الأحد 25 سبتمبر 2022 - 14:42

تعتبر الأيديولوجيا من أهم مظاهر الأزمة السياسية في السودان، باعتبار أن القوى الأيديولوجية دائما تكون في حالة نرجسية لا تستطيع أن تعترف بغيرها، و تعتقد أن رؤيتها رؤية مقدسة لا تقبل الجدل حولها، الأمر الذي يجعلها لا ترى في الساحة السياسية إلا نفسها، و بالتالي يجب الخضوع لما تقول جملة و تفصيلا، و رغم أنها ترفع شعارات الديمقراطية و تطالب بها، لكنها من باب التكتيك، أو الإنحناءة للعاصفة في بعض المرات. و إذا هي مؤمنة بها كانت مارستها داخل مؤسساتها. أن تجارب التاريخ المعاصر منذ الاستقلال حتى اليوم بينت أن الأيديولوجية قد دخلت في سجالات كثيرة مع القوى السياسية الأخرى بهدف تكسيرها و شيطنتها، لكن رغم علو صوت هذه القوى الأيديولوجية لم تقدم للمكتبة السياسية أي أطروحات فكرية تؤكد فيها رؤيتها لقضية الديمقراطية في البلاد ، إلي جانب أن مرجعياتها الفكرية تفارق الديمقراطية تماما. وظلت منذ تأسيسها حتى اليوم لا تجيد غير المناورة و التكتيك، الذي لم يثمر شجره أكثر من نصف قرن.
أن الذي يرفع شعارات الديمقراطية و يؤمن بها، يصبح الحوار و التفاوض مع الأخر هما الأليتين التي يتم من خلالها الوصول لتوافقات بهدف التغيير، لكن رفض الحوار و التمسك بالنتائج الصفرية السالبة يؤكد ضعف الثقافة الديمقراطية. و يتضح ذلك من خلال موقفها السالب تجاه الوثيقة التي أصدرتها اللجنة التسيرية لنقابة المحاميين، و التي كانت قد قدمتها للقوى السياسية و البعثة الأممية و عدد من سفارات دول الغرب، و قد اشادوا بها باعتبارها مسودة جيدة للحوار. لكن التأييد قد وجد هجوما من بعض القوى الأيديولوجية حيث اعتبرته بمثابة تشجييع لتسوية سياسية. و هنا يجب أن نفرق بين ثقافتين في السياسة. أن سفراء الدول الغربية و الولايات المتحدة عندما تقدم لهم مثل هذه المسودة، ينظرونا إليها ليس من باب الصراع السياسي الدائر بين الكتل السياسية المختلفة في الساحة السياسية، بل باعتبارها خطوة تفتح بابا للحوار بين القوى السياسية يمكن أن يقارب بينهم إذا كانوا جميعا يتطلعون إلي عملية التحول الديمقراطي، و الحوار عندهم أهم عتبة يمكن أن توضع عليها القدم الصاعدة للعملية الديمقراطية، باعتبار أن الإقصاء يجب أن لا يكون له مكانة في الثقافة الديمقراطية، لكن الأيديولوجية تفهم ذلك أنه شروع في تسوية تضع خططها هذه الدول الغربية و أمريكا. أن القوى الأيديولوجية لا تستطيع أن تفكر خارج دائرة ثقافة المؤامرة.
بعد رد الدول الغربية على وثيقة المحاميين أصدرت هيئة علماء السودان بيانا قالت فيه (إنها بصدد إطلاق حملة لكشف خطورة المسودة لكون أن إسراع الدول الأوربية في الإشادة به يلقي بظلال من الريبة والشك حول بنود ونصوص الدستور وأهدافه( كان المتوقع ليس النظر لرد الدول الغربية على الوثيقة. أن تقوم هيئة علماء السودان بنقد الوثيقة نقدا علميا و تبين فيها مكامن الضعف و القوة، و أن ممارسة النقد للوثيقة هي نفسها تعتبر ترسيخ لعرى الديمقراطية، و لكنها تخيلت هناك خطورة قادمة من الدول التي أيدتها و بنت تصورها عن كيفية مواجهة الخطورة المتوقعة، فقط لآن الدول الأوروبية قد أشادت بها، ألأمر الذي يؤكد أن هذه القوى من الصعب أن تكون داعمة لعملية التحول الديمقراطي في البلاد، كان المتوقع أن هذه القوى الأيديولوجية بعد ثورة ديسمبر أن تقدم مراجعات فكرية حتى تتماشى فلسفتها مع الديمقراطية و أيضا أن تعيد النظر في نظرية المؤامرة التي لا تستطيع أن تفكر خارج صندوقها.
في الجانب الأخر نجد أن الحزب الشيوعي أيضا علق على تأييد الدول الغربية للوثيقة بأنه تعبيد لطريق التسوية السياسية، و الحزب الشيوعي يريد أن يجمد كل الفعل السياسي من خلال الشعارات الثلاثية " لا تفاوض و لا مصالحة و لا مشاركة" و هي شعارات لا يمكن الالتزام بها في ظل الأزمة السياسية التي تتطلب الحوار و التفاوض، و لماذا يريد الحزب الشيوعي أن يجعل هذه الشعارات مقدسة لا يتم المساس بها أو تجاوزها، حيث يقول في كلمة جريدته " الميدان" الصادرة يوم 15 سبتمبر 2022م، استمرار خداع المجتمع الدولى للقضية السودانية و جاء فيها ( في بيان مشترك أكدت سفارات فرنسا و المانيا و هولندا و إطاليا و السويد و اسبانيا و الولايات المتحدة و المملكة المتحدة أن مسودة الدستور التي صاغتها نقابة المحامين السودانيين و التي تتمتع بتأييد واسع تعتبرها هذه السفارات مبادرة جادة و مشجعة في طريق استرداد الحكم المدني، أن كل القوى الدولية و الأقليمية و أمتداداتها الداخلية المصرة على فرض التسوية السياسية تتناسى عن عمد المواكب الجماهيرية العارمة التي ظلت تسيرها تنسيقيات لجان المقاومة في العاصمة و الأقاليم) ليس هناك أعتقاد أن القوى السياسية المؤيدة للوثيقة أو الدول المشار إليها لا تعي دور المسيرات، لكن تحقيق هدف و شعارات المسيرات يتم أيضا عبر الحوار و التفاوض بين القوى المؤمنة بالديمقراطية. لماذا يحاول الحزب الشيوعي أن يفرض على كل طريقة واحدة للتفكير، لماذا لا يترك القوى و الأجيال الجديدة أن تفكر خارج صندوق الإرث السياسي الثقافي الذي لم يحصد غير الفشل.نسال الله حسن البصيرة