الأربعاء 7 سبتمبر 2022 - 12:12

اسمها إيلين..

وربما هيلين لا أذكر..

وهي قبطية يتدلى صليبٌ لامع من عنقها..

وكانت بجواري حين شتمت يوماً صليب شيءٍ ما؛ وأيضاً لا أذكره..

فعاتبتني بغضب: لا تشتم الصليب..

وحينها – حينها فقط – تنبَّهت إلى رمزية الصليب المقدس في ديانتها..

فاعتذرت لها؛ مهمهماً بما رأيته من تبرير..

فأنا شتمت صليب شيءٍ… أياً كان هذا الشيء… والأشياء لا دين لها..

بل لا صليب لها؛ فالمقصود هنا كينونتها..

فلم تقبل تبريري؛ وقالت إنه ما من صليبٍ سوى الذي صُلب عليه المسيح..

ولم أجادلها في هذا دينياً من منطلق ديني..

وحتى إن فعلت ما كانت لتقتنع..

وفي ذهني ذكرى زميلة أخرى كان صليبها يتأرجح على صدرها كذلك..

وهي سوزي التي خرجت من قاعة الفلسفة مغاضبة..

وما ذاك إلا لأن أستاذنا حسن حنفي – حسب زعمها – أهان دين صليبها..

ولم تجد كل محاولاته لتبرير ما أغضبها..

تبريره منطقياً… وفلسفياً… وعقلانياً؛ دون أن يتراجع عن الذي أغضبها..

ومن المسلمين – كذلك – من يرون أنه يهين دينهم..

وهو ما كان يهين أي دين؛ ولكن ذا الفلسفة عرضة دوماً لسوء الفهم..

وثالثةً – قبطية – كان صليبٌ ينصلب على جيدها أيضاً..

إنها ماجدة التي أحبها زميلنا وهبي..

وذلك في زمنٍ مضى؛ بمدينة جميلة تدوي صافراتها من جهة النيل..

فيظل مصلوباً أمام كنيستها صباح كل أحد..

ونحن معه مصلوبون؛ دونما ذنب – هوى – جنيناه..

وشعراء كثرٌ – في بلادي – عشقوا قبطيات؛ وترجموا عشقهم هذا شعراً..

ثم ترجمه لحناً مطربون عبروا عما بدواخلهم..

فشعراء الحقيبة هؤلاء كانت لهم ملكة إبداعية فريدة في اقتناص كل جميل..

وواحدٍ منهم اقتنص – مرةً – ذات صليب جميلة..

ولعل صليبها كان أيضاً جميلاً؛ كصليب كلٍّ من إيلين… وسوزي… وماجدة..

وكان الاقتناص هذا في يومٍ عيدٍ من أعياد الصليب..

ففتية الأقباط – في ذياك الزمان – كانوا يقومون بزفة صباح أعيادهم هذه..

مثل زفة المسلمين عند حلول ذكرى المولد النبوي..

ثم ينشدون تراتيل مسيحية ذات شجو كشجو الطيور على أغصانها..

وكانت هي تمسك بغصنٍ مزهر..

وتطل على الزفة من على شرفة شقتها بالدور – أو الطابق – الثاني..

فأنشد – بدوره – شاعرنا – سيد عبد العزيز قائلاً:

يا مداعــب الغصن الرطيب

بـبنانك ازدهــــت الـــزهور

زادت جمال ونضار وطيب

إلى أن يقول في لحظته اقتناصه تلك لجمال قبطية… وزهرة… وصليب..

يقول شعراً وهو مصلوبٌ – وصليبٌ – بالأسفل:

في الروضة غنى العندليب

ردد أغــانيـــه الطــيــــــور

ترتيــــل أناشــــيد الحــبور

فتيـــانا يوم عيد الصــــليب

والبارحة استمعت – بتمعن – لكلمات أغنية الحقيبة الفريدة هذه..

وهي تتغنى بجمالٍ فريد..

جمال الصليب… وذات الصليب… والغصن الصليب… في عيد الصليب..

ومن يوم عاتبتني هيلين لم أعد أشتم بالصليب..

ولكني سوف أشتم كل من يجعلني أقف أمام باب كنيسة في انتظار حبيبته..

كما كان يفعل صديقنا وهبي ذاك..

بمدينةٍ تدوي الصافرات في أجرائها من جهة النيل..

فأظل – صباح كل أحدٍ – متمثلاً صيغة المفعول للفعل صلب..

أي مـصلوباً..

وصليبا!!.