السبت 11 مايو 2024 - 6:20
تفسير سورة والمرسلات
،
وهي مكية. قال البخاري : حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش، حدثني إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله هو ابن مسعود - قال : بينما نحن مع النبي في غار بمنى، إذ نزلت عليه : ) وَالْمُرْسَلَتِ، فإنه ليتلوها وإني فيه، ،، وإن فاه لرطب بها، إذ وثبت علينا حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتلوها». فابتدرناها فذهبت، فقال النبي من وُقِيَتْ شركم كما وُقِيتُم شرّها». وأخرجه مسلم أيضاً، من طريق الأعمش. وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله ، عن ابن عباس عن أمه : أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عُرفاً. وفي رواية مالك، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس : أن أم الفضل سمعته يقرأ : وَالْمُرْسَلَتِ عُرفا ، فقالت : يا بني، ، بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب. أخرجاه في الصحيحين، من طريق
مالك، به .
سورة المرسلات، الآيات : ۱ - ۲۸
وَالْمُرْسَلَتِ عُرْنَا فَالْعَصِفَاتِ عَصْفا وَالنَّشِرَت نَشْرًا فَالْفَرِقَتِ فَرَقًا فَالْمُلْقِيتِ ذِكْرًا مُذَرًا أَوْ نُذرًا إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِع فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ وَإِذَا الْبَالُ نُعَتْ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِنَتَ الِيَوْمِ الْفَصْلِ وَمَا أَدْرَنكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَيذٍ لِلْمُكَذِبِينَ
هي
:
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا زكريا بن سهل المروزي ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا الحسين بن واقد، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة : ﴿وَالْمُرْسَلَتِ عُرفا ) قال : الملائكة . قال : ورُوي عن مسروق، وأبي الضحى، ومجاهد - في إحدى الروايات - والسدي والربيع بن أنس، مثل ذلك. ورُوي عن أبي صالح أنه قال : هي الرسل . وفي رواية عنه : الملائكة . وهكذا قال أبو صالح في الْمَصِفَتِ) و(وَالنَّشِرَتِ) و(فَالْفَرِقَتِ والْمُلْقِيَتِ) : أنها الملائكة . قال الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العبيدين قال : سألت ابن مسعود عن ( وَالْمُرْسَلَتِ عُرْنَا ) قال : الريح . وكذا قال في : فَالْعَصِفَتِ عَصْفًا وَالتَيْرَاتِ نَشْراً : إنها الريح وكذا قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وأبو صالح - في رواية عنه . وتوقف ابن جرير في وَالْمُرْسَلَتِ عُرفا ) ، هل هي الملائكة أرسلت بالعزف، أو كعُزف الفرس يتبع بعضهم بعضاً ؟ أو هي الريح إذا هبت شيئاً فشيئاً؟ وقطع بأن العاصفات عصفاً هي الرياح، كما قاله ابن مسعود ومن تابعه . وممن قال ذلك في العاصفات أيضاً : علي بن أبي طالب ،والسدي، وتوقف في ﴿ وَالنَّشِرَتِ نَشْرًا ) ، هل هي الملائكة أو الريح؟ كما تقدم. وعن أبي صالح أن الناشرات نشراً : المطر والأظهر أن وَالْمُرْسَلَتِ ) هي الرياح، كما قال تعالى : وَأَرْسَلْنَا الرِّيحَ لَوَقِحَ ﴾ [الحجر: ۲۲] ، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيحَ بُشرا بين يَدَى رَحْمَميَّة) [الأعراف: ٥٧]، وهكذا العاصفات هي : الرياح ، يقال : عصفت الريح إذا هبت بتصويت، وكذا الناشرات هي: الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء، كما يشاء الرب . وقوله: ﴿ فَالْفَرِقَتِ فَرقًا فَالْمُلْقِيتِ ذكرًا عُدْرًا أَوْ نُذرا ) يعني: الملائكة . قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومسروق، ومجاهد وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي والثوري ولا خلاف ها هنا، فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، والهدى والغي والحلال والحرام، وتلقي إلى الرسل وحياً فيه إعذار إلى الخلق، وإنذار لهم عقاب الله إن خالفوا أمره. وقوله: ﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَيْعٌ : هذا هو المقسم عليه بهذه الأقسام ، أي : ما وعدتم به من قيام الساعة، والنفخ في الصور، وبعث الأجساد، وجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، ومجازاة كل عامل بعمله، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، إن هذا كله لون ) أي : لكائن لا محالة . ثم قال: ﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) أي : ذهب ضوؤها، كقوله : وَإِذَا النُّجُومُ أَنكَدَرَتْ ) [التكوير : ۲] ، وكقوله: ﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ أَنذَرَت الانفطار : ٢]. وَإِذَا السَّمَاهُ فُرِجَتْ ) أي : انفطرت وانشقت، وتدلت أرجاؤها، ووهت أطرافها . ﴿وَإِذَا الْجَبَالُ نُفَتْ ) أي : ذُهِب بها، فلا يبقى لها عين ولا أثر، كقوله : وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ لِلْجَبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسَفًا فَيَدَرُهَا فَاءًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمَنَا ) [طه: ١٠٥ - ١٠٧]، وقسال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةٌ وَحَشَرْتَهُمْ فَلَمْ نُفَادِرَ مِنْهُمْ أَحَدًا ) [الكهف: ٤٧] . وقوله : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِنَتْ ) : قال العوفي، عن ابن عباس جمعت وقال ابن زيد وهذه كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ ﴾ [المائدة: ١٠٩]. وقال مجاهد : أقنَتْ : أجلت . وقال الثوري، عن منصور، عن إبراهيم : أنت : أو عدت . وكأنه يجعلها كقوله: ﴿ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ ربها وَوُضِعَ الْكِتَبُ وَجاعَة بِالنَّبِيِّنَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) [الزمر: ٦٩] . ثم قال : لايَ يَوْمٍ أُخَلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَمَا أَدْرَنكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَبْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ، يقول تعالى : لأي يوم أجلت الرسل وأرجيء أمرها؟ حتى تقوم الساعة، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ، رُسُلَهُ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو أنتِقَامٍ ) يوم تبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبرا ٤٧، ٤] . وهو يوم الفصل، كما قال : لِيَوْمِ الْفَصْلِ ) . ثم قال معظماً لشأنه ﴿وَمَا أَدْرَنكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَبْلٌ يَوْمَيذٍ لِلْمُكَذِي ) أي : ويل لهم من عذاب الله غداً. وقد قدمنا في الحديث أن «ويل». واد في
أَلَمْ تُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ الآخرينَ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ) وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِبِينَ أَلَمْ تَخلُقكُم مِّن مَّاو مهينا فَجَعَلته في قرارٍ مَّكِينِ إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ا فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَدِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ تَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفانا وَأَمْوَاتًا وَجَعَلْنَا فِيهَا روَاسِيَ شَمِخَتٍ وَأَسْفَيْتَكُم مَاءً فَرَانًا وَيْلٌ يَوْمَيذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
يقول تعالى : (أَلَمْ تُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ) ؟ يعني : من المكذبين للرسل المخالفين لما جاؤوهم به ، ثُمَّ نُتَّبِعُهُمُ الْآخِرِينَ ) أي :
ممن أشبههم؛ ولهذا قال : كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) قاله ابن جرير . ثم قال ممتناً على خلقه و محتجاً على الإعادة بالبداءة : ألر خلقكُم مِّن مَّاو تَهِين ) أي : ضعيف حقير بالنسبة إلى قدرة الباري ، كما تقدم في سورة يس» في حديث بُسر بن جحاش : ابن آدم أنَّى تُعجزُني وقد خلقتك من مثل هذه؟». فَجَعَلْتَهُ فِي قَرَارٍ مَّكِين ) يعني : جمعناه في الرحم، وهو قرار الماء من الرجل والمرأة، والرحم معد لذلك، حافظ لما أودع فيه من الماء. وقوله : إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ني : إلى مدة معينة من ستة أشهر أو تسعة أشهر ؛ ولهذا قال: ﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَدِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَيدٍ الْمُكَذِّبِينَ . ثم قال : أَلَو عَجَمَلِ الْأَرْضَ كِفَانَا أَحْاَهُ وَأَمْوَنَا ) : قال ابن عباس : كفاتا كنا . وقال مجاهد : يُكفتُ الميت فلا يُرى منه شيء . وقال الشعبي بطنها ،لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم. وكذا قال مجاهد وقتادة . ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَمِخَتِ) يعني : الجبال أرسى بها الأرض لئلا تميد وتضطرب . وَأَسْقَيْنَكُر مَاءً فَرَانَا : عذباً زُلالاً من السحاب، أو مما أنبعه الله من عيون الأرض . ﴿وَيْلٌ يَوْمَيذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) أي : ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها، ثم بعد
هذا يستمر على تكذيبه وكفره .
أنطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِبُونَ أنَطَلِقُوا إِلَى ظِلِ ذِى ثَلَثِ شُعَبِ لا خَلِيلِ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرى بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ كانر حَمَلَتْ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِبِينَ هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ (٢٥) وَلَا يُؤْذَنَ لَكُمْ فَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جمعتكم وَالْأَوَّلِينَ فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ وَيْلٌ يَوْمَيدٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ).
يقول تعالى مخاطباً للكفار المكذبين بالمعاد والجزاء والجنة والنار، أنهم يقال لهم يوم القيامة : أنطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِبُونَ أنطَلِقُوا إِلَى ظِلِ ذِى ثَلَاثِ شُعَبِ ) لهب النار إذا ارتفع وصعد معه دخان فمن شدته وقوته أن له ثلاث شعب، ولا ظَلِيلِ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ) أي : ظل الدخان المقابل للهب لا ظليل هو في نفسه ولا يغني من اللهب، يعني: ولا يقيهم حر اللهب. وقوله : (إِنَّهَا تَرى بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ) أي : يتطاير الشرر من لهبها كالقصر . قال ابن مسعود: كالحصون. وقال ابن عباس وقتادة، ومجاهد، ومالك عن زيد بن أسلم وغيرهم يعني أصول الشجر . كَأَنَّهُ حَمَلَتْ صُفْرٌ ) أي : كالابل السود. قاله مجاهد والحسن، وقتادة، والضحاك واختاره ابن جرير وعن ابن عباس ،ومجاهد وسعيد بن جبير : حملت سفر) يعني : حبال السفن. وعنه - أعني ابن عباس - : حَمَلَتْ سُفَرٌ : قطع نحاس. وقال البخاري: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى، أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس قال : سمعت ابن عباس : ﴿إِنَّهَا تَرى بِشَرَرِ القَصْرِ ، قال : كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك، فنرفعه للشتاء، فنسميه القصر، كَأَنَّهُ حَمَلَتْ صُفْرٌ : حبال السفن، تجمع حتى تكون كأوساط الرجال، وَيلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ( ثم قال تعالى: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ ) أي : لا يتكلمون . ﴿وَلَا يُؤْذَنُ هَم فَعْتَذِرُونَ ) أي : لا يقدرون على الكلام، ولا يؤذن لهم فيه ليعتذروا ، بل قد قامت عليهم الحجة، ووقع القولُ عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون. وعرصات القيامة حالات والرب تعالى يخبر عن هذه الحالة تارة، وعن هذه الحالة تارة ؛ ليدل على شدّة الأهوال والزلازل يومئذ . ولهذا يقول بعد كل فصل من هذا الكلام : (وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ )). وقوله : هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جمعنكُمْ وَالأَولِينَ فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُون : وهذه مخاطبة من الخالق لعباده يقول لهم : هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعَنَكُمْ وَالأَولِينَ ) يعني : أنه جمعهم بقدرته في صعيد واحد يُسمعُهم الداعي وينقذهم البصر. وقوله: ﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيد فَكِيدُون : تهديد شديد ووعيد أكيد ، أي : إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي، وتنجوا من حكمي فافعلوا، فإنكم لا نقدرون على ذلك، كما قال تعالى : ( يَعْشَرَ المِينَ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَفُذُونَ إِلَّا [الرحمن : ٣٣] وقال تعالى : ﴿وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ﴾ [هود : ٥٧]، وفي الحديث : يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني. وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن المنذر الطريقي الأودي، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا حصين