الثلاثاء 10 مايو 2022 - 13:45

بقلم . صبري محمد علي )العيكورة(
ثاني ايام عيد الفطر بعد ان رفع الله بلاء )الكرونا( واتيحت العمرة و زيارة المسجد النبوي . استبشرت العيون ضحكا و بكت كنت احزم امتعتي مع الاسرة الى هناك حيث تتجمد الحروف و يخرس اللسان عن الكلام فلم يعد القلم هو القلم
ثلاثة اعوام وزيادة كنا لا نحتمل رؤية الحرمين الشريفين عبر التلفاز خالية الا من قلة من المصلين والطائفين والزائرين . كل العالم برهم وفاجرهم انسهم وجنهم كافرهم ومؤمنهم لجأوا الى الله سجدوا الى الله تضرعوا الى الله ان يكشف هذه الغمة )فيروس( لا يري بالعين المجردة حبس انفاس العالم فتهاوت اقتصاديات ما كان العقل يتخيلها ان تهوي يوما ما .
كان اذان العصر يرفع عندما اطفأت محرك السيارة بشارع السلام غربي الحرم النبوي لاصطف امام )فندق الفلاح الذهبي( لم يكن الامر سهلا ان تحصل على نزل ومأوي لو لا ان سخر الله لي الصديق الوفي محمد دفع الله واخيه جمال من ابناء الشرفة فقد تيسرت على يديهما بعد توفيق الله الكثير من الصعاب وانا اقرأ كل )لافتات( الفنادق باللون الاحمر تضيئ و تطفئ بعبارة )لا توجد شواغر( .
كنا قد صلينا العصر قصرا بطريق مكة لذا انهمكنا فى ترتيب ونقل العفش الى داخل الفندق .. نلنا قسطا قليلا من الراحة ثم هرعنا لصلاة المغرب و الشيخ على عبد الرحمن الحذيفي إماما للمصلين ولك ان تتخيل ما جال بالذاكرة !!
استلقيت على ظهري المتعب باحدي فرش الساحة الغربية بعد ان جمعت المظلات اجنحتها . وغشيتنا نسمة باردة وحالة من التامل والصمت الا من صوت )كحة( هنا وهناك
هربتُ الى ذاكرة )الموبايل( تصفّحتُ صُور الاعوام الماضية علّها تُطفئ لهيبُ شوقٍ يُحرقُنا تذكرتُ مقالاً كُتبه قبل سنوات ثلاث لم يخلو هذا المقال من بعض صفحاته .
لهثُتُ أفتِش عنه في عُجالة لأستله من بين ملفات
)الموبايل( أعاد الىّ بعضاً من عبق الماضي .
يوم جديد اشرق علينا ثالث ايام العيد فى مدينة رسول الله
فتعال معي عزيزي القارئ أصطحبُك الى البقيع و المزارات وقباء والقبلتين وجبل الرماة والمساجد السبعة .
مدينةُ رسول الله صلي الله عليه وسلم مَهُوي الافئدة و دواء القلُوب وسائلة مآقي العاشقين و المُحبين . المدينة هي خير لهم لو كانوا يعلمون ، المدينة من استطاع ان يمُتْ بها فليفعل فقد حُرّمت علي الدَجّال وعَصَمها اللهُ من الفِتن . المدينة المنورة إسم علم أطلقه نبيُ الهُدي بعد أن كانت تُعرف ب )يثرِبْ(
كنت أحاوُلُ إستحضار الكثير و قناعتي أنني لن أظفر الاّ باليسير مما أريدُ ان اكتب فبعض المواقف تسبقُها الدُمُوع و تزاحم الأفكار فيضيعُ ترتيب المعلومة وتواتر السّردِ الهادئ
و من يري أو يمشي علي ثري أرضٍ كتبت التاريخ وأي تاريخٌ أنصعُ من تاريخِ مدينةُ رسول الله لن يكُن مُترابط الجأش بلا شك ، هَربتْ مِني الافكار كما لم تَهربُ مِنْ قبلُ تُزاحمُنى سُطُور السِيرة العطرة لا تستطيع أن تُقدم أو تُؤخر هذه على تلك فكُلها مناراتٌ و مُثُل.
