الجمعة 17 يونيو 2022 - 21:13
أحمد يوسف التاي يكتب: الملك عقيم


الملك عقيم
تقول العرب الملك عقيم، وهي عبارة أول من قالها هارون
الرشيد لولده المأمون: »يا بني الملك عقيم ولو نازعنني أنت
على الحكم لأخذت الذي فيه عيناك«، ويقولون أيضا إن
للملك طبيعة تضع السلطان في قالبها، ويقصدون يذلك طبائع
البطش والقهر والاستبداد والقتل والتنكيل إمعانا في حماية
سلطة الملك وكرسي الحكم، واستحلال المال العام… فمهما
تصنع الحاكم التواضع والتبسط للناس في أول الأمر حملته
.
طبائع
الملك والسلطان والبطانة من حوله يدفعونه دفعا لذلك، فيرى
في التواضع والتبسط ضعفا يغري الطامعين في عرشه ويذهب |
هيئة الملك، وفي الاستعلاء والترفع والكبر ضرورة لحفظ
المكانة والمنزلة التي تليق بالحاكم هكذا تترأى له الأمور،
وهو في طريقه للتحول إلى دكتاتور، ثم بعد ذلك يستسهل
سفك الدماء والقتل، فالذين كانوا ينظرون إلى الثوار في ميدان
الاعتصام بإعجاب ارتدوا على أدبارهم قتلا وتنكيلا لأجل
حماية العرش والملك العقيم .
مهما بدا الحاكم رقيقاً رحيما وشقيقاً على الرعية نازعته
طبيعة الملك ووضعته في قالبها القاسي المستبد فيتحول إلى
وحش كاسر يعتقل ويعذب وينكل ويقتل دون أن يطرف له
جفن ولو اضطر إلى إبادة » ثلث « شعبه فيستسهل إراقة الدماء
كما يستسهل الكلام … ومهما بدا صاحب الملك والسلطان نزيها
عفيفا طاهر اليد والسان نازعته طبيعة الملك إلى تلطيخ يديه
بالمال الحرام والدم الحرام وكل ذلك من أجل حماية السلطة…
الدم يرهب به الخصوم والطامعين في سلطته فيقتل دون تورع
والمال يشتري به الولاء… فهذه الطبيعة السلطوية المجرمة
تضع الحاكم قسرا في قالب سفك الدماء والأوهام وهواجس
حماية الكرسي بأي وسيلة والتصرف في المال العام كما لو كان
قد ورثه عن أبيه…
التاريخ روي لنا قصصا لحكام وملوك وسلاطين كانوا في
بداية عهدهم يتبسطون مع العامة فيأكلون ويشربون معهم،
وكذا يفعلون حتى مع خدمهم وجواريهم حتى إذا طغت عليهم
طبيعة الملك العقيم نظروا للعامة من أبراج عاجية وصعروا
خدودهم حتى لخلصائهم بأنفه وكبرياء، وأعملوا سيوفهم
في الأصدقاء والأقارب قبل الأعداء والخصوم، ومن هؤلاء
تزدحم ذاكرتي بأسماء ملوك منهم :عبد الرحمن الداخل
العباس
ومحمد ابن ابي عامر ، والمعتمد بن عباد العوني
وبني
العباس، والأمثلة كثيرة…..
حكام »الإنقاذ« السابقون، والحكام الحاليون ليسوا بدعاً
من أولئك ، فهل يخرجون من سنة الملك العقيم وطبائعه
التي تضع »السلطان« في قالبها وإن بدا بسيطا متواضعا
عفيفا رحيما؟… )ناس الإنقاذ( في بداية عهدهم بهروا
العامة بالتبسط المصطنع والتواضع والبساطة مع العامة
حتى أطلق عليهم إبراهيم شكري في مصر »صحابة القرن
العشرين، فقد كانوا يحملون المواطنين على سياراتهم
جيئة وذهابا لتخفيف أزمة المواصلات ، وكانت الوجبة التي
يتناولونها داخل القصر الجمهوري عبارة عن »ساندوتش«
قول، وما لبثوا إلا قليلا حتى رأينا الثروات والأملاك وتواروا
عن الأنظار وحجبوا أنفسهم عن العامة إلى أن وصلوا النقطة
التي رأوا »فوقها« جواز قتل »ثلث« الشعب من أجل
الكرسي دون أن تأخذهم رحمة أو شفقة
ورأينا كيف أن البشير هاج وماج عندما تناهى إلى علمه
وجود جوال سكر بمنزل اسرته وخشي أن يحاسبه الله
عليه يوم القيامة وفقا للرواية التي ذكرها صلاح کرار، حتی
شهدنا نهاية الحلقة في 11 أبريل 2015 . بوجود كل عملات
العالم مخبأة في بيته )دولارات ويورو واسترليني وريالات
ودراهم(..فهل يخرج الحكام الحاليون الشموليون من سنة
الملك العقيم؟. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة :
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله
وثق أنه يراك في كل حين.