الثلاثاء 22 مارس 2022 - 20:37

الخرطوم: هنادي النور – هالة حافظ
في إطار حزمة إصلاحات اقتصادية جارية رفعت الحكومة أسعار الكهرباء في أواخر شهر يناير الماضي ، وهي من بين عدد قليل من السلع التي لا تزال مدعومة،وشملت تغييرات الأسعار الجديدة وقتها خفض الدعم في المتوسط إلى 69% – علي حد زعم الحكومة-
من 95%، في إطار برنامج مدته ثلاث سنوات لرفع الدعم،ولكن مع موجة الغلاء التي لحقت بأسعار الوقود عالميا بسبب حرب روسيا على أوكرانيا الامر الذي توقعه وكيل وزارة المالية عبدالله ابراهيم في تصريحات إعلامية شاكيا من ان
بند الدعم في الموازنة يواجه إشكالات،بسبب العجز في الايرادات لتوقف عمليات الاستيراد بسبب انهيار قيمة الجنيه.
وبالرغم من نفي الكهرباء إلا ان مصادر اكدت هناك زيادة جديدة في الكهرباء للقطاعين السكني والتجاري بسبب زيادة أسعار الوقود، زيادة التعرفة للقطاع السكني من 5 جنيهات إلى 8 جنيهات، سوف يتمّ تطبيقها خلال الأيام المقبلة، بينما جاءت الزيادة للقطاع التجاري من 45 إلى 49 جنيهًا،وتدعم الحكومة الوقود بـ 69% من التكلفة الكلية للكهرباء بينما يتحمل المواطن على حد زعمها 31% من التكلفة الحقيقية لتعرفة الكهرباء.
ومع الزيادة العالمية في سعر الوقود سوف تعمل على زيادة نسبة الدعم لذلك رفضت الحكومة تحمل فارق السعر وحملته للمواطن بزيادة السعر .
كساد
أوضاع كارثية سوف تطال جميع اسعار السلع المحلية حذرت منها الغرفة التجارية منذ الزيادة الاولى مطلع العام ليصف الأمين العام للغرفة الصناعية المكلف عبدالرحمن عباس الوضع الحالي بأنه خطير جدا خاصة القطاع الصناعي بسبب الزيادات المستمرة وكثرة الجبايات المتعدة وزاد: هذه زيادة غير معقولة وغير مدروسة.
وجزم في حديثه لـ) الإنتباهة ( بأن زيا دة الكهرباء تأثيرها كبير وتساهم في زيادة سعر المنتج وبالتالي تؤثر مباشرة على المواطن وقطع هذه مؤشرات خطيرة على الاقتصاد .وقال من المفترض أن يتم استشارة الجهات ذات الصلة واستدرك قائلا هذه الزيادة غير صحيحة وايضا غير عملية. واستنكر قائلا ” ليس من المنطق كل فترة تزيد الأسعار
وتوقع إغلاق غالبية المصانع العاملة وتشريد العمالة بسبب الزيادة المستمرة في الوقود والكهرباء ، وشكا من ضعف القوة الشرائية
واردف قائلا ” البلد دي مافي ليها علاج الا يتم إغلاقها ” وان يتم ترتيب البيت الداخلي.
وقال: المواطن الآن في ضيق شديد لتلبية احتياجاته ماعدا فئات معينة
وانتقد غياب السياسات الحكومية وأرجع ذلك بسبب عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب .
وكشف عن وجود كساد ضارب لجهة ان المواطن لايستطيع الشراء سوى اشياء محدودة.
ولفت الى ان الأسعار عالية جدا والجبايات متعددة وأصبح المواطن لا يحتمل وليس بمقدوره ان يشتري سلعة.
وأضاف تم تكليفي لتسيير العمل مردفا سنقف على كافة الإشكالات والمعوقات التي تواجه القطاع ووصف الوضع الحالي بأنه خطير جدا و بالتالي تسعى الغرفة الى حلحلة الإشكالات وصولا الى جمعية عمومية واختيار شخص من القواعد الصناعية.
