الخميس 29 سبتمبر 2022 - 15:42
منذ فجر التغيير في 11 أبريل 2019 فشلت كل المحاولات – الداخلية والخارجية – الساعية لتجاوز الأزمة السياسية والتعقيدات المترتبة على حالة الاستقطاب والتدخلات الدولية التي أسهمت بصورة مدمرة في ضياع الفكرة الوطنية المبينة على قيم وأعراف الشعب السوداني وصون الهوية القومية والثقافية، ولدينا مثال حي يبرهن فشل محاولات الخارج جسدته بوضوح “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان – يونيتامس” المدعومة دولياً وأسهمت في تعقيد المشهد السوداني أكثر مما كان. ولهذا بني هذا المقترح على أسس المصلحة الوطنية والحفاظ على تماسك النسيج المجتمعي لابعاد شبح ومخاطر تفكك السودان، ولهذا جاءت فكرة تقديم هذا المقترح أيضاً على أساس هذه القاعدة “ولا شيء غيرها سوى المساهمة ضمن الاجتهادات – الجماعية – الساعية لإخراج البلاد إلى بر الأمان وعبور المرحلة الانتقالية بسلام”.
مع التأكيد على أن الفكرة الاستباقية بالدعوات والتجهيز والإعلان عن موعد لقيام الانتخابات في ظل هذه الاوضاع الحالية المعقدة للغاية يصبح أمراً غير ممكناً ويتطلب تنفيذ الخطوات المذكورة حتى تلقى العملية الديموقراطية تأييداً من الجميع وليس فئات محددة امتلكت نفوذ غير شرعي وأدخلت البلاد في هذا الوضع الكارثي.

خطة التنفيذ:
تتكون خطة التنفيذ من ثلاثة مسارات أساسية، ولا تلغي بعضها البعض لأنها تكمل الرحلة إلى بر الأمان، وهذه المراحل الثلاث المختلفة تنتهي بتاريخ قيام الانتخابات.

تفاصيل المقترح مبينة أدناه في عناوين ونقاط مختصرة من دون الخوض في تفاصيل لأنها قضايا عميقة في الشأن العام وتخص الجميع وتحتاج لبحث مستفيض يعيد الأمل للشعب السوداني، لذا لا يمكن تفصيل هذه الروية إلا بعد الحوار العميق بين الجميع، (مع ضرورة التأكيد بأن تجاوز تقسيم مسارات الأزمة سيعقد من الحل كما ثبت ذلك طوال السنوات الثلاث الماضية).

المسارات:
1- المسار التنفيذي – حكومة تسيير المهام “حكومة كفاءات وطنية مستقلة وغير حزبية”.
2- المسار الانتقالي – خاص بالتداول حول قضايا المرحلة الانتقالية.
3- المسار الثالث خاص بفترة ما بعد المرحلة الانتقالية.

قنوات التنفيذ:
يتم تشكيل لجنة أو آلية وطنية بواسطة “سلطة الأمر الواقع” ، وهذه اللجنة الوطنية تعنى بإعداد مسود لنظام حكم يتراضى عليه الجميع ويصل بالسودان إلى مرحلة الديمقراطية والانتقال لحكم مدني.
سلطة الأمر الواقع الحالية ينتهى أجلها بعد التوافق على نظام للحكم وتبدأ مرحلة التنفيذ التي تشمل مهام ودور المنظومة العسكرية والأمنية في إطار الحل الوطني الشامل.

النتائج المستهدفة:
اذا قدر للفرقاء السودانيين دعم هذا المقترح والنظر إليه بحيادية وتجرد وموضوعية تستصحب تعقيدات المشهد السوداني فإن النتائج المتوقعة ستسهم بفعالية كبيرة للغاية في اسدال الستار على مرحلة الفرقة والصراع والتشرذم والتشتت التي عاشها السودان وشعبه، ويمكن عبر هذا المقترح التأسيس لروح التعاون والمصالحة الوطنية الشاملة، والأمل مازال حياً لجني ثمار هذا الجهد المتواضع لإبعاد وطننا من الانزلاق نحو الفوضى والتشرذم.

