الخميس 29 سبتمبر 2022 - 15:43
د/ عادل عبد العزيز الفكي
adilalfaki@hotmail.com
يتساءل البعض حول أسباب فشل قضايا الفساد الإداري أمام القضاء الجنائي، البعض يتهم القضاء بأنه مخترق من قبل منسوبي النظام السابق، لهذا لا يحكم بإدانتهم، هذا تحليل ظالم، يطعن في نزاهة قضائنا الوطني الذي هو بخير، وفوق الشبهات برأيي.
محاربة الفساد المالي والإداري مسألة في غاية الدقة، وتحتاج لمهارات إدارية وقانونية ومحاسبية، لهذا لجأت الدول لتكوين مفوضيات لمكافحة الفساد وتحقيق النزاهة والشفافية.
تدرس المفوضيات عبر خبرائها حالات الفساد حالة حالة حيث تختلف المعالجات بين حالة وأخرى. البعض يقدم للمحاكم والبعض الآخر تجري فيه التسويات والمعالجات.
محمد بن سلمان في السعودية حصر المشكوك في ثرائهم غير المشروع، وحبسهم في فندق خمس نجوم، وترك أعمالهم تسير كالمعتاد، وجعل أجهزته تواجه كل منهم بما اقترف.
تنازل العشرات عن مليارات الدولارات، فأفرج عنهم، ولم يشهر بهم، وعادوا لممارسة أعمالهم. مهم جداً لرجال الأعمال عدم التشهير وهز السمعة في السوق، لأن ما يترتب على ذلك لا يعوض، أما الخسائر المادية، فمهما كان حجمها فإنها تعوض.
في السعودية لو تم التوجه للمحاكمات لتمت تبرئة أغلب من تم حجزهم من الأمراء والأثرياء، لأن الإدانة القضائية تستوجب الإثبات دونما شك معقول، وهذه درجة عالية يصعب على النيابة الحصول عليها بسبب ذكاء المشكوك فيهم واستغلالهم للثغرات القانونية.
كان يمكن للأجهزة المختصة في السودان اتباع هذا الأسلوب، ولكن الحاضنة السياسية للحكومة بعد الثورة غلبت عليها الرغبة في الانتقام لأسباب سياسية، ففشلت في إدانة أغلب من قدموا أمام القضاء، بينما لجأت لحبس آخرين دون حتى توجيه اتهام لهم، فأصبحوا وصمة سياسية في وجه من حبسهم. وفي كل الأحوال لم تستفد البلاد أو الاقتصاد شيئاً.
التسويات مضمنة في قانون النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد السوداني، وأغلب القوانين الحديثة التي تعالج هذه المسألة تتضمن هذه المعالجة، وهي تكون ضرورية ولازمة وذكية في حالة عدم كفاية الأدلة. إن عدم إعمال التسويات في الحالات التي يصعب الإثبات فيها فوق مرحلة الشك المعقول، كما حدث لدينا، أدى لإفلات الكثيرين بما حصلوا عليه، لأن غباء القائمين على الأمر جعلهم يركزون على مفهوم الانتقام والتشفي دون المصلحة العامة.
من الضروري أن تسعى الحكومة لتكوين مفوضية النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، لتضطلع بدورها في محاربة الفساد بإجراءات قانونية ومحاسبية وتربوية وإرشادية وإعلامية، تطبيقاً للاتفاقيتين الدولية والعربية لمكافحة الفساد. والله الموفق.