بن عبد الرحمن، عن حسان بن أبي المخارق عن أبي عبد الله الجدلي قال : أتيت بيت المقدس، فإذا بن عمرو، وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس، فقال عبادة: إن كان يوم القيامة جمع الأولين والآخرين بصعيد واحد ينفذهم البصر ويُسمعهم الداعي، ويقول الله : هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعَنَكُمْ وَالْأَوَّلِينَ ) فَإِن كَانَ لَكُمْ كيد نكدون ، اليوم لا ينجو مني جبار عنيد ولا شيطان مريد فقال عبد الله بن عمرو : فإنا نحدث يومئذٍ أنه يخرج عُنُق من النار فتنطلق حتى إذا كانت بين ظهراني الناس نادت أيها الناس إني بُعثتُ إلى ثلاثة أنا أعرف بهم من الأب بولده ومن الأخ بأخيه، لا يُغيبهم عني و وزر ولا تُخفيهم عني خافية : الذي جعل مع الله إلهاً آخر، وكلّ جبار عنيد، وكلّ شيطان مريد. فتطوي عليهم فتقذف, بهم في النار قبل الحساب بأربعين سنة .
عبادة
بن
الصامت،
وعبد الله
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَلٍ وَعُيُونٍ وَفَوَكَة مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى لِلْمُكَذِّبِينَ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ تُجْرِمُونَ وَيْلٌ يَوْمَيذٍ لِلْمُكَذِبِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَمُونَ وَيْلٌ يَوْمَدٍ لِلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ
حَدِيثٍ بَعْدَرُ يُؤْمِنُونَ )
يقول تعالى مخبراً عن عباده المتقين الذين عبدوه بأداء الواجبات، وترك المحرمات : أنهم يوم القيامة يكونون في جنات وعيون، أي: بخلاف ما أولئك الأشقياء فيه من ظل اليحموم، وهو الدخان الأسود المنتن . ﴿وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ) أي : و من سائر أنواع الثمار، مهما طلبوا وجدوا كُلُوا وَاشْرَبُوا هَيْتَنَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) أي : يقال لهم ذلك على سبيل الإحسان إليهم. ثم قال تعالى مخبراً خيراً مستأنفاً : إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) أي : هذا جزاؤنا لمن أحسن العمل، ووَيْلٌ يَوْمَد لِلْمُكَذِّبِينَ ) . وقوله : ( كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم تُجرِمُونَ : خطاب للمكذبين بيوم الدين وأمرهم أمر تهديد ووعيد فقال تعالى : ( كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا ) أي : مدة قليلة قريبة قصيرة ، إِنَّكُر تُجرِمُونَ ) أي : ثم تساقون إلى نار جهنم التي تقدم ذكرها ، ويل يَوْمَن لِلْمُكَذِبِينَ ) ، كما قال تعالى: (نُمِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضَطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ فَلِيظ ) [لقمان : ٢٤]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَعُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقَهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ) [يونس : ٦٩ ، ٧٠]. وقوله : ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَمُونَ ) أي : إذا أمر هؤلاء الجهلة من الكفار أن يكونوا من المصلين مع الجماعة، امتنعوا من ذلك واستكبروا عنه ؛ ولهذا قال: ﴿وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) . ثم قال : ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَرُ يُؤْمِنُونَ ؟ أي : إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن، فبأي كلام يؤمنون به؟! كقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثِ بَعْدَ اللَّهِ وَايَنَيْهِ يُؤْمِنُونَ) [الجاثية : ٦] . قال ابن أبي حاتم : حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية : سمعت رجلاً أعرابياً بدوياً يقول : سمعت أ أبا هريرة يرويه إذا قرأ : وَالْمُرْسَلَتِ عُرفا ) ، فقرأ : فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَرُ يُؤْمِنُونَ ؟ فليقل : آمنت بالله وبما أنزل وقد تقدم هذا الحديث في
سورة القيامة».
