السبت 4 يونيو 2022 - 21:00

)1(
• اثناء وجودي في مطار الخرطوم في طريقي الى القاهرة، وعندما كنت اقف في احد الصفوف لتكملة اجراءات السفر… لمحت احد الشباب وهو في العقد الثاني من العمر او فوق ذلك بقليل بشعر كثيف وابتسامة عريضة، يرفع يده من على بعد ويلوح بها نحوي في غبطة وسرور… ظننته في البدء احد عشاق الهلال، لأن الشباب الذين هم في هذه السن دائماً تكون علاقتهم بالرياضة بهذا الحماس وذلك التدفق.
• عندما اكملت اجراءات السفر اقترب مني هذا الشاب وابتسامته في ازدياد.. وأنا مازلت في اعتقادي ان الذي دفعه نحوي بهذا الحماس هو الهوس الرياضي، فقد اعتدنا على ذلك في الشارع السوداني. وعادة ما نلتقي بأمثال هذا الشاب في مناسبات مختلفة .. وفي الغالب يكون الحديث عن الهلال والمريخ والكرة السودانية والإعلام الرياضي وضربة الجزاء التى لم تحتسب والتشكيلة التى لعب بها المدرب. غير ان هذا الشاب عندما تحدثت معه وجدته يتحدث عن ثورة ديسمبر المجيدة، وقد كان هو احد مصابي ثورة ديسمبر المجيدة وهو في طريقه الى القاهرة من اجل العلاج.
• هذا الشاب بكل هذا التدفق والحيوية والحماس… كان مصاباً يحمل في جوفه الرصاص.
• قلت في نفسي هل عدد المصابين والمهتمين بالحراك الثوري وصل الى هذا الحد الذي يتجاوز شغف الهلال والمريخ؟
• هذا يعني ان عدد المصابين في الثورة ارتفع بصورة كبيرة، وإلّا ما اصبح هناك مصاب على الاقل في كل مكان او مناسبة تذهب اليها. هذا دون )الشهداء( الذين لا تتاح لهم فرصة لمثل هذا التلاقي.
• لقد اصبحنا نلتقي بالمصابين في كل مكان.. حتى إني اشعر بأن بين كل عشرة اشخاص مصاب.
)2(
• كان الشاب المصاب الذي التقيت به في مطار الخرطوم يحمل اوراقه الطبية. ومن جهاز تلفونه رأيت صور الاشعة والموجات الصوتية بعد ان اخترقت ثلاث شرائح او سبائك رصاصية صغيرة في شكل حبات )السكسك( الصغير جسده النحيف.. وهي اجسام دقيقة تعرف عسكرياً باسم )الرائش(.. وهي حسب التقرير الطبي اطلقت من )خرطوش( ناري.. وقد اصيب بها ذلك الشاب في )موقف شروني( في احد مواكب شهر مارس الماضي.
• عرفت من الشاب ان اسمه )عبد القادر(، ولا استطيع ان احدد ان كان اسمه بالكامل عبد القادر بشير ام عبد القادر شريف؟ غير ان الذي اجزم به ان اسمه الاول عبد القادر.. وقد اخرج عبد القادر )رائش( من رجله في السودان وتبقى في جسمه )رائشان( يظهران بصورة واضحة في الصور المقطعية.. وقد كانت احدى )الرائشات( تلتصق بالرئة وتبدو قريبة من اختراقها في اتجاه )القلب(، لذلك ولصعوبة العملية نصحه الاطباء بالمغادرة الى القاهرة لأن هذه )الروائش( في تحرك مستمر وغير مستقرة.
• كان عبد القادر يتحدث عن هذا الأمر بثبات وقوة وكبرياء وكأنه يتحدث عن شخص آخر و )الطلقة( في رئته، ولا اريد ان اقول انني حسدته على ما هو فيه من ثبات وعطاء.. فجدارته وقوته جعلتني اؤمن بأن السودان لا خوف عليه في وجود هذا الجيل الذي مازال يعطي ويقدم رغم ان اجسادهم يسكنها الرصاص.
• هذا الصمود لم أجد له مثيلاً.. كان صموداً مقروناً بالكبرياء والطموح والأمل.. لم أشعر برنة حزن أو انكسار في حديث عبد القادر.. فقد كان شامخاً مثل )ترهاقا( تماماً.
)3(
• سوف اجتهد من أجل أن أحصل على عنوان هذا الشاب في القاهرة وهو في انتظار عملية دقيقة في العاصمة المصرية، فلا بد ان يكون في حاجة الى الدعم والمتابعة .. او دعوني اقول نحن في حاجة اليه اكثر من حاجته لنا.. فعلينا ان نتعلم منه وان نرى هذا الصمود الذي يمنحنا الكثير.
• ليت الذي يملك معلومة عن هذا الشاب يوصلها الى الصحيفة لتوصلها إلي حتى نتابع حالته وهو في القاهرة.
• ادعوا له بالصحة والعافية والعودة سالماً للسودان، فهذا اقل ما يمكن ان تقدموه له… ولم يكن )عبد القادر( حريصاً على أن يعطيني عنوانه او تلفونه في القاهرة او رقم الواتساب.. رغم اني اخبرته برغبتي في ان اكون حلقة وصل بينه وبين الآخرين ان كان في حاجة للدعم والعون وهذا من حقه علينا.. واختفي مني في زحمة مطار القاهرة.. وانتبهت فجأة ونحن في صالة الوصول في القاهرة وهو يختفي مثل بقعة الضوء عن الانظار ويبعد حينما كنت اكمل اجراءات الدخول للقاهرة، فقد تأخرت اجراءاتي لبعض الوقت. فكان مثل )الغمامة( الراحلة التى لا يمكن ان توقفها وهو يتوارى في الزحام.. لقد كان عبد القادر عفيفاً حتى في حقه )الادبي(. كان لا يريد جزاءً ولا شكوراً وهو يعطي الثورة بهذا السخاء الذي جعله يفتح صدره للرصاص ليسكن في رئته.
)4(
• بغم/
• أين التوم هجو من هذا الشاب؟
• المسافة بين هذا وذاك في حاجة الى ان تحسب بالسنة الضوئية.
• وكل الطرق تؤدي الى )المدنية(.