السبت 1 أكتوبر 2022 - 12:10

مبارك أردول...
The only game in town
هكذا قال لي أحد الدبلوماسيين الغربيين، تعليقا على مشروع الدستور المسمى بدستور (تسيرية نقابة المحامين)، ارتفع حاجب الدهشة عندي عندما سمعته يقول هكذا، واكيد عرفت إن حد معرفته بالسودان هي حوائط مكتبه والتقارير (المخجوجة) المنحازة التي يسمعها، استمعت اليه واذكر مداخلة الأستاذ القانوني نبيل أديب حول المشروع وراي الاستاذ يحى الحسين.

يضع بعض الدبلوماسيين الغربيين أنفسهم في مقام أكبر من حجمهم بل يعتقد البعض إنه وصي بل ويتصرف كأنه حاكم عام للبلاد، وهم الذين يعتقدون أيضا أنهم بإمكانهم صنع أي شي حتى الخيارات نفسها يستطيعون صناعتها لنا ولهم قناعة(لا ادرى مصدرها) أنهم سيجبرون الناس على تقبلها!!.

ولمن لا يعلم حجم التعقيد السياسي الآن دعنا نذكره عسى ولعل له أن يخرج من النظرة السطحية قليلا، ولنتحدث فقط عن الأطراف دون النظر الي ماسيحملونه من مشروعات وتصورات حول الانتقال.

الأطراف :
في جانب المشهد السياسي نجد من أطلق عليهم بالمدنيين عقب التسوية السياسية مع المكون العسكري في أغسطس 2019م وهي قوى الحرية والتغيير بفصائلها ( التوافق الوطني - المجلس المركزي - القوى الوطنية - تجمع القوى المدنية) وكذلك قوى التغيير الجذري وقوى الكفاح المسلح الغير موقعة على اتفاقية جوبا، لكل هذه القوى رؤية مختلفة عن الانتقال وتكاد تكون متناقضة في حد ذاتها فيما بينها، وهي كانت موحدة قبل عامين حول مشروع الحكم بعد إسقاط نظام الانقاذ.

أيضا هنالك قوى سياسية إجتماعية جديدة دخلت المشهد ولها تأثير غير منكور تمثل أبرزها قوى نداء أهل السودان بقيادة الشيخ الطيب الجد، طرحت هذه القوى مبادرة جديدة جمعت أغلب القوى الإجتماعية والسياسية بينها التي كانت ضمن حكومة البشير، لايمكن النكران أن لهذه القوى نفوذ وتأثير حتى داخل القوات المسلحة، حيث رأى بعض من فيها إن ما يطرحونه يعتبر موقف يجب استصحابه ضمن المطروح، وإن المحاولة للتقليل أو إلغاء وجود هذه القوى وضع غير واقعي وقصير النظر.

النظام السابق كقوى كانت حاكمة يطل هو الآخر بكياناته وواجهاته المختلفة، بينها أكبر حدث اليوم هو حضور رئيس الوزراء الأسبق محمد طاهر ايلا والتي يمكن أن تربك المشهد للجميع خاصة عندما ترى أن هنالك تسوية سياسية تجري لعزلها أو استعدائها كما حدثت التسوية السابقة التي تجاوز فيها القانون والاعراف من الذين حاولوا تصفية تمكين النظام السابق، فكانت تصفية التمكين فادحة أكثر من التمكين نفسه، ولا يمكن أن ينكر أحد أنه أعجبهم الخلاف الذي حدث في التحالف(المدني العسكري) الذي أنهى نظامهم وأدى الخلاف بينهم الي إسقاط الحكومة التي قامت بعدهم وكان الانتقام والتشفي والتنكيل عنوانها عليهم.