آخر تفسير سورة «والمرسلات» ولله الحمد والمنة
ــــــــــــــــــ
الحديبة نيوز
.....
للاعلان بهذه المساحة واتساب
0919496619
تفسير سورة والمرسلات
،
وهي مكية. قال البخاري : حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش، حدثني إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله هو ابن مسعود - قال : بينما نحن مع النبي في غار بمنى، إذ نزلت عليه : ) وَالْمُرْسَلَتِ، فإنه ليتلوها وإني فيه، ،، وإن فاه لرطب بها، إذ وثبت علينا حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتلوها». فابتدرناها فذهبت، فقال النبي من وُقِيَتْ شركم كما وُقِيتُم شرّها». وأخرجه مسلم أيضاً، من طريق الأعمش. وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله ، عن ابن عباس عن أمه : أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عُرفاً. وفي رواية مالك، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس : أن أم الفضل سمعته يقرأ : وَالْمُرْسَلَتِ عُرفا ، فقالت : يا بني، ، بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب. أخرجاه في الصحيحين، من طريق
مالك، به .
سورة المرسلات، الآيات : ۱ - ۲۸
وَالْمُرْسَلَتِ عُرْنَا فَالْعَصِفَاتِ عَصْفا وَالنَّشِرَت نَشْرًا فَالْفَرِقَتِ فَرَقًا فَالْمُلْقِيتِ ذِكْرًا مُذَرًا أَوْ نُذرًا إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِع فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ وَإِذَا الْبَالُ نُعَتْ وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِنَتَ الِيَوْمِ الْفَصْلِ وَمَا أَدْرَنكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَيذٍ لِلْمُكَذِبِينَ
هي
:
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا زكريا بن سهل المروزي ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا الحسين بن واقد، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة : ﴿وَالْمُرْسَلَتِ عُرفا ) قال : الملائكة . قال : ورُوي عن مسروق، وأبي الضحى، ومجاهد - في إحدى الروايات - والسدي والربيع بن أنس، مثل ذلك. ورُوي عن أبي صالح أنه قال : هي الرسل . وفي رواية عنه : الملائكة . وهكذا قال أبو صالح في الْمَصِفَتِ) و(وَالنَّشِرَتِ) و(فَالْفَرِقَتِ والْمُلْقِيَتِ) : أنها الملائكة . قال الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي العبيدين قال : سألت ابن مسعود عن ( وَالْمُرْسَلَتِ عُرْنَا ) قال : الريح . وكذا قال في : فَالْعَصِفَتِ عَصْفًا وَالتَيْرَاتِ نَشْراً : إنها الريح وكذا قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وأبو صالح - في رواية عنه . وتوقف ابن جرير في وَالْمُرْسَلَتِ عُرفا ) ، هل هي الملائكة أرسلت بالعزف، أو كعُزف الفرس يتبع بعضهم بعضاً ؟ أو هي الريح إذا هبت شيئاً فشيئاً؟ وقطع بأن العاصفات عصفاً هي الرياح، كما قاله ابن مسعود ومن تابعه . وممن قال ذلك في العاصفات أيضاً : علي بن أبي طالب ،والسدي، وتوقف في ﴿ وَالنَّشِرَتِ نَشْرًا ) ، هل هي الملائكة أو الريح؟ كما تقدم. وعن أبي صالح أن الناشرات نشراً : المطر والأظهر أن وَالْمُرْسَلَتِ ) هي الرياح، كما قال تعالى : وَأَرْسَلْنَا الرِّيحَ لَوَقِحَ ﴾ [الحجر: ۲۲] ، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيحَ بُشرا بين يَدَى رَحْمَميَّة) [الأعراف: ٥٧]، وهكذا العاصفات هي : الرياح ، يقال : عصفت الريح إذا هبت بتصويت، وكذا الناشرات هي: الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء، كما يشاء الرب . وقوله: ﴿ فَالْفَرِقَتِ فَرقًا فَالْمُلْقِيتِ ذكرًا عُدْرًا أَوْ نُذرا ) يعني: الملائكة . قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومسروق، ومجاهد وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي والثوري ولا خلاف ها هنا، فإنها تنزل بأمر الله على الرسل، تفرق بين الحق والباطل، والهدى والغي والحلال والحرام، وتلقي إلى الرسل وحياً فيه إعذار إلى الخلق، وإنذار لهم