الأربعاء 14 سبتمبر 2022 - 11:50

أحداث العنف المؤسفة التي انفجرت يوم الأول من أمس بمدينة أبوزبد بين قبيلتي الحمر بفتح الحاء والمسيرية الزرق، والتي تأتي ضمن سلسلة التوترات الناشبة بين القبيلتين، لم يكن أي متابع على معرفة بسيسيولوجيا مدينة أبوزبد التاريخية العريقة وتركيبتها السكانية الفسيفسائية، يتوقع أن يقع فيها قتال قبلي مثل الذي جرى، ولا أدل على ذلك من المقولة القديمة (أبوزبد المرين.. خريف بقارة وصيف أم سعين..كان ترضى كان تابى تشرب روابة وكان ابيت يجيبوها ليك في البيت) التي يرددها مواطنو أبوزبد بقارة وحمر ودناقلة وجوامعة وفلاتة الخ، افتخارا بمدينتهم التي جمعت أطياف من القبائل تواشجت وتصاهرت وتلاشت فيها القبيلة حتى صارت أبوزبد هي القبيلة والعنوان، وتقع محلية ابوزبد فى الجزء الجنوبى الغربى من السودان، وتتبع اداريا لولاية غرب كردفان، وتبعد عن الابيض حاضرة ولاية شمال كردفان حوالى 166 كلم، وتضم محلية ابوزبد خمس اداريات هي أبوقلب، ابوزبد، خماس، السعاتة، قليصة، ويبلغ عدد سكانها حسب احصاء 2008 حوالى 178,110 الف نسمة، وتتبع تاريخيا من حيث الإدارة الأهلية لقبيلة الحمر مع وجود تمثيل إداري و سكاني للمسيرية و النوبة، والدناقلة، و الفلاتة، و الجوامعة و كثير من قبائل غرب السودان..

لا تذكر أبوزبد الا ويذكر معها أهلنا الحمر والبقارة، هذه الثنائية التي لا فكاك منها، فلا الحمر يمكنهم الفكاك من المسيرية ولا المسيرية بقادرين على التخلص من الحمر، فالمسيرية يقضون خريفهم في مناطق حمر والحمر يمضون صيفهم في مناطق المسيرية ، وهؤلاء أبالة يربون الابل وأولئك بقارة يسعون البقر، كما جاء في المقولة (خريف بقارة وصيف أم سعين)، وأم سعين كناية عن الضأن الحمري المدرار لأن ضروعه كبيرة تتدلى كالسعن وهو (القربة الصغيرة)، وكل هذه الشواهد تجعل من منطقة أبوزبد بوتقة للتلاقي والتصافي والتعايش والتساكن والتدامج الاجتماعي والتكامل الاقتصادي وتبادل المنافع، ولا تصلح أبدا ان تكون محل نزاع وقتال وخصومات، وهذا ما يفرض على الاهل هناك ان يتحلوا بأعلى درجات الهدوء وضبط النفس، وان يعملوا على حل أي خلاف بالجودية والشورة والحوار وليس العنف والاقتتال، وليتدارسوا عبر ودروس التاريخ الوطني القريب الذي يؤكد أن العنف والقتل وسفك الدماء عمره لم يحل مشكلة أو ينهي أزمة،
اذ لا حل للخلافات والمظالم والتعديات والانتهاكات الا بالحوار.. صحيح يمكن أن تقع اختلافات ويمكن أن تتقاطع مصالح ويمكن أن تحدث مظالم، ولكن كل هذا لا يبرر وقوع قتال دامي مهما كان حجم الاختلاف والمظالم،

فمثلها وربما أسوأ وأخطر منها يمكن أن يقع بين قبائل أخرى وفي مناطق أخرى من السودان في الوسط والشمال، ولكنهم لا يخوضون من أجلها الحروب المميتة وانما يستعينون على حلها بالصبر والحكمة والحوار، فليس هناك خلاف مهما بلغت خطورته عصي على الحل حتى يلغ المختلفين في قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، هذا والله حال مؤسف وتعيس وبئيس لا مبرر له على الاطلاق، فمثل هذه الحروب العبثية الكل فيها خاسرون ولا رابح فيها لو كان الأهل يتعظون..
الجريدة