تفوق الاحتمال
وبحسب وزارة المالية فإنها تتحمل 69% من تكلفة تشغيل الكهرباء والذي يكلف انتاجها 2.4 مليار دولار إجمالا هذا العام، مما أثر على موازنة الدولة، في عدم الإيفاء بالصرف على قطاعات مهمة أخرى كالصحة والتعليم، ، لذلك نجد ان بند الدعم في الموازنة يواجه إشكالات.
ويجزم وزير الطاقة السابق مهندس عادل ابراهيم بان هذه زيادة تفوق الاحتمال السكني ولا التجاري.
وقال لـ) الإنتباهة ( ان انتاج و توليد كهرباء بكلفة عالية هو خطأ تتحمله الحكومة و ليس المواطن.
وتساءل عادل الى اين نحن سائرون؟، واستدرك قائلا : الى حيث يعم البلاد الخراب ؟
وجزم بالأمس تمت زيادة عالية في رسوم الانتاج و بعض الواردات ، مردفا ان زيادة تكلفة فاتورة الكهرباء للقطاع التجاري . هذا طريق مستقيم نحو الكساد والخراب .
)تحت تحت خط الفقر(
أما الخبير الاقتصادي وعميد كلية الاقتصاد بجامعة امدرمان الإسلامية السابق د. محمد خير حسن فقد قال ان تزايد الأسعار ومعدلات التضخم العالية بالبلاد أدت إلى تآكل الدخول عموما للقطاع العائلي بصورة كبيرة وزادت معدلات الفقر بشكل مزعج وأضاف الآن وردت في الاسافير وليس في التقارير الرسمية أن معدل الفقر بالبلاد ٧٠% وبذلك تخطت حاجز الفقر.
وذلك دلالة على أن الوضع الاقتصادي الراهن أثر بصورة كبيرة جدا على معاش الناس. وتأتي في ظل هذه الظروف وتزداد أسعار الكهرباء ذلك يعني ان مزيدا من الضغوط في ميزانية الأسر والعبء ومزيدا من التراجع في مستوى معاش الناس لجهة ان فاتورة الكهرباء عالية جدا مما يشير الى أنها ستأتي خصما على السلة الغذائية للاسر مما يعني تراجع مستوى الرفاهية، ولذلك سيزداد القطاع العائلي فقرا. وربما نسبة تحت خط الفقر تزيد .
ووصف الأثر على القطاع الصناعي بأنه حدث ولاحرج، المستويات العالية للأسعار بالتالي ستؤدي الى زيادة تكلفة العملية الإنتاجية وتؤثر بصورة كبيرة جدا على أداء القطاع الصناعي وربما تخرج المنشآت من المنافسة خاصة في قطاع الصادر.
القطاع الصناعي بالضرورة سيحدث عملية تحويل التكاليف الجديدة الناتجة عن زيادة أسعار الكهرباء الى أسعار منتجاته وتزداد الأسعار بالأسواق ويزداد المستوى العام للأسعار وبذلك يرتفع التضخم ويعود اثر كل ذلك على القطاع العائلي وعلى حجم الصادرات السودانية وعلى وضعية الميزان التجاري وتدفق العملات الحرة واحتياطي البلاد من النقد الأجنبي. الآثار متعاقبة وجميعها تصب بمزيد من التدهور في الأداء الاقتصادي في البلاد.