المكون العسكري عرف مفهوما هي القوات المسلحة والدعم السريع توحدت قيادتها عند اعتصام القيادة عبر اللجنة الأمنية واستطاعت تسديد الضربة الأخيرة للنظام، وحاليا هي نفسها تتباين في النظرة للانتقال خاصة بعد تجربة الشراكة التي انهتها هي نفسها بقرارات ال25 من اكتوبر 2021م، لايمكن أن توحدها اي تسوية قادمة قائمة على نفس قوائم التسوية السابقة، لأن المشهد ليس هو 2019م حتى اعضاء النظام السابق صاروا أكثر ثقة من أي وقت مضى واستعدادا يرجع ذلك لعملية التفكيك التي تمت بواسطة المجلس المركزي للقوى المدنية الثورية، بالاستفراد بالسلطة وتخوين الآخرين، حيث أن وحدتها كان شرط سقوط النظام السابق وانحيياز العسكريين إليهم فبالتباين والخلافات الحادة التي شق صفها جعل حتى العسكريين لا يضعون لها اعتبار.

التدخل الخارجي وهو الحلقة التي يجهل بعضها تعقيدات المشهد وتعتقد انها يمكن أن تضغط او بانحييازها على احد الأطراف ان تصنع مشهدا جديدا مواليا لها، ويسعى بعضهم لجعل ارضنا ميدان معركة تصفية حسابات دولية يستطيعون فيها تسديد ضربات لخصومهم فشلوا فيها في مكان آخر، هذه القوى الدولية لم تكن جزء من صناعة وانتصار ثورة ديسمبر، ففي ديسمبر 2018م، ولا مصلحتهم في التغيير متطابقة معنا، ففي أديس أبابا كان القائم بالأعمال الأمريكي يسخر من حديثنا له بإسقاط نظام البشير بل كان يراه من سابع المستحيلات الي ان رايته يفترش مصلايته فس ساحة الاعتصام في أبريل، هذا يدل على ضعف التحليل الداخلي عندهم وشح المعلومات والانحييازات المعرفية لميولهم عكس الواقع.

التسوية الميتة قبل الميلاد:

هي التسوية السرية التي يسعون لتقديمها حاليا بفعل الرباعية والتي يخططون لها أن تخرج باسم الثلاثية والتي يخشون الإعلان عنها للرأي العام، نتسأل كيف للتسوية السرية الخائفة أن تصمد وتعالج الازمة السياسة العلنية الظاهرة بهؤلاء الأطراف؟ فالمشكلة يا (المجتمع الدولي) ليست في السرية او الإعلان وإنما المشكلة في الطبيعة والاطراف والطريقة المتبعة، وما تتبعونه تعتقدون إنه يمكن أن يكون مخرجا، فقد جربت هذه الوصفة للتغيير من قبل ولم تنجح بل لم تصمد لعامين، فلا العسكريين بشقيهم لديهم زمام المبادرة او مركزي الحرية والتغيير او حتى التوافق الوطني لوحده.

لذلك، نرى أن المخرج الوحيد من الأزمة نقولها بكل وضوح هي مصالحة تاريخية ووطنية شاملة لا تقصي طرف، وحتى مستقبل النظام السابق يجب أن تشمله هذه التسوية كافراد وكمشروع، درءا للانتقام وتطبيبا للجراح، نحن نعيش في مرحلة لا تقبل الاقصاء بأي شكل وأي لون، وحتى تجارب مفوضيات الحقيقة والمصالحة والعدالة الإنتقالية عموما اذا بحثناها نجدها تمت بمشاركة حتى الجناة في الانظمة التي سقطت، غير هذا الوضع فسوف يكون هو الذهاب على خطى الخطأ القديم والذي لم ولن ينتج جديدا.

بعد إجراء المصالحة الوطنية ستكون الأوضاع مهيئة لأن تذهب القوى السياسية الي الانتخابات مباشرة، ويذهب العسكر الي الثكنات، ولا يجب أن يكون هنالك حديث عن حكم للسياسيين في الانتقال، اعتبارا مما مضى.

فالتسوية التي يعتيرها الخوف والطمع وتضمر الانتقام والتشفي والتنكيل سوف يلاقيها الحمق والطيش وستؤدي ببلادنا الي المهالك.