السبت 18 يونيو 2022 - 19:17

عودة المشهد المتكرر لمسرحية الحوار للساحة السياسية! جنرالات الجيش، واللجنة الأمنية، والجنجويد، الذين يمدون الايادي امام الاعلام، يصافحون الساسة في اللقاءات السياسية والحوار مظهرين الحرص على الوطن، امن شعبه وامانه، يجزلون الوعود المشتركة في انهاء الازمة السياسية، وبالأيادي الأخرى، يضغطون على الزناد، مصوبين الأسلحة الفتاكة، على صدور الشباب في ميدان التظاهرات السلمية.. شباب يعتقد الساسة الكبار، والنخب المعتقة، ان تمسكه باللاءات الثلاث هي جريمته! في حين بداهة شعار لا للمساومة، ليس بموقف متعنت او )ركوب راس(، بل هو طرف العدالة الابتدائي، حقهم في عدم الجلوس مع الذين يجرمون الثورة نفسها، ويعتقدون أنها فعل باطل، بموجبه تمت فتوي دينية، تجيز قتل ثلث الشعب لمصلحة الثلثين الآخرين أو بالأحرى لمصلحة القلة الحاكمة.. لذلك يقتلون الشباب، ويغتصبون النساء، ويعتقلون الأطفال القصر، ثم يمشون الى المساجد، وهم يدوسون على التراب الذي تجري فيه دمائهم، ولا يجدون في أنفسهم حرج!
وأثبتت الشواهد ان هؤلاء الجنرالات الانقلابيين، خيالات ماَته، لا يستحون من ان يكشفوا عورات جهالاتهم امام العالم، اذ في سابقة فريدة من نوعها، قامت الحكومة بشكوى شباب الشعب، الذي احتفي العالم بسلميتهم، وشجاعتهم، ونموذج ثورتهم الفريد، الي مجلس الامن! بحسب صحيفة مونتي كارلو 12 يونيو: قدمت الحكومة السودانية شكوى الي رئيس مجلس الامن الدولي، ضد الشباب السودانيين المتظاهرين في الخرطوم بحري وامدرمان، انهم قاموا بتحطيم سيارة ماركة اكسن تابعة للشرطة، وعربات في قسم الشرطة، وزجاج سيارة، وسرقة حافظات مياه، ومراوح، وملابس، ومكيف، وجهاز حاسوب، وموترين، وموبايل ماركة )موتورولا( وحطموا زجاج نوافذ القسم، ومرايات، عربات أخرى تابعة للشرطة.. وغيرها من الشكاوى السمجة. وبالفعل قام مجلس الامن بتسجيل الشكوى واعتبارها وثيقة من وثائق الأمم المتحدة، بحسب طلب الحكومة السودانية! وهي نفس الحكومة التي عجزت عن محاسبة الاخوان المسلمين الذين باعوا ممتلكات الوطن، وخيراته من البترول، والذهب والمعادن، والثروة الحيوانية، وأبادوا، وفسدوا، وقتلوا واغتصبوا، وحرقوا قرى بأكملها، واذاقوا الشعب السوداني الامرين، بل أكثر من ذلك صرح البرهان سابقاً )ان البشير لن يسلم الي المحكمة الجنائية الدولية( وان )المحكمة الجنائية ليست سوي محكمة اوربية، ذات اجندات سياسية أقيمت لمحاكمة القادة الافارقة(.
بالطبع في غمرة جهالات حكومة البرهان، اعتقدوا ان )خواجات( مجلس الامن هم نظارات أهلية وقبلية، يمكنهم أن يستخدموها ضد الشعب، ولم يتبينوا ان من بين مهام مجلس الامن الدولي، التعاون على حل المشاكل الدولية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان، ووقف تصعيد الخلافات، وتسويتها بالسبل السلمية، ووقف الاعمال العدائية وفض النزاعات بالطرق السلمية، اي الحرص على قيم الاخلاق، وليس ارجاع )المسروقات من اقسام الشرطة(! وتلك الاهداف النبيلة، لا يدري كنهها غير الثوار الذين يقدمون ارواحهم، من اجل المدنية والديموقراطية، وتحقيق مطالب الحرية والسلام والعدالة.
ومن مفارقات الانقلابيين وإفلاسهم الأخلاقي أنهم يقتلون الشعب ويشيعون جنائزه! فحين ذهب البرهان، لعزاء تاجر الكرين الذي انتحر، لم يكن من اهتماماته دوافع الإنسانية، ونوايا الاعتذار عن انقلابه الذي قاد ابنهم الي الانتحار، بسبب تدني خدمات الصحة والعلاج، وضاقت به الحياة في دولة البرهان، وانما يهمه، كسب تأييد ودعم )قبيلة( ذلك المواطن! وفي الجانب الاخر يأمر باغتيال الذين خرجوا من اجل الحياة الكريمة، حيث سقط شهيد إثر إصابته بطلق ناري متناثر في الصدر والبطن، يرجح أنه طلق سلاح خرطوش أطلقته قوات الانقلاب في مدينة أم درمان، طفقت مواقع التواصل الاعلامي في البحث عن معلوماته، هويته، اسمه، وسكنه، يعلمون انه ذاك الاشجع الاشرف الذي خرج من اجل الوطن، )هاشم ميرغني إبراهيم( أستاذ مشارك بجامعة الزعيم الازهري، لقد لحق بسيرة مئة من الثوار سبقوه الي الاستشهاد، هم مستقبل تلك الأرض، فيهم المعلم الذي ابت نفسه ان يدرس العدل ولا يعيشه، والطبيب الذي لا تسمح له اخلاقه ان تهان زميلاته، فيصم عنهن الاَذان، والطالب الشهم الذي يحذر الكنداكات من غدر المجرمين المغتصبين، والثوري الذي خشي على سرقة الثورة ) من النخب( ولم يهب سرقة عمره اليافع، والمدافع عن لحمة الشعب الواحد )نحن اخوانك يا بليد(، والثائر من اجل الحقوق )الدم قصاد الدم، يا نجيب حقهم يا نموت زيهم(، والمبدعين الذين خلقوا نموذج المدنية، تتقدمهم ست النفور، تداوي المرضى وتصنع الازهار والجمال، كما الذين ماتوا في هوامش البلاد وذاقوا مرارات الابادات الجماعية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، مستشهدين من اجل حماية الأرض والعرض جميعهم ينشدون دولة القانون والأخلاق، ومتوحدين علي رفض عودة تجربة حكم الإسلاميين.
ان الطريق لحل الازمة السودانية بعد اليوم، لا يتأتى )بالدغمسة( السياسية، وانما بالحوار الشجاع والشفافية المستحقة، لاستكمال مسار ثورة ديسمبر والتعجيل ببلوغ السلطة المدنية الكاملة، وبناء دولة سودانية حديثة، تتبني الموقف الواضح بعدم شراكة العسكر والدعم السريع في السلطة، والاستفادة من الوساطات الدولية، واللجنة الثلاثية التي تدعم خط الثورة، في دمج الدعم السريع، والحركات المسلحة في الجيش.. لذلك لابد من وحدة قوي المعارضة بكافة اشكالها، من لجان المقاومة الذين نراهن على انفتاحهم على الوحدة مع جميع القوي الثورية، والالتفاف حول برنامج معلن، تستخلص فيه زبدة المواثيق المطروحة ذات القضايا المطلبية، يشارك فيه جميع مكونات الشعب، لاسقاط الانقلاب والإسراع بإعلان المجلس التشريعي الثوري.