الخميس 6 أكتوبر 2022 - 6:36
بسم الله الرحمن الرحيم

في العيد الوطني السعودي؛ تحية وقضية

القاهرة في : ٢٤ / ٩ / ٢٠٢٢

تحية بلسان الشاعر الكبير / علي الجارم :

عِـيـدَ الْـجُـلُـوسِ صَـدَقْتَ وَعْـ ـدَكَ بِـالْـمُـنَـى وَصَدَقْتُ وَعْدِي
عَـــلَّـــمْـــتُ طَــيْــرَ الْــوَادِيَــيْـ ـنِ فَــغَـرَّدَتْ بِـحَـنِـيـنِ وَجْـدِي
وَنَـــظَـــمْــتُ فِــيــكَ فَــرَائِــدًا كَــانَــتْ لِـجِـيـدِكَ خَـيْـرَ عِـقْـدِ
الـــشِّــعْــرُ يُــبْــدِي فِــيــكَ زِيـ ـنَــتَــهُ وَوَجْـهُ الـرَّوْضِ يُـبْـدِي
نَـــثَـــرَ الــرَّبِــيــعُ بِــكَ الْــوُرُو دَ نَـــضِــيــرَةً وَنَــثَــرْتُ وَرْدِي
وَوَشَـــى الْـــبُـــرُودَ مِـــنَ الْأَزَا هِــرِ وَانْــتَــقَـى لَـكَ خَـيْـرَ بُـرْدِ
وقال الشاعر السوداني الكبير / أحمد محمد صالح :
يا وارث الأدب التليد وباني الأدب الأجد
علم شباب الواديين خلائق الرجل الأشد
علمهم أن الخنوع مذلة والجبن يردى
علمهم أن العقول تحررت من كل قيد
علمهم أن الحياة تسير في جزر ومد
علمهم أن التمسح بالفرنجة غير مجدى
وأبن لهم أن العروبة ركن اعزاز ومجد

تتمتع العلاقات التاريخية بين البلدين السودان والسعودية بأواصر الإخوة الضاربة في القِدم وهي عربية إسلامية ذات رحم وقربى في شتى المجالات الحياتية والدور المتبادل بينهما أكبر من أن تفيه هذه الكلمة التي أحيي فيها جلالة الملك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي العهد محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بعيدهم الوطني الثاني والتسعين وقد أفلحت بلاد الحرمين الشريفين حين وحَّدت القبائل العربية في نسيج إجتماعي واحد متماسك طيلة قرن كامل إلا قليلاً رغم التحديات والعقبات في المحيط المحلي والاقليمي والدولي ذات الطابع المشترك في إسناد دولة السودان للمملكة العربية السعودية في كثير من القضايا المعاصرة والعكس صحيح حين لم تتوقف المملكة العربية السعودية عن إسناد السودان في المحافل الدولية في أصعب الظروف وهذا الذي نرجوه أن يكون مثالاً حياً في طبيعة العلاقات بين البلدين مع بقية المجتمع الدولي يُحتذى به والفضل لله أولاً ثم حكمة قيادة البلدين في السعي قُدُمَاً نحو فضاءات بلا حدود في المزيد من تمتين العلاقات والمصالح المشتركة؛ فالتهنئة الخاصة لحكومة المملكة في شخص قائدها جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي العهد محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولشعبهم الكريم بعيدهم الوطني الثاني والتسعين؛ والله نسأله تمام التقدم والازدهار للجميع.

أستل من تلك التحية والتقدير قضية مهمة جداً حين طالعت رؤية المملكة العربية السعودية وبرنامجها الطموح لسنة ٢٠٣٠ الذي لا يُزايد عليه أحد ولا جهة؛ لكني أثناء المطالعة رأيت ثمَّة نقص فيها أو قل : تنقصها لبِنة ليكتمل بناؤها مضافاً إلى الرؤية سابقة الذكر وهي الجانب الفكري المحض مقابل الجانب الفكري المادي التجريبي إذ لا تصلح إلاَّ بها إن شاء الله على النحو التالي :

