن مؤلف الكتاب – وهو فرنسي إفريقي من أصل كونغولي – قد نادى بوجوب عمل الحكومات على عودة المغتربين الأفارقة بشكل شبه مجاني..!
في السودان ثارت في السنوات الأخيرة قضايا إنسانية عديدة، دقت ناقوس الخطر فيما يختص بشؤون السودانيين خارج الوطن، في ليبيا، واليمن، ولبنان، بل وعلى حدود إسرائيل التي تمنع جوازات سفرهم تأشيرة دخولها. لم تعد قضايا الغربة في السودان مشكلات إقامة وعودة طوعية وإشكالات إجرائية، بل تجاوزت كل هذا إلى مناحٍ أكثر عمقاً وتعقيداً. مناحٍ ومسارب ومسارات ما عاد أدب الغربة النمطي يستوعب نتوءاتها وانبعاجاتها ومثالبها وإشكالاتها. الأغنيات والأشعار والتناول الدرامي والبرامج الخاصة بقضايا المغترب لم تستصحب – في مضامينها – بعد حقيقة الهجرة وقضاياها المعقدة التي أصبحت واقعاً “حلو مر” في مجتمعنا المحلي..!
ما تزال الدراما والأغنيات ترى في كل السودانيين بالخارج طيوراً تنتظر مواسم العودة. بينما الحقيقة هي أن هؤلاء المهاجرين قد قطعوا أشواطاً مقدرة في دروب التواصل الاجتماعي، بل والنشاط السياسي في أوطان ثانية باتت مستقراً لهم..!
لا يمكن اختزال قضايا السودانيين بالخارج وأدوارهم ومساهماتهم الوطنية، في المشكلات الإجرائية لمكاتب الجوازات والتأشيرة والخروج والعودة والضرائب والزكاة. قضايا الهجرة والاغتراب – اليوم – مضمار أكثر رحابة وتعقيداً، هي ملعب سياسي، اقتصادي، فكري، اجتماعي، يحتاج إلى رؤية أكثر شمولية واستراتيجية أكثر وضوحاً، وكيان جامع أكبر يستوعب إشكالات وقضايا المغترب المهاجر، البعيد دوماً، والقريب أبداً..!
دعك من الكفاءات العلمية والأكاديمية وتأمل في هدر الطاقات الإبداعية المبددة بين ظهراني أقوام آخرين. ما الذي يمكن أن يقدمه أبناء المغتربين والمهاجرين إلى الوطن الأم، ومن يضمن عدم انقطاع ذلك الحبل السري الذي يربط أبناء المغتربين والمهاجرين بانتمائهم الأول؟!. الكفاءات الشبابية المهدرة بالخارج خسارة كبيرة لهذا البلد. أفكار الشباب هي التي تؤسس للآتي وتقيل عثرات الاقتصاد، بينما ما تزال استفادة السودان من المغتربين – بحسب حكوماتنا المتعاقبة – محصورة في تحويل الأموال. أصاب المغتربون أم أخطأوا، هم يلتقون جميعاً عند منعطف التأهيل الجيد للأبناء. أبناء المغتربين هم ثروتهم التي تجشموا من أجلها عناء الغربة. الاستفادة من هذه الغراس المشتولة بالخارج رهانٌ تنمويٌّ لا ينكر فداحته إلا جاهلٌ أو مكابرٌ..!
منى أبو زيد