سياسات خاطئة
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي عادل عبدالمنعم ان زيادة اسعار الكهرباء له مبررات للارتفاع العالمي في اسعار الوقود بسبب الحرب )الاوكرانية الروسية( وارتفاع الغذاء والتضخم العالمي وانخفاض العملة السودانية وارتفاع العملات الاجنية اذ ان سعر الدولار بلغ ٦٥٠ جنيها وهذه الأمور تلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي بصفة عامة، ونوه في حديثه لـ)الإنتباهة( الى ضرورة دعم الكهرباء لـ)٣٠٠( كيلو واط الاولى لجهة ان ٨٠ ٪ من الشعب السوداني أصبح دون خط الفقر وقد دفع المواطن الثمن في جميع السلع والخدمات مايجعله غير قادر على الاستغناء عن الكهرباء ودعا لضرورة دعمها وان لايزيد سعر الكيلو عن ٥ جنيهات واشار الى ان هناك سلعا لايجب ان ترفع الحكومة يدها عنها مثل الكهرباء لجهة انها يمكن ان تقود لتضخم كبير بيد انها تدخل في معظم الصناعات والقطاعات الاقتصادية اذ ان سياسة التحرير الاقتصادي بها فوائد وحققت شفافية بالمجتمع وزادت التمويل بالعجز الكبير الذي يرهق الموازنة موضحا ان هناك سلعتين مثل الدواء والكهرباء يفترض ان تكون في متناول يد المواطن خاصة مع ارتفاع سعر الدولار يجب ان تدعم الكهرباء بحوالي ٥٠٪ ودعم للدواء كذلك بنسبة ٥٠٪ ، وطالب بضرورة اتخاذ الحكومة لسياسات سريعة مع ارتفاع سعر الدولار الذي تجاوز ٦٥٠ جنيها ولايوجد ترشيد للاستيراد الى يومنا هذا اذ ان عدم الترشيد يؤثر على المشتقات البترولية واستيراد القمح لضرورة تقليل الطلب على الدولار والعملات الحرة لجهة انه يقود لارتفاع التضخم والأسعار اذ ان النظرية البالية التي تصر عليها وزارة المالية لسنوات عديدة بفتح باب الاستيراد بغرض زيادة الجمارك والضرائب من الواردات اذ ان هذه النظرية خاطئة ويجب غلق باب الاستيراد وطباعة نقود لسد العجز ولايجب تبديد العملة الحرة في السفر واستيراد الكماليات في حين الحاجة اليها لاستيراد الوقود والدواء لزيادة الموارد المحلية.
أين الإيرادات؟
بالمقابل يكشف عضو اللجنة الاقتصادية بقوى اعلان الحرية والتغيير)التحالف الحاكم السابق( عادل خلف الله ان زيادة اسعار الكهرباء ظاهريا بسبب زيادة اسعار المحروقات، واكد في حديثه لـ)الإنتباهة( ان سبب الزيادة الحقيقي ولن تكون الاخيرة بسبب تدهور قيمة العملة الوطنية امام العملات الأجنبية حال استمر هذا التدهور الذي بلغ مداه ابتداء من السابع من مارس الجاري بالقرار الذي اتخذه البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه السوداني دون توفير المطلوبات ، موضحا انه اتخذ نفس الخطأ الذي ارتكبته حكومة حمدوك في فبراير ٢٠٢١م وفي اقل من عام فقد الجنيه السوداني اكثر من ٧٠٠ بالمئة من قيمته وبهذا القرار ارتفع سعر الدولار من ٤٤٠ جنيها الى ٦٤٠ جنيها اي تخفيض جديد لقيمة الجنيه بأكثر من ٥٠ ٪ من قيمة القوة الشرائية، مشيرا الى ان هذا القرار سيزيد جميع أسعار السلع والخدمات، واضاف مستنكرا : ان الغريب في الأمر الحكومة تتحدث عن دعم للكهرباء في حين ان ايرادات الكهرباء التي لايستهان بها غير متضمنة في موازنة ٢٠٢٢، وتابع متسائلا : اين تذهب ايرادات هذا المورد الهام ونجد ان الحكومة تتحدث عن دعمه لكنها لاتتحدث عن الإيرادات مشيرا الى ان هذا يشكل خللا كبيرا موضحا ان المصدر الإيرادي للكهرباء يفترض ان يعالج التذبذب الذي يحدث في الأسعار وليس تحميلها للمستهلكين سواء في قطاع سكني او قطاع انتاجي لمخاطرها المعروفة خاصة على القطاع الصناعي بيد انها ستؤدي الى توقف عدد كبير من المصانع حسب إفادات من غرفة الصناعة حتى قبل هذه الزيادة جازما بأن هذا الامر سيساهم في تدمير قواعد الانتاج الصامدة حتى الآن اما بالنسبة للمواطنين فقد وصلت الأسعار الى معدلات مرتفعة تجاوزت طاقتهم بمراحل عديدة وقد تحولت جيوب المواطنين الى مورد رئيس لتغطية انفاق الحكومة التضخمي والاستهلاكي دون الاكتراث لعواقب ذلك على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مؤكدا على ان النهج الحالي لن يقدم اي حلول ويدفع باتجاه لحدوث مواجهات واضطرابات اجتماعية بسبب غياب سلطة الدولة والقانون وبلوغ الأسعار لمستويات أعلى من مقدرة معظم الشعب السوداني لمواجهتها .