عقاب الله إن خالفوا أمره. وقوله: ﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَيْعٌ : هذا هو المقسم عليه بهذه الأقسام ، أي : ما وعدتم به من قيام الساعة، والنفخ في الصور، وبعث الأجساد، وجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، ومجازاة كل عامل بعمله، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، إن هذا كله لون ) أي : لكائن لا محالة . ثم قال: ﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ) أي : ذهب ضوؤها، كقوله : وَإِذَا النُّجُومُ أَنكَدَرَتْ ) [التكوير : ۲] ، وكقوله: ﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ أَنذَرَت الانفطار : ٢]. وَإِذَا السَّمَاهُ فُرِجَتْ ) أي : انفطرت وانشقت، وتدلت أرجاؤها، ووهت أطرافها . ﴿وَإِذَا الْجَبَالُ نُفَتْ ) أي : ذُهِب بها، فلا يبقى لها عين ولا أثر، كقوله : وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ لِلْجَبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسَفًا فَيَدَرُهَا فَاءًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمَنَا ) [طه: ١٠٥ - ١٠٧]، وقسال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةٌ وَحَشَرْتَهُمْ فَلَمْ نُفَادِرَ مِنْهُمْ أَحَدًا ) [الكهف: ٤٧] . وقوله : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِنَتْ ) : قال العوفي، عن ابن عباس جمعت وقال ابن زيد وهذه كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ ﴾ [المائدة: ١٠٩]. وقال مجاهد : أقنَتْ : أجلت . وقال الثوري، عن منصور، عن إبراهيم : أنت : أو عدت . وكأنه يجعلها كقوله: ﴿ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ ربها وَوُضِعَ الْكِتَبُ وَجاعَة بِالنَّبِيِّنَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) [الزمر: ٦٩] . ثم قال : لايَ يَوْمٍ أُخَلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَمَا أَدْرَنكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَبْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ، يقول تعالى : لأي يوم أجلت الرسل وأرجيء أمرها؟ حتى تقوم الساعة، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ، رُسُلَهُ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو أنتِقَامٍ ) يوم تبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبرا ٤٧، ٤] . وهو يوم الفصل، كما قال : لِيَوْمِ الْفَصْلِ ) . ثم قال معظماً لشأنه ﴿وَمَا أَدْرَنكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَبْلٌ يَوْمَيذٍ لِلْمُكَذِي ) أي : ويل لهم من عذاب الله غداً. وقد قدمنا في الحديث أن «ويل». واد في
أَلَمْ تُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ الآخرينَ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ) وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِبِينَ أَلَمْ تَخلُقكُم مِّن مَّاو مهينا فَجَعَلته في قرارٍ مَّكِينِ إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ا فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَدِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ تَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفانا وَأَمْوَاتًا وَجَعَلْنَا فِيهَا روَاسِيَ شَمِخَتٍ وَأَسْفَيْتَكُم مَاءً فَرَانًا وَيْلٌ يَوْمَيذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
يقول تعالى : (أَلَمْ تُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ) ؟ يعني : من المكذبين للرسل المخالفين لما جاؤوهم به ، ثُمَّ نُتَّبِعُهُمُ الْآخِرِينَ ) أي :
