الإثنين 4 أبريل 2022 - 23:26
سورة البقرة Al-Baqara
‏آية 17
تفسير ابن كثير -Ibn-Katheer
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ )17(
] يقال : مثل ومثل ومثيل - أيضا - والجمع أمثال ، قال الله تعالى :) وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون (] العنكبوت : 43 [.
وتقدير هذا المثل : أن الله سبحانه ، شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى ، وصيرورتهم بعد التبصرة إلى العمى ، بمن استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله ، وتأنس بها فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره ، وصار في ظلام شديد ، لا يبصر ولا يهتدي ، وهو مع ذلك أصم لا يسمع ، أبكم لا ينطق ، أعمى لو كان ضياء لما أبصر ؛ فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك ، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضا عن الهدى ، واستحبابهم الغي على الرشد . وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا ، كما أخبر عنهم تعالى في غير هذا الموضع ، والله أعلم .
وقد حكى هذا الذي قلناه فخر الدين الرازي في تفسيره عن السدي ثم قال : والتشبيه هاهنا في غاية الصحة ؛ لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولا نورا ثم بنفاقهم ثانيا أبطلوا ذلك النور فوقعوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين .
وزعم ابن جرير أن المضروب لهم المثل هاهنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات ، واحتج بقوله تعالى :) ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (] البقرة : 8 [.
والصواب : أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم ، وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ، ثم سلبوه وطبع على قلوبهم ، ولم يستحضر ابن جرير - رحمه الله - هذه الآية هاهنا وهي قوله تعالى :) ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (] المنافقون : 3 [؛ فلهذا وجه] ابن جرير [هذا المثل بأنهم استضاءوا بما أظهروه من كلمة الإيمان ، أي في الدنيا ، ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة .
قال : وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد ، كما قال :) رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت (] الأحزاب : 19 [أي : كدوران عيني الذي يغشى عليه من الموت ، وقال تعالى :) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة (] لقمان : 28 [وقال تعالى :) مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا (] الجمعة : 5 [، وقال بعضهم : تقدير الكلام : مثل قصتهم كقصة الذي استوقد نارا . وقال بعضهم : المستوقد واحد لجماعة معه . وقال آخرون : الذي هاهنا بمعنى الذين كما قال الشاعر :
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
قلت : وقد التفت في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع ، في قوله تعالى :) فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون (وهذا أفصح في الكلام ، وأبلغ في النظام ، وقوله تعالى :) ذهب الله بنورهم (أي : ذهب عنهم ما ينفعهم ، وهو النور ، وأبقى لهم ما يضرهم ، وهو الإحراق والدخان) وتركهم في ظلمات (وهو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق ،) لا يبصرون (لا يهتدون إلى سبل خير ولا يعرفونها




ــــــــــــــــــ
الحديبة نيوز
.....‏
للاعلان بهذه المساحة واتساب
0919496619