الإثنين 6 يونيو 2022 - 10:56

“وفجَّر الأعواد رجعاً وترديداً.. حتى ترى في البلاد من فرحٍ عيدا”.. التجاني يوسف بشير..!
)1(
هذه الثورة لم تبلغ بعد نصابها الزمني اللازم لإحداث التغيير الاجتماعي المطلوب، لذلك تذَكَّر أننا عندما نعمَد إلى أي تحليل ظاهرة ما سوف نستصحب – مكرهين لا أبطال – كل النتائج الاجتماعية الراجحة التي ترتَّبَت على سياسات حكومة الإنقاذ لثلاثة عقودٍ من الزمان. نحن نتحدث عن جيل ولد ونشأ وترعرع ثم اشتد عوده في ظل حكم الإنقاذ، وبالتالي فإن جُل المصائب السياسية والكوارث الاقتصادية سوف تَتنزَّل على أم رأس واقعه الاجتماعي تباعاً، مثل زخَّات المطر، بدءاً بدبيب النمل بين أروقة السياسة وانتهاءً بمزاجك الفني، ظل البقاء في هذا السودان ليس للأقوى بل للأكبر سناً، وبقيت مصطلحات مثل “مقاماً” وكفاءةً و”استحقاقاً” هي المُرادفات الافتراضية لمصطلح “سناً”. وهكذا، بينما يسيطر “التين إيجرز” – أو جيل ما قبل العشرين – على الذوق العام في بلادٍ أخرى، من خطوط الموضة إلى صناعة الموسيقى وعالم الميديا، ظل جيل الخمسين فما فوق عندنا يسيطر على الرأي العام، وعلى ملامح الصورة النمطية للمواطن السوداني الصالح. لكنك لن تجد في هموم أولئك المسيطرين مكاناً لمعاناة شابٍ عاطل، أدى فروضه الأكاديمية كما يجب، ثم وجد نفسه في عراء سوق العمل، يُواجه إشكالات الفشل والضياع، وعوضاً عن العمل في مجال تخصصه الأكاديمي قد يُصبح بائع طعمية أو سائق ركشة..!
)2(
معظم الظواهر الخاصة بانحراف بعض الشباب – والتي يتشنَّج البعض في تكذيب انتشارها – حقيقية. ولعل أبرز أسباب انتشار تلك الظواهر هو ذلك الهروع المجتمعي الكبير نحو التحصيل الأكاديمي للأبناء على حساب التربية، وذلك الوهم بشأن علاقة طردية مفترضة بين المسار الدراسي الجيد للأبناء وحسن سلوكهم. لذا إن كنت والداً يقرأ هذا المقال فدعني أؤكد لك أن لهؤلاء الشباب عالمهم الخاص الذي يُشاركك التربية وينافسك في التعليم. فضلاً عن أن العلاقة الوحيدة الصحيحة هي تلك العلاقة العكسية بين درجة قربك العاطفي منهم – وثبات ما تغرسه فيهم من قيم وفضائل – ومدى استعدادهم للولوغ في موبقات ومهالك ذلك العالم الخاص.
)3(
ظاهرة الشاب العاطل في أي دولة كارثة اجتماعية تنتهي بإحدى ثورتين، إما ثورة على القوانين والأعراف والأخلاق “في مصر صارت كلمة عاطل مرادفاً لتعريف المتهم في معظم قضايا السرقة والاغتصاب” وإما ثورة سياسية تطيح بنظام الحكم الذي تسببت سياساته بانتشارها. ولو قدرت حكومات السودان المتعاقبة خطورة تكاثر أعداد العاطلين – حق تقديره – لجعلت الأولولية بشأن اتفاقيات السلام والترضيات السياسية لجموع العاطلين من الشباب قبل الحركات المسلحة “الشباب العاطلين هم خام الثروة ووقود الثورة، وليس الساسة الذين لم يقدموا لهذا الشعب شيئاً، بل الوعود بفجرٍ إصلاحي كاذب. أي شاب سوداني هو عند أسرته مشروع استثماري باهظ التكلفة، ورغم الصرف والجهد والكد، يبقى على الواحد منهم أن ينتظر كثيراً وطويلاً قبل أن يتمكّن من رد بعض الجميل. لا عجب إذن من إصرار أي مشروع استثماري – يشارف على الانهيار – على حراسة بوابات الثورات..!