الجمعة 12 أغسطس 2022 - 9:01
الهجرة من الأشياء التي مارسها الإنسان منذ فجر التاريخ، والبشرية في حالة حراك دائم، ومن المرجح أن الهجرة كانت السبب الأساسي في تعمير الأرض ورسم الخارطة البشرية الحالية.
وقد أمر النبي الكريم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وهاجروا إليها هرباً من ظلم قريش، وهاجر عليه السلام إلى المدينة، كذلك أورد القرآن الكريم في قول الحق عز وجل )إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(
في عصرنا الحالي الدوافع للهجرة كثيرة، فبعض الناس ينتقلون بحثًا عن العمل أو لأسباب اقتصادية، ومنهم من يهاجر للانضمام إلى أفراد عائلته أو سعياً لتحصيل أكاديمي. بينما يتنقل آخرون هرباً من الصراع أو الاضطهاد أو الإرهاب أو انتهاكات حقوق الإنسان، وبعضهم يهاجر بسبب آثار تغيّر المناخ والعوامل الطبيعية والبيئية الأخرى.
لعل الدافع الاقتصادي هو الأهم في السودان على وجه الخصوص، وقد بدأت الهجرة في السودان منذ زمن بعيد، ولكنها تحولت إلى ظاهرة في ثمانينات القرن الماضي، حيث كثرت أعداد المهاجرين إلى السعودية ودول الخليج بحثاً عن العمل فيما يعرف بالاغتراب، تزامن ذلك مع تردي الأوضاع الاقتصادية في السودان وحوجة هذه الدول الغنية بالنفط والفقيرة إلى التأهيل إلى كوادر بشرية مؤهلة للعمل في مختلف المجالات، وقد برع السودانيون في ذلك،،،
بعد هذه المقدمة الطويلة، أفرد المقال لفئة من المغتربين السودانيين الذين تعاملوا مع الاغتراب كوضع مؤقت في حياتهم، فقد عملوا بجد وأخذوا يدخرون الأموال لتشييد المنزل في السودان، وإحساسهم في بلد الاغتراب هو إحساس الضيف الذي سيغادر ولن يبقى، حرصوا على جعل منصرفاتهم في أضيق نطاق، للضروريات فقط، تفادوا مجارات المجتمع من حولهم من البلد المضيف أو غيرهم من المهاجرين، تجنبوا اقتناء الأشياء الثمينة، وبالرغم من مدخولهم العالي نسبياً، أجلوا كل الأشياء لحين عودتهم إلى السودان، ورفع راية كبيرة مكتوب عليها )إقامة مؤقتة(، مرت السنون وما زالوا مقيمين مؤقتين،
الوضع في السودان يسير إلى الأسوأ، وليس هناك ما يشجع أي مغترب لإنهاء تعاقده والقدوم.
وفي ظل توطين الوظائف، فجأة، يتم الاستغناء عن خدمة هؤلاء ويحضرون إلى السودان، ويحاولون بدأ الحياة التي بذلوا العمر للتهيئة لها،
ويفاجأون بأن كل شيء قد تغير، الأذواق تغيرت، اهتمامات الناس كذلك لم تعد كالسابق، يجدون أنفسهم في مرحلة عمرية جديدة، الشباب ولى إلى غير رجعة، ويحاولون الاستمتاع بالحياة التي ضحوا من أجلها، ولكن لا يجدون المتعة، فلكل عمر تداعياته ومتطلباته، ويكتشفون في النهاية أنهم أضاعوا المتعة الحقيقية في وقتها المناسب، وأنهم قد قضوا جل أعمارهم بدون الإحساس بالاستقرار النفسي،
هذه دعوة مني لأي إنسان للاستمتاع بالحياة والاستمتاع باليوم وما نملكه فيه كما هو، أن لا نربط السعادة بمكان، أن نصرف على أنفسنا وأهلنا متى ما وجدنا لذلك سبيلاً، أن لا نستخسر أي شيء مهما غلا، ما دام في إمكاننا الحصول عليه،
العمر مرة واحدة لا تتكرر، فلنعشه كما ينبغي وبكلياته في أي مكان وزمان،،،