معايير وآليات التقييم والتقويم:
تعتمد معايير نجاح المقترح على مدى تجرد الساسة وعامة أبناء وبنات الشعب من النظر بزاوية تحقيق المصالح الضيقة “شخصية كانت أو حزبية أو تنظيمية”، ويعتمد نجاحه أيضا على الرغبة في بناء الثقة مع الآخرين لخدمة الشعب وخصوصاً جيل الشباب الذي ضحى كثيراً من أجل أن تحقق الثورة غاياتها المنشودة والتأكيد كذلك على دور المرأة ومشاركتها الفاعلة في نجاح الثورة، وجميعها مجهودات هدفت لترسيخ قيم الحرية والسلام والعدالة، وتوفير فرص واعدة للجميع نساءً ورجالاً في وطن واحد أكثر أمناً واستقراراً وتطوراً.

التحديات:
المقترح تأسس على قاعدة الاستفادة من تراكمات الأعوام الماضية، ويحتوي على خطوات لعملية اجرائية عاجلة تحتاج قدراً من المرونة ومساحة زمنية معقولة لإنهائها. ومن الطبيعي أن تكون هناك تحديات كتلك التي أفشلت كل المجهودات السابقة التي انتهت بفعل الاستقطاب والتخوين والتنميط والانقسامات المؤسسة على النظرة الحزبية الضيقة أو الأيديولوجية أو العرقية أو الجهوية. وهذا كله ليس مبرراً لترك الحال على ما هو عليه، بل أصبح من الواجب العاجل أن نتحسس جميعاً أقصر وأفضل الطرق لاختبار مصداقية المنظومة العسكرية والأمنية وإلزامها للوفاء بتعهداتها الخاصة بضرورة التوافق بين المدنين ابتداءً ليتثنى لها تسليم السلطة للقوى المدنية حتى تكمل مسيرة التغيير الذي ضحى من أجله الشهداء، وهنا أذكر بالتزام رئيس المجلس السيادي المتكرر والذي أكده مؤخراً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ77 يوم 22 سبتمبر 2022 بالتحول الديمقراطي وتسليم السلطة لحكومة مدنية.

الأمانة الإدارية:
تسند مهمة اصدار المراسيم الدستورية الخاصة بتنفيذ هذا المقترح وتنزيله إلى أرض الواقع إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي “سلطة الأمر الواقع”، وذلك باعتبار أن الوضع الحالي استثنائي ونسبة لغياب مؤسسات السلطة الدستورية المستقلة والمنتخبة “المجلس الأعلى للقضاء، المجلس الأعلى للنيابة والمحكمة الدستورية”.

الختام:
ختاماً، هذه الرؤية تبلورت من حي زيارتي الأخيرة للسودان وتمثل محاولة للنقاش حول سبل احتواء الأزمة الحالية ومنهج للخروج بحل وسط يسهم في إيجاد معادلة توزان تصل بالناس لنظام حكم معترف به من الجميع وبتوافق شامل يصل بالشعب السوداني لمحطة الخروج من النفق المظلم للصراعات التاريخية التي يجسدها الواقع الماثل حالياً بكل تعقيداته المعروفة.
مع التأكيد مرة أخرى أن الهدف الخالص من هذه الرؤية هو محاولة لبناء الثقة وتعزيز فرص الحوار بين السودانيين/السودانيات بهدف الوصول إلى صيغة تراضٍ بين كل القوى الوطنية وصولاً للتحول الديمقراطي والوفاق لصالح السودان وشعبه.
والله من وراء القصد.
قال الله تعالى: (‏‏لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير).
صدق الله العظيم
لندن
سبتمبر 2022