ترهل شركات الكهرباء
ويرى رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بمركز الراصد الفاتح عثمان ان تكلفة الكهرباء تتأثر بشكل مباشر بسعر الوقود وبسعر الصرف للجنيه السوداني وبتكلفة التشغيل واشار في حديثه لـ)الإنتباهة( بأنه من المعلوم أن شركات الكهرباء بها ترهل كبير وهو ما يزيد من تكلفة التشغيل.
و بما أن شركات الكهرباء أقرت زيادات كبيرة في أجور العاملين في شكل بدلات وحوافز إضافة لزيادة سعر الوقود مع انهيار سعر الصرف للجنيه السوداني فان زيادة الكهرباء متوقعة أن كانت أسعارها محررة لكن بما أن الكهرباء مدعومة فإن زيادة السعر في أثناء العام غير مقبولة ويجب على الحكومة أن تسعى لتقليل تكلفة العمالة وزيادة كفاءة التشغيل عبر تقليل الفاقد الذي يصل الى 25٪ .
ركود وكساد
ويرى الخبير الاقتصادي محمد نور كركساوي ان زيادة أسعار الوقود اثرت بصورة كبيرة على الكهرباء اذ ان ٧٠% من مولدات الطاقة الكهربائية بالسودان تعمل بوقود الفيرنس )طاقة حرارية( وأوضح في حديثه لـ )الإنتباهة( انه بحساب زيادة التكلفة فإن الزيادة في سعر الوقود لا تستدعي سحب الدعم كليا عن الكهرباء وبخاصة قطاع الإسكان وقطاع الزراعة، مشيرا الى أن السودان ينتج بحدود ٥٠% تقريبا من حاجته الكلية للوقود محليا واضاف :حال عدم رغبة الحكومة الاستمرار بدعم الكهرباء المقدر بنحو ٦٩ % و تحميلها للمواطن فهذا يعود لسياسات رفع الدعم كليا عن السلع والخدمات تماشيا مع سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بغرض الإصلاح الكلي لهيكل الاقتصاد وليس له علاقة ذات أثر كبير بزيادة أسعار الوقود. كما لا يفوتنا أن الحكومة تسعى لتخفيض العجز الكلي في موازنة ٢٠٢٢ نظرا لضعف او شح مواردها الذاتية وغياب الدعم الخارجي غير أن تلك السياسات لها آثار سالبة مباشرة وغير مباشرة على حياة المواطن ، فالأثر المباشر هو ارتفاع تكلفة فاتورة استهلاك الطاقة الكهربائية اما غير المباشر فإن الكهرباء عنصر اساسي في حركة الإنتاج الزراعي ، الصناعي والخدمات وبالتالي سترتفع تكلفة وأسعار ما ينتج في تلك القطاعات فينخفض الإنتاج بسبب قلة الطلب مما يؤدي إلى حالة ركود في الأسواق كما هو الحال اليوم .