وإنك لعلي خُلقٍ عظيم ومَنْ يُحصي ما أطلقهُ اللهُ بلا قيدٍ و مَنْ يُحيطُ بهذا الخُلق؟ أحقاً هذه القُبة و هُنا القبرُ ! وهُنا صاحبيه أبا بكرٍ وعُمَر رضي الله عنهما وذاك البقيعُ وعُثمان؟ فهُنا مشي رسولُ الله وهُنا إمتنع إمامُ دار الهجرة )مالكٌ( أن ينتعل حذاءاً خَشية أن يطأ موطئا وطأه رسول الله ! . هُنا )دعُوها فإنها مَأمُورة( فكان المسجدُ والحُجُرات و قيادةُ الجيش و هُنا إمتحانُ القلُوبِ بالتقوي و خفضِ الصَوتِ عند السلام ! وهُنا يا سارية الجَبل و هُنا ما ضَرّ عُثمان ما فَعل بعدِ اليومِ وهُنا مشي الصادقُ المَصْدُوقِ يربطُ علي بطنهِ الشريفة الحَجرينِ من الجُوع و هُنا نزلتَ وعلى الثلاثة الذين خُلفوا فكانت توبةُ اللهِ علي كعبٍ بن مالك و مَرَارة بنُ الرْبيع و هِلال إبنُ أُبي أُمَية فتابوا. وهُنا كانت تمضي الأهلّه فالأهّله وما يُوقدُ في بيتِ رسولِ الله من نار ، وهُنا قَدْ سَمِعَ اللهُ قول التي تُجادلُ النبيُ في زوجها
خولة بنتُ ثعّلبة إستمع لها الفاروق عُمر في أزقة المدينة وهو خليفة وكانت حينها عجوزٌ شمطاء تعظهُ فقيل له يا أمير المؤمنين أتسمع لهذه العجوز فى الطريق وأنت أميراً للمؤمنين؟ فقال عمر هذه التى سمع الله قولها من فوق سبع سموات أفلا يستمعُ إليها عُمر ! فعرفها الناس
و هُنا قبُاء أول مسجدٍ أسِسَ في الاسلام صلاتهُ تعدلُ عُمرة و هُنا مسجدُ القبلتين و قد نري تقلُب وجهِك نزلت هُنا أثناء صلاة العصرٍ هى الصلاةُ الوحيدة التي أتمّها النبىُ بقبلتي المسجدِ الحرام و المسجدِ الأقصى و هُنا كان أمرُالخِمَار والجلابيب تتنزلُ صلاةُ العشاءِ فرحم اللهُ نساءُ الانصارِ لم ينْتظرنّ الصَباَح والاسواقِ فَشققْن ستائر المنازل واختمَرْن بها وصَليْن الفَجر خلفَ رسول الله بأمرِ آية البارحة ، وهُنا تُربة تشفي كُل داءٍ )تُربة أرضنا بريقُ بعضِنا تَشفِي سَقيمُنا( وهُنا كانَ ينزلُ الرُوُحُ الأمينُ بجوار )باب جبريل( بالمسجد وهُنا مكانُ أهلُ الصُفّة من فُقراء المدينة كان النبيُ يُجالِسهُم ويؤانسهم و يتمني أن يُحشر معهُم . و هُنا )أثبتْ أحُد( فان عليك نبيُ وصديق وشهيدين وهُنا بئر رومة الذى إشتراهُ ذو النورين عُثمان بعينٍ فى الجَنّة وهُنا مِسكُ الرُباعية الشريفة و دمائه الطاهِرة ما زالت تُحدثُ عن العريش وعن الرُماة وابنُ الوليد وهُنا الشُهداء وهُنا البقيع و هُنا النخيلُ والعجْوة و )الدُقّة( وخُبز يكرم بها أهل المدينة زُوارِها
وهُنا روضةُ مِن رياض الجنّة ما بين المنبر والحُجرة تُنالُ بها المكارمُ و الشرفْ والرفعة كُلّها . وهُنا كان أذان بلالٍ الذي أبكي المدينة ليلُها في عهد عُمر و هُنا كان الصديقُ يخدم العجوزُ العمياء بضواحي المدينة و هو أميراً للمؤمنين وهنا قالت العجوز العمياء لعمر )أمات صاحبك؟( و)تمرة( عمر وهو يقدمها للعمياء دون ان ينزع عنها النواة هي ما جعلتها تدرك ان ابا بكر قد مات فبكي عمرا بكاءا مريرا . وهنا قال عمر لقد اتعبت الخلفاء من بعدك يا ابابكر
وهُنا حَمَل الفاروقُ الدقيق ونفخ النار ليطعم الايتام وليت أم عُمر لم تلد عُمر قيلت هُنا. وهُنا مسجدٌ الغَمَامْة التي ظللّت النبيُ في صلاة العيد مازال شاهداً جنوب غربي المسجد . و هُنا الكثير والكثير الذي عجزت عنه الذاكرة .
اللهُم هذا جَهد المُقل من عبدك الفقير اللهُم و لا تجعلها آخر عهدنا بزيارة مدينة نبيك صلي الله عليه وسلم واكتبها اللهُم لكل من هفا قلبه شوقاً وحالت دونه السُبُل . وصلي اللهم وسلم علي نبيك محمد .
قبل ما انسي :—-
بطاقة شكر لابن الخال الرشيد حمزة واسرته للكرم والحفاوة والبذل ولابن الخال الدكتور اسامة عوض الله واسرته لمشيئة وقدر جميل ان يجمعنا صف الصلاة بلا سابق ميعاد
وبطاقة خاصة لابناء مروي ومجموعتهم الرائعة )براح مروي الادبي والثقافي( على استضافتهم لى ما بين حدود المسجد القديم والتوسعة وعلى الحفاوة و طيب الحديث والدعوة الكريمة .