الخميس 10 مارس 2022 - 20:50
احمد يوسف التاي يكتب: قضية الشرق… )فص ملح وداب(


)1(
بالطبع يسرنا ويثلج صدورنا أن يظل الشرق ساكناً هادئاً وديعاً لا يكدر صفوه التصعيد الذي كان يمسك بخطامه ناظر الهدندوة محمد الأمين تِرك ، ولا تهديدات أنصاره بالانفصال ، ولا الإغلاق الشامل الذي نفذه الرجل وشيعته والذي أضر بالبلاد ضرراً بليغاً وكبدها الخسائر الفادحة وأدخلها في أزمة خانقة كادت أن تقودها إلى حتفها بعد منع الصادرات والواردات وتمهيد الطريق لارتفاع جنوني في سعر الصرف … قبيل انقلاب 25 اكتوبر الماضي كان السيد تِرك يُحكم قبضته على “حلقوم” الخرطوم وولايات السودان الأخرى بما فيها ولاية البحر الأحمر، ويحفر بأصابعه العشرة نقوش على القصبة الهوائية ويضع كلتا ركبتيه على صدر الخرطوم وأخواتها من الولايات ليمنعهما التنفس …وبالمقابل كان الجانب العسكري في مجلس السيادة والذي يقع على عاتقه التحرك الاستباقي وفك الاختناق كان ينظر بـ)عين( واحدة و)يصُر( الأخرى، ويطلق نصف ابتسامة ، بينما التسريبات من داخل اجتماع الشركاء المغلق تقول إن السنهوري وسلك وغيرهما دعوا الجيش لارتكاب مجزرة في الشرق…
)2(
إذا أخذنا مشكلة الشرق في حينها قبل انقلاب 25 اكتوبر وما كان يفعله تِرك من عبث بأمننا القومي كواحدة من أبرز تجليات الأزمة ، ستتكشف لنا كل الحقائق عاريةً بلا ثياب… أولاً كانت مطالبة تِرك وأتباعه بحل الحكومة )وقد حُلت الحكومة ( ، وكذلك حل وتفكيك لجنة التفكيك، وقد فعلت إجراءات 25 اكتوبر كل ذلك وإجراء انتخابات حرة ونزيهة… طبعاً بالقطع هذه المطالب فيها خروج كبير من إطار قضية الشرق والتباس للحق بالباطل، وفيها سفور سياسي وتداخل كبير لأجندات سياسية مختلفة ومتعدة، كما لو أن هناك من كان يستخدم القضية لمناهضة ثورة ديسمبر وإخماد جذوتها ..صمت تِرك وأعوانه بعد 25 اكتوبر كأنما كانت مطالب أهل الشرق تنحصر فقط في حل لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ، وحل حكومة حمدوك، وقد مهد ترك وقادة اعتصام القصر الطريق لـ)حركة( 25 اكتوبر وانتهت مطالبهم وأدوارهم عند هذا الحد، ولا عزاء لمطالب الشرق العادلة…
)3(
موقف المكون العسكري بمجلس السيادة من قضية الشرق في ذلك الوقت والذي يبدو لنا وكأنه موقف محايد وهو الذي يقع على عاتقه الفعل الاستباقي لمنع الإغلاق كما يفعلون من تحوطات لمنع المواكب من التوجه للقيادة العامة، هذا الموقف الذي يظهر وكأنه محايد فيه أيضاً شبهة محاولة لاستخدام قضية الشرق للضغط بها على الشركاء المدنيين، وقد حدث ذلك بالفعل كما أنبأت النتائج الآن ، هذا على الأقل يترآى دون اجتهاد..
الآن وبقراءة النتائج الحالية يمكن القول إن قضية الشرق لدى تِرك وبعض معاونيه هي قضية سياسية ذات أجندة منحرفة تماماً عن مطالب أهل الشرق في التنمية والخدمات ونحوهما… والقضية نفسها عند الجانب العسكري في مجلس السيادة أداة لتصفية حسابات سياسية، أو هكذا تبدو الصورة… وإلا لماذا سكن الشرق كما لو أن البركات قد تنزلت عليه في ليلة خير من ألف شهر، وسكت تِرك وأعوانه كما لو أن كل قضايا الشرق قد حُلت..!!.
)4(
أخيراً أقول للذين ينتظرون سقوط الانقلاب … ماذا إذا سقط ؟ ماذا أنتم فاعلون ، فهل تغيرت نفوسكم ومفاهيمكم وطرق تفكيركم وحب الانتقام الذي يملأ جوانحكم …إن حماية الثورة والمحافظة عليها ليس بالاصطفاف حول عناصر تفتقد الحكمة والخبرة وسلوك القيادة والرشد السياسي، فهذه الفئة من القيادة تصلح لقيادة المواكب والمسيرات وإطلاق الهتافات وليس لقيادة الدولة، وهناك فرق شاسع بين الأمرين… ابحثوا عن قيادات رشيدة ومتوازنة داخل قوى التغيير قبل السقوط الذي تنتظرونه على جثث الشباب الصادقين ، فأوضاعنا الحالية لا تحتمل التهويش والهرجلة والثرثرة والتسويف والعنتريات ، لأن الأزمة السياسية التي تمر بها بلادنا اليوم لم يشهد السودان مثلها من قبل، لا في حجمها وتعقيداتها، ولا في نتائجها وسيناريوهاتها المحتملة، ولا في تعدد أطرافها وتقاطع أجنداتها ومخاطرها وتهديدها للأمن القومي ………اللهم هذا قسمي في ما أملك.
)5(
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.