الأربعاء 1 يونيو 2022 - 15:26
منذ أن أعلن الفريق أول عوض بن عوف خطاب تنحيه وانهزم، فتحت البلاد على المجهول الذي أصبحنا نحسه أمام الأبواب، ونرى شبحه خلف النوافذ ونسمع صفيره مع الريح واقتراب خطواته مع الأيام.
مجهول يأتي نحونا ونساق إليه وكأننا مسلوبو الإرادة، أو هو مثل قدر تتكسر دونه الموانع، فكل تجربة للحياة فاشلة، وكل محاولة للنجاة يائسة وبائسة، وأي حل أصبح نفسه مشكلة، وكل فكرة ورطة.
كان السبب الأول بسبب رفض البعض للبعض بإحساس الكراهية، لكنه تحول لرفض الكل للكل مع تفاقم الكراهية – الشباب في الشارع يرفضون الأحزاب كلها، وحتى الحزب الشيوعي الذي يتوهم أنه يقود الشارع سوف يكتشف في محطة ما أنه كان مردوفاً من الرافضة لكل شيء ولأي شخص.
والأحزاب ترفض بعضها البعض، والحركات تقف على أسوار القيادة تطالب بالوفاء بالعهد في تنفيذ إدماج قواتها في الجيش، والأقاليم تتجاذبها أهواء الانفصال، والمركز تتقاذفه الأحداث مثل ريشة في مهب الرياح.
الوضع الاقتصادي هو الأسوأ في تاريخ البلاد، فالعملة الوطنية فقدت غالب قيمتها الشرائية، والأسعار في حالة انفلات كامل وارتفاع يومي، أصبحت حاجة الأسرة متوسطة الحال في اليوم خمسة آلاف أو يزيد )5 مليون بالقديم( مع توقف معظم أعمال العامة من الحرفيين وصغار الموظفين، وإن وجدت فهي لا تغطي كلفة المواصلات.
خدمات الماء والكهرباء والصحة والتعليم في أردى حالاتها، والأمن حدث ولا حرج ربما مجهودات الراتق لسد الفتق المتسع مع الأيام.
الكل يسأل البلد دي ماشة على وين؟ وهو يعلم الإجابة التي يتهرب منها، فالقادم وإن كان مجهول الشكل فهو معلوم النتائج، فلا أحد سوف يستسلم للموت جوعاً، ولا البعض سوف يسلم بالسلب والنهب دوماً.
من المؤسف أن هذا الوضع والوضع القادم لن تحله واحدة من الحلول المجربة أي لا ثورة للشارع ولا بيان للجيش، وهذي وإن بدت حلولاً لكنها نفسها باتت مشكلة، ولا تمنع نتائج السوء كلها على الأقل في الفترة الأولى للتغيير الكبير !
نعم الحل في التوافق السياسي وهو أن يقبل الكل بالكل وبما يضع حداً للتدهور الجاري، ولكن ولأن الإحساس بالخطر القادم ليس بالمستوى ذاته، أو الاهتمام، بل ولعل هناك من يسعى للخطر بقدر سعيه نحو البلاد، فإن الحديث عن التوافق السياسي أصبح فارغاً، ويبدو أنه سيكون مطروحاً فقط على ما يتبقى من البلاد والعباد بعد تجربة مريرة سوف تحمل اسم )السودنة( كنموذج للخراب ودمار البلاد.