الثلاثاء 22 فبراير 2022 - 18:41
تقرير: هبة عبيد
حالة من التخبط إن صح التعبير اعترت المشهد أمس الأول، بعد أن اضطرت مؤسسات حكومية إلى التراجع عن قرارات اتخذتها خاصة بزيادة أسعار غاز الطبخ إلى )3200(، كما تم إلغاء قرار متعلق بزيادة رسوم الخدمات الطبية بالمستشفيات الحكومية، وفيما لم تكن الزيادات مفاجئة للمواطن، الا ان الغريب هو ان الصرخات الاحتجاجية العالية أصبحت تربك الحكومة التي ما انفكت تصدر قراراً وتتراجع عنه..
)١(
تراجع الحكومة أمس الأول عن قراراتها ليس الأول من نوعه، فقد سبقه تراجعها عند قرار زيادة رسوم الكهرباء، وذلك عندما اغلق مواطنو الاقليم الشمالي الطريق الرابط بين السودان ومصر امام الشاحنات المصرية مما خلق أزمة تجارية على حدود السودان ومصر، احتجاجاً على زيادة أسعار الكهرباء، فقد ادى اغلاق طريق )شريان الشمال( إلى شلل شبه تام في حركة التجارة، جراء توقف وتكدس مئات الشاحنات القادمة من مصر والمتجهة إليها، مما دفع الحكومة لتجميد القرار.
وهناك عدد من القرارات الرسمية خلال الفترة الانتقالية اضطرت المؤسسات رسمية وحكومية إلى التراجع عنها بعد تصاعد الاحتجاجات ضدها، مما يجعلنا أمام أسئلة محيرة حول ما إذا كانت القرارات المتخذة صحيحة وتم التراجع عنها تحت الضغط، أم كانت القرارات من الأساس يشوبها الخطأ؟ فالسؤال لماذا أقدمت عليها المؤسسة قبل دراستها؟
)٢(
بعض المراقبين ذهبوا إلى وجود مشكلة متنامية تتمثل في تراجع هيبة المؤسسات وعدم قدرتها على فرض إرادتها، ويغري هذا الوضع قطاعات من العاملين باللجوء إلى لغة التصعيد والاعتصام لكسر القرارات وإرغام المؤسسات على التراجع عنها،
لكن هناك مشكلة بالأساس في صناعة القرار أيضاً والاستعجال في تبنيه قبل دراسة جميع الخيارات، وتقدير ردود الفعل المتوقعة عليه، والتوقيت المناسب لاتخاذه، بالإضافة إلى غياب آليات التفاعل مع الأطراف صاحبة المصلحة ومحاورتها قبل اتخاذ القرار.
)٣(
المحلل السياسي احمد عابدين لم يبدِ اي استغراب مما يحدث، واصفاً الأمر بأنه ارتباك طبيعي نتيجة لعدم وجود حكومة في الاصل، وقال في حديثه لـ )الإنتباهة( ان اتخاذ القرار يجب ان يكون على خلفية مدروسة لانه علم قائم بذاته، واكد انه يمر بعدة مراحل تسبقها دراسات متكاملة، وان اتخاذه يتم بواسطة مراكز معنية باتخاذ القرار، بمعنى انه لا يصدر بين ليلة وضحاها كما يحدث الآن مما يضطر متخذيه للتراجع عنه، واعتبر ان القرارات الاخيرة لا تعدو ان تكون قرارات غير مدروسة وتوضح الحالة غير المستقرة للمسؤولين بالدولة، مشيراً إلى أن الاستقرار السياسي له اثر كبير في استقرار البلاد.
)٤(
وبالمقابل يقف وزير المالية مؤيداً مطلوبات صندوق النقد الدولي الذي يضع فواتير صعبة منها رفع الدعم الذي يعد فاتورة باهظة التكاليف على الشعب السوداني، بجانب تحرير سعر الصرف وغيرها، وقد سعت الحكومة الانتقالية وتبذل أقصى جهدها لتنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي رغم قسوتها وتعارضها مع رؤية قوى تحالف الحرية والتغيير بشكل كامل، لكن الحكومة ماضية في تنفيذ روشتة صندوق النقد، وبحسب اقتصاديين فإن قضية تحرير سعر الصرف لا خلاف حولها، لكن الوضع الحالي للاقتصاد لا يسمح بتنفيذ تلك المطلوبات.
)٥(
ومن جانبه وجه المحلل السياسي د. ابراهيم الفاضل انتقادات للمؤسسات الحكومية، وقال انها تبرهن يومياً عن مدى فشلها في ادارة الدولة والتعامل مع المشكلات والازمات المتلاحقة. واشار الفاضل في حديثه لـ )الإنتباهة( الى أن ما يمر به السودان الآن يتطلب التعامل بحذر معه، خاصة في ظل استمرار الحراك الثوري للشارع والخلافات بين القوى المدنية والعسكرية، لافتاً إلى ان اي قرار فاشل سيزيد حالة التوتر ويشعل النيران التي يكتوي بها المواطن في نهاية المطاف، الأمر الذي يطرح تساؤلات ربما لا تجد اجابة، مثلاً هل المؤسسات الحكومية ترمي بتلك القرارات لتزيد تعقيدات المشهد بالبلاد، اما انها تواجه شبح توجيهات خارجية؟
)٦(
واعتبر آخرون ان ما يحدث من الحكومة من تراجع عن قراراتها تخبطاً وعشوائية، مرده لغياب الرؤية الاستراتيجية، مما جعل الأمر صفة ثابتة للحكومة ومؤسساتها، سيما في ما يخص الاجراءات الاقتصادية التي ارهقت كاهل المواطن الذي يعاني منها وتبعاتها، واشاروا إلى ان عدم صمود القرارات الرسمية يكشف عن غياب الرؤية الحكومية للتعامل مع مختلف التطورات، وهذا ما يسمى الهروب من الحلول الاساسية للأزمات القائمة، مشيرين إلى ان مواجهة الضغط بالتراجع أمر من شأنه ان يقلل هيية الدولة ويفقد الثقة فيها.