السبت 14 أغسطس 2021 - 22:18
منى عبد الفتاح تكتب: بين المحاكمة والأزمات

كيف لا - منى عبد الفتاح


هنالك بعض القضايا التي تخشى الحكومة الانتقالية مناقشتها وفي الوقت ذاته يصعب تفاديها أو توجيه دفتها، وهي أولاً، أنَّ الحكومة الانتقالية تنظر إلى المطالب الشعبية وتقترح حلولاً ولكنها في مناطق ومجالات مختلفة، مما يقود إلى احتمالات الخلط والاختيار بين القضايا في بيئة سياسية معقدة. ثانياً، أنَّ الطريقة التي تروج بها الحكومة الانتقالية للسلام وضرورة أن يسبق أي نظام ديمقراطي، هي نية سليمة ولكنها فتحت الباب واسعاً أمام الترضيات السياسية والهروع نحو كسب السلطة. وهو في مجمله نوع من المشاركة السياسية ولكنها ليست مبنية على انتخاب أو شكل ديمقراطي، ما من شأنه أن يخيب آمال الشعب في الوصول إلى نظام ديمقراطي، وبينما تعكس رؤى الحكومة هذه طموحات الشعب الذي يسعى إلى نظام ديمقراطي، ولكنها مكبلةٌ بالقيود. ثالثاً، ليس هناك مقاربة واضحة للحكومة تسمح بتفادي المفاضلات بين أهدافها وأهداف الجماهير لدرجة أنَّ الأحزاب السياسية أصبحت هي من تنادي بأهداف الشعب وتزعم أنّ أداء الحكومة يعتريه كثيرٌ من القصور وعلى رأسه عدم الجدية في محاكمة رموز النظام السابق.
وهنا نجد أن الحكومة تسعى مع شركائها لتعزيز الاندماج السياسي إلّا أنّ هذه السياسة تواجه مشكلات عملية وعوائق محتملة كثيرة. ويعود ذلك جزئيًا، لواقع أنّ هذه الرؤية تعمل على محو آثار النظام السابق، غير أنّه من غير الواضح ما إذا كان مكوّن الرؤية هذا، أي فرض قيود شديدة باسم إزالة تمكين النظام السابق وفق أهداف الثورة، وهو ما جاءت به الوثيقة الدستورية سيكون متوافقاً مع الدستور الدائم للبلاد في حال كُوّن المجلس التشريعي أم لا.
اقتربت ثورة ديسمبر من إكمال ثلاثة أعوام، ومع أهمية إعادة هيكلة المؤسسات وبناء الدولة من جديد غير الشكل الذي أرادته الحكومة السابقة وجلبت بفضل تصوراتها الأيديولوجية العقوبات الدولية على السودان، فإنَّ التضحيات التي بذلها الشعب في تلك الثورة وما قبلها من انتفاضات خلال النظام وما جناه من قتل واعتقالات وتنكيل لا تتوافق مع مكتسبات الثورة التي طُولبت الحكومة الانتقالية بالمحافظة عليها. كما يبدو أنَّ وضع بناء الدولة في مقابلة تطلعات الشعب الآنية بحل الأزمة الاقتصادية هو تفضيل في غير محله، إذا لا يمكن أن يتحول المطلب الأساسي الذي أنهى ثلاثة عقودٍ من الحكم إلى مجرد خيار تتسع المسافة بينه وبين بناء الدولة. ولا خلاف حقيقي، فمن يعلون من صوت تلبية المطالب المعيشية لا يعترضون على العمل المؤسساتي، ولكنهم يشكون من التراجع والإحباط والخسارة.
في الظاهر تبدو محاسبة رموز النظام السابق مطلباً جماهيرياً وحيداً وعلى رأس كل المطالب، ولعل هذا المبدأ المنهجي في المحاسبة هو الذي يشكل مناط التحفظ على بعض الآليات، فمن دون أن تتوقف محاكمات رموز النظام السابق، يمكن أن تمضي الحكومة قدماً في حل القضايا الأخرى وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية، وقيام المجلس التشريعي وإشاعة السلام في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وشرق السودان. وضمن المشهد السياسي الحالي ربما، ربما تستمر هذه المحاكمات لسنوات أخرى، فإن لم تعمل الحكومة على جميع الأهداف في وقتٍ واحد قد يقوّض ذلك في النهاية الجهود للتقدم نحو نظام ديمقراطي. وإن سار كل شيء كما هو متوقّع، فمن السهل على الحكومة التوصّل إلى آلية توافقية تتمثل في الكيفية التي يتم بها الانتقال السلس والمرن ما بين حل الأزمات واستمرار المحاكمات، دون توقف أيٍّ منهما للأخرى.