١ / إن العقل الجمعي العربي والإسلامي والإنساني العالمي منكفئ على نفسه في قضية عدم القدرة على تطوير الفهم عن القرآن الكريم أشد الانكفاء وأخص بالذكر " مفهوم الشريعة الإسلامية" الذي لم يتطور بعد وأدَّى عدم تطوره لاحتقان فكري وديني ونفسي عنيف تسبب في قضايا الإرهاب العالمي بإسم الدين الإسلامي؛ وليست قضية تفجير برجي التجارة العالمية بأمريكا المعروفة باسم أحداث الحادي عشر من سبتمبر ببعيد عن الأذهان نتيجة للجمود العقلي والثخون القلبي وانكفاء العقل الذاتي العربي والإسلامي في البحث عن تجديد لمفاهيم متورثة طيلة الأربعة عشر قرناً الماضية؛ والمملكة العربية السعودية كما لا يخفى على ذي عينين لها الأثر الكبير والدور المباشر في تغيير تلك المفاهيم لأفضل مما هي عليه الآن بكل تأكيد متى ما كانت مستعدة لهذا التغيير الجذري الذي يخدم مصلحة جميع سكان الأرض ويحقق التعايش السلمي الإنساني العالمي.
٢ / على المملكة أن تصحب في رؤيتها تلك؛ قضايا نهاية الإرهاب كيف يكون بطريق مدروس علمياً واجتماعياً وسياسياً وخلافهم وأن تبحث عن جذور المشكلة في أسباب تداعيات الأزمة الفكرية التي تتفاقم بمعدل كل دقيقة تتأخر فيها؛ فيتقدم غيرهم بإسم الإسلام والمسلمين والدين ورد الظلم عنه بطريق خرب ووعر وخاسر يحيل الحياة جحيماً ؛ في العقل الجمعي الإسلامي القديم بكل مسمياته ومستوياته قريباً من التعصب والغلو فغاية البحث الفكري لا علاقة له بالمعتقد إلَّا من باب التصحيح والفهم الصواب.
٣ / إن أهم هذه الجذور؛ إشكالية عدم توافق الفقه الإسلامي القديم بكل مسمياته ومستوياته من أن يساير أو يواكب أو يجدد طاقاته مع مستجدات حركة الحياة المتسارعة فينتج من هذا التضاد بين العقلين الحادث والحديث سوء فهم وسوء تطبيق ومعرفة ماهية الشريعة الإسلامية والقرآن وحياة محمد عليه افضل الصلاة والسلام التي يمكنها أن تغير مجري حركة التاريخ الحديث إلى الأبد؛ وهنا وجب على المملكة العربية السعودية ومؤسساتها الدينية مراجعة كل الموروث الإسلامي القديم بكل مسمياته ومستوياته من جديد وتطرحه رؤية مستقبلية تتعدى المملكة ذاتها إلى غيرها من شعوب العالم المحبة للسلام والتعايش السلمي العالمي تركيزاً نحو هذه القضية المهمَّة وبالتحديد الفقه ورجالاته.
٤ / لا تتأتى حين تأتي تلك الفرصة العظيمة للمملكة العربية السعودية في مستقبلها القريب والبعيد إلا بالرجوع للقرآن الكريم بفهم مغاير طليعي يحل كل القضايا المعاصرة السالبة باسم الإسلام والمسلمين ويرجعها لأصلها من الفطرة السليمة التي فطر الله عليها الناس ولا تبديل لها بحال من الأحوال.
٥ / إن قبول المملكة العربية السعودية بهذا الطرح يليق بها وبحكامها الحكماء حال استعدت للطفرة المعرفية الهائلة التي تصحبها معها مدى الحياة؛ كما كان استعدادها من قبل وقبلت فكرة الانكفاء العقلي وأطَّرت لمفاهيم كانت سبباً كارثياً وُصِم به الإسلام والمسلمين أجمعين وهم عنها بُرءآء فآن التغيير الجوهري لها بحكم الوقت.
٦ / إن قضية المناهج التعليمية التي تُكَرِّس للعقل الجمعي العقدي الفقهي والذي قطع الحدود الجغرافية المحلية لجغرافيا كوكب الأرض ونتج عنه رواق ورواقات تحمل اسم الإسلام والمسلمين بحسن نية وصار يُدَرَّس في الجامعات والمعاهد الدينية ذات الصلة وصار يُبشر به من ليس من دينهم ومعتقدهم؛ لهو نكاية وجناية في حق الشعب الإنساني العالمي لقصور الشأو والشأن عن تغيرات العصر الحديث المتسارع ؛ وصار التكفير والتجريم والتعذيب والتنكيل بالناس باسم الإسلام والمسلمين والدفاع عنهما عموداً فقرياً من أبجديات سلبيات الفقه التي تطبق بحسن نية أو بسوء نية لكنها في النهاية ذات نتيجة واحدة هي العداوة والبغضاء من كل شعوب العالم المحبة للسلام نحو سماحة الدين الإسلامي الذي عكسوه بتلك الصورة القميئة وصار الإرهاب والجماعات المتشددة أبرز من يقوم ويقول بذلك عملياً ؛ وليست أحداث سبتمبر ٢٠٠١ المعاد ذكراها سنوياً ببعيدة عن العقل الجمعي الإنساني العالمي وهذه أم المصائب بلا شك.
٧ / إن الفكرة الإنسانية العالمية تُسْهِمُ في بناء مجتمع معافى متطور ومواكب لحركة الحياة وتعمل على إحلال السلام الأخلاقي أولاً ثم السلام على أرض الواقع الحادث ثانياً؛ وهذه الفكرة الإنسانية العالمية الجديدة هي حق العدالة والمساواة البشرية في أن تنعم وتحقق طموحاته بالتنمية المستدامة وتعمل على إحلال السلام المجتمعي والمكنونة بين دفتي المصحف الشريف بيد أن المصحف لا ينطق ولكن ينطق عنه الرجال.

