السبت 21 أغسطس 2021 - 14:06
منى أبوزيد تكتب : لا تُفتِّتوا أكبَادنا ..!


“كل ما هنالك أنك تُعطي نفسك مكانةً زائفةً، من يَهتم لأمرِك أيها الأحمَق؟!. كم من أمثالك مَرُّوا في هذه الدنيا”.. عزيز نيسين ..!
المصائب التي تتَربَّصُ بكل شابٍّ تُسول له نفسه أن يعلن انضمامه إلى مؤسسة الزواج في هذا السودان مُرعبة حقاً، بدءاً بالمهر والشيلة وتكاليف الولائم الباهظة، ومروراً بحُمَّى التَطلُّب والتَزيُّد والدلال – التي تصيب فتاة أحلامه في هذه المرحلة من العلاقة تحديداً – والتي تقتضي مُعالجتها بعض الاستجابات العاطفية المُتهورة المُفضية بدورها إلى حُمَّى من نوع آخر تصيب جيب العريس بعجز في الميزانية لا يُرجى شفاؤه، وانتهاءً بتحول الهمس إلى شخير وتمدد الملل على أريكة الشغف – “والليلة خُدرة وبكرة بامية” – ومن ثَم تدشين تحول الطرفين تحت مسمى الأسرة الجديدة إلى ترسٍ بائس في آلة العادات الجائرة، والتقاليد القاصمة للظهر.. إلى آخر تلك المُنمنمات البليدة والفسيفسائيات الباعثة على الضج. وأخيراً، ها نحن هنا، و”قبيل شِن قُلنا” ..!
المشكلة – بطبيعة الحال – ليست في مؤسسة الزواج على إطلاقها، بل تكمن المشكلة في الداخلين إليها، والخارجين عليها، والمقيمين فيها، والمتفرجين الذي يحشرون أنوفهم في مجريات أشواط مبارياتها بدعوى أنهم يشجعون “اللعبة الحلوة”. المشكلة هي ذلك القالب العرفي الكئيب الذي تَواضعنا نحن – كمُجتمعٍ – على أن نحشر فيه تلك العلاقة الرائعة المُقدّسة، أن نخنق أنفاسها بحجة الواجب والمفروض والملعون والمرفوض. ثُم، وكأنّ ذلك كله لا يكفي حتى يبتلينا الله بحاملي الأسلحة الذين يُمطرون السماء من فوق رؤوسنا بالذخيرة الحَيّة، كلما قال ولي أمر عروسٍ زوّجناك وعاجله ولي أمر عريسٍ بقبلت ..!
الإصرار على ارتكاب مثل هذه الحماقات الجماعية حال تستحق الدراسة، لأنها ليست من دلائل التعبير عن الفرح، بل هي حالة جنون عظمة مؤقت، وعنتريات فارغة، وتخيلات بائسة لبطولات وهمية لا وجود لها على أرض الواقع. والدليل أن مطلقي الرصاص في مناسبات الأعراس هم أنفسهم أصحاب الشخصيات الاستعراضية الذين يمطرون “الغنَّايات” و”القونات” بالأوراق النقدية الضخمة كلما سمعوا جملاً على غرار “سمحة الهيبة فوق مختار”، وهم أنفسهم أصحاب “العصايات” الذين يرفعونها تهليلاً وتكبيراً مع معزوفة “دخلوها وصقيرها حام”. ولئن سألتني عن الفتوحات الإسلامية أو المعارك الحربية التي خاضها أولئك المتراقصون الذين يطلقون الرصاص، فما المسؤول عنها بأعلم من السائل ..!
آخر ضحايا ذلك الهوس بإطلاق النار كان عريساً – بمنطقة الدامر في ولاية نهر النيل – لقي مصرعه بعد دقائق من عقد قرانه بعد أن أصابه أحد أصدقائه المهنئين بطلق ناري، ولم تفلح مُحاولات إسعافه، فتحوّل العرس إلى مأتم. وهذه الحادثة ليست سوى حلقة في سلسلة حوادث موت كثيرة مُشابهة، ولست أدري ماذا فعل الله بتدابير السلطات في هذا البلد والتي لا نراها تُحرِّك ساكناً يُذكر، مع أنها تفعل – وبسرعة البرق – في كل ما يتعلّق باستحداث الرسوم وفرض الجبايات. لا بد من ملاحقة كل من يطلق النار في المناسبات الاجتماعية بتُهمة الشروع في القتل في حال عدم حدوث إصابات، وبتهمة القتل شبه العمد – وليس الخطأ – في حال حدوث وفيات. باعتبار أن الموت في مثل هذه الأحوال يكون نتيجةً راجحة ..!
الذخيرة الحَيّة يا سادة مكانها ساحات المعارك وكمائن الشرطة التي تقطع الطريق على عصابات المُجرمين وليس مناسبات الأعراس التي تتداخل فيها حشود الأبرياء العُزَّل الذين لا حول لهم ولا قوة. والبطولات الحقَّة ليست لحظات نُسلِّم فيها أنفسنا لجموح أخيلتنا ونحن نطلق النار في حفل عرس. كل البطولات الإنسانية أتت كنتائج راجحة لعظمة الأفعال الدالَّة على الفاعلين. أما أنتم فبئس الفاعلين ..!
munaab uzaid2@gmail.com