٨ / إن أكبر آفة أيف بها الإسلام والمسلمين في العصر الحديث بل منذ فجر الإسلام بأحداث سقيفة بني ساعدة نموذجاً؛ وصارت وبالاً على الجميع بلا استثناء هي قضية الحكم وفهم السُنَّة النبوية الشريفة والتي ترتبط بالذات المحمدية ارتباطاً كلياً مما منع العقل الجمعي الإنساني العالمي والإسلامي بالتحديد أن يتخطاها أو يتعامل معها أو يكيفها تكييفاً معاصراً متجدداً يستقي منها الخير وشمائل الأخلاق وأطايب الثمر كما استقى منها محمد عليه أفضل الصلاة والسلام نفسه وأبو بكر وعمر والتي لم تخرج من بين دفتي المصحف الشريف إذ كان يحققها في اللحم والدم ويمشي بها بقدميه بين الناس أسوة حسنة لا غنى عنها ولا استغناء؛ وهذه القضية المهمَّة الشائكة يجب أن تُفهم على نمط جديد بصورة أكثر جلاء بعيداً عن التعصب والغلو ودغدغة المشاعر باسم الدين الذي لا تصل معه البشرية في حسن اصطحاب ولا أمان معية فلا هي تبقى عليها ولا هي تعرفها فتقع في شرك الفوضى المعرفية وأفهام الطوائف الدينية وعملها الذي لا يخفى على ذي اللب الحصيف خير شاهد ودليل .
٩ / إن جلالة الملك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي العهد محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود؛ حفظهما الله؛ لا أشك في تفهمها مطلقاً لتلك القضايا المصيرية المعقدة والمتعلقة بحياة الناس على كوكب الأرض بصورة أفضل مما طرحته عليهما سياقاً واتساقاً مع رؤية المملكة العربية السعودية لسنة ٢٠٣٠ فإنَّ العالم كله ينظر لهما مترقباً ومترصداً ومنتظراً لتغيير الخارطة الذهنية عملاً بالأمر الإلهي القائل : { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } سورة الأعراف؛ بأسرع ما يمكن؛ ضف لذلك تأثيرهم على السواد الأعظم من الناس في وجوب إعادة النظر في تشريعات السلف السابق المجحفة بحق أهل الأرض المعاصرين مقارنة مع العقل الطليعي التوَّاق لهذه اللحظة التاريخية المفصلية الحاسمة الجادَّة بين حقبة زمنية استنفدت غرضها حتى النخاع وحقبة زمنية ترجو أن تنال حقها في الحياة الكريمة حتى الثمالة بفهم حداثوي للقرآن الكريم والسُنَّة النبوية الشريفة منذ اليوم بطريقه الصحيح وتناسي القديم بكل مسمياته ومستوياته من جديد.
١٠ / إن العبث السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني العالمي وخلافهم على مسرح الحياة الحادثة إنما استمد عبثيته من تلكأ العقل المستنير الذي يقتحم الفوضى الفكرية العارمة المستشرية على البطاح ويوقفها عند حدها المأفون بلا خوف ولا خجل من احقاق الحق بالمثل حقاً وعدلاً لتحقيق العدالة وإرساء دعائم القانون المجتمعي والدين ورد الظلم عنه في أي وقت كان وعودة الروح المسالمة في جسد البشرية الذي أنهكته الحروب ومزقته الإحن وأبعدته عن خالقه وهجرته من طريق الفهم عن الله من القرآن حين قال جل من قائل : { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } سورة الفرقان؛ وأزِف أفول الهجرة والغربة الطويلة عنه لينبلج الإسلام عن فجر للخلاص جديد وليس لأمر الله من بد.

أكتفي بهذا القدر من إبداء التحية والتقدير والاحترام لحكومة وشعب المملكة العربية السعودية وطرح القضية المهمَّة التي أرَّقت مضاجع الكثير من الناس والتي ما زال في النفس منها الشيء الكثير ؛ في عيدها الوطني الجليل واسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه إنه قريب مجيب.