ممن أشبههم؛ ولهذا قال : كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) قاله ابن جرير . ثم قال ممتناً على خلقه و محتجاً على الإعادة بالبداءة : ألر خلقكُم مِّن مَّاو تَهِين ) أي : ضعيف حقير بالنسبة إلى قدرة الباري ، كما تقدم في سورة يس» في حديث بُسر بن جحاش : ابن آدم أنَّى تُعجزُني وقد خلقتك من مثل هذه؟». فَجَعَلْتَهُ فِي قَرَارٍ مَّكِين ) يعني : جمعناه في الرحم، وهو قرار الماء من الرجل والمرأة، والرحم معد لذلك، حافظ لما أودع فيه من الماء. وقوله : إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ ني : إلى مدة معينة من ستة أشهر أو تسعة أشهر ؛ ولهذا قال: ﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَدِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَيدٍ الْمُكَذِّبِينَ . ثم قال : أَلَو عَجَمَلِ الْأَرْضَ كِفَانَا أَحْاَهُ وَأَمْوَنَا ) : قال ابن عباس : كفاتا كنا . وقال مجاهد : يُكفتُ الميت فلا يُرى منه شيء . وقال الشعبي بطنها ،لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم. وكذا قال مجاهد وقتادة . ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَمِخَتِ) يعني : الجبال أرسى بها الأرض لئلا تميد وتضطرب . وَأَسْقَيْنَكُر مَاءً فَرَانَا : عذباً زُلالاً من السحاب، أو مما أنبعه الله من عيون الأرض . ﴿وَيْلٌ يَوْمَيذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) أي : ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها، ثم بعد
هذا يستمر على تكذيبه وكفره .
أنطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِبُونَ أنَطَلِقُوا إِلَى ظِلِ ذِى ثَلَثِ شُعَبِ لا خَلِيلِ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرى بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ كانر حَمَلَتْ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِبِينَ هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ (٢٥) وَلَا يُؤْذَنَ لَكُمْ فَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جمعتكم وَالْأَوَّلِينَ فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ وَيْلٌ يَوْمَيدٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ).
يقول تعالى مخاطباً للكفار المكذبين بالمعاد والجزاء والجنة والنار، أنهم يقال لهم يوم القيامة : أنطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِبُونَ أنطَلِقُوا إِلَى ظِلِ ذِى ثَلَاثِ شُعَبِ ) لهب النار إذا ارتفع وصعد معه دخان فمن شدته وقوته أن له ثلاث شعب، ولا ظَلِيلِ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ) أي : ظل الدخان المقابل للهب لا ظليل هو في نفسه ولا يغني من اللهب، يعني: ولا يقيهم حر اللهب. وقوله : (إِنَّهَا تَرى بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ) أي : يتطاير الشرر من لهبها كالقصر . قال ابن مسعود: كالحصون. وقال ابن عباس وقتادة، ومجاهد، ومالك عن زيد بن أسلم وغيرهم يعني أصول الشجر . كَأَنَّهُ حَمَلَتْ صُفْرٌ ) أي : كالابل السود. قاله مجاهد والحسن، وقتادة، والضحاك واختاره ابن جرير وعن ابن عباس ،ومجاهد وسعيد بن جبير : حملت سفر) يعني : حبال السفن. وعنه - أعني ابن عباس - : حَمَلَتْ سُفَرٌ : قطع نحاس. وقال البخاري: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى، أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس قال : سمعت ابن عباس : ﴿إِنَّهَا تَرى بِشَرَرِ القَصْرِ ، قال : كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك، فنرفعه للشتاء، فنسميه القصر، كَأَنَّهُ حَمَلَتْ صُفْرٌ : حبال السفن، تجمع حتى تكون كأوساط الرجال، وَيلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ( ثم قال تعالى: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ ) أي : لا يتكلمون . ﴿وَلَا يُؤْذَنُ هَم فَعْتَذِرُونَ ) أي : لا يقدرون على الكلام، ولا يؤذن لهم فيه ليعتذروا ، بل قد قامت عليهم الحجة، ووقع القولُ عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون. وعرصات القيامة حالات والرب تعالى يخبر عن هذه الحالة تارة، وعن هذه الحالة تارة ؛ ليدل على شدّة الأهوال والزلازل يومئذ . ولهذا يقول بعد كل فصل من هذا الكلام : (وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ )). وقوله : هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جمعنكُمْ وَالأَولِينَ فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُون : وهذه مخاطبة من الخالق لعباده يقول لهم : هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعَنَكُمْ وَالأَولِينَ ) يعني : أنه جمعهم بقدرته في صعيد واحد يُسمعُهم الداعي وينقذهم البصر. وقوله: ﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيد فَكِيدُون : تهديد شديد ووعيد أكيد ، أي : إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي، وتنجوا من حكمي فافعلوا، فإنكم لا نقدرون على ذلك، كما قال تعالى : ( يَعْشَرَ المِينَ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَفُذُونَ إِلَّا [الرحمن : ٣٣] وقال تعالى : ﴿وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ﴾ [هود : ٥٧]، وفي الحديث : يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني. وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن المنذر الطريقي الأودي، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا حصين بن عبد الرحمن، عن حسان بن أبي المخارق عن أبي عبد الله الجدلي قال : أتيت بيت المقدس، فإذا بن عمرو، وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس، فقال عبادة: إن كان يوم القيامة جمع الأولين والآخرين بصعيد واحد ينفذهم البصر ويُسمعهم الداعي، ويقول الله : هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعَنَكُمْ وَالْأَوَّلِينَ ) فَإِن كَانَ لَكُمْ كيد نكدون ، اليوم لا ينجو مني جبار عنيد ولا شيطان مريد فقال عبد الله بن عمرو : فإنا نحدث يومئذٍ أنه يخرج عُنُق من النار فتنطلق حتى إذا كانت بين ظهراني الناس نادت أيها الناس إني بُعثتُ إلى ثلاثة أنا أعرف بهم من الأب بولده ومن الأخ بأخيه، لا يُغيبهم عني و وزر ولا تُخفيهم عني خافية : الذي جعل مع الله إلهاً آخر، وكلّ جبار عنيد، وكلّ شيطان مريد. فتطوي عليهم فتقذف, بهم في النار قبل الحساب بأربعين سنة .
عبادة
بن
الصامت،
وعبد الله
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَلٍ وَعُيُونٍ وَفَوَكَة مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى لِلْمُكَذِّبِينَ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ تُجْرِمُونَ وَيْلٌ يَوْمَيذٍ لِلْمُكَذِبِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَمُونَ وَيْلٌ يَوْمَدٍ لِلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ
حَدِيثٍ بَعْدَرُ يُؤْمِنُونَ )
يقول تعالى مخبراً عن عباده المتقين الذين عبدوه بأداء الواجبات، وترك المحرمات : أنهم يوم القيامة يكونون في جنات وعيون، أي: بخلاف ما أولئك الأشقياء فيه من ظل اليحموم، وهو الدخان الأسود المنتن . ﴿وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ) أي : و من سائر أنواع الثمار، مهما طلبوا وجدوا كُلُوا وَاشْرَبُوا هَيْتَنَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) أي : يقال لهم ذلك على سبيل الإحسان إليهم. ثم قال تعالى مخبراً خيراً مستأنفاً : إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) أي : هذا جزاؤنا لمن أحسن العمل، ووَيْلٌ يَوْمَد لِلْمُكَذِّبِينَ ) . وقوله : ( كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم تُجرِمُونَ : خطاب للمكذبين بيوم الدين وأمرهم أمر تهديد ووعيد فقال تعالى : ( كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا ) أي : مدة قليلة قريبة قصيرة ، إِنَّكُر تُجرِمُونَ ) أي : ثم تساقون إلى نار جهنم التي تقدم ذكرها ، ويل يَوْمَن لِلْمُكَذِبِينَ ) ، كما قال تعالى: (نُمِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضَطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ فَلِيظ ) [لقمان : ٢٤]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَعُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقَهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ) [يونس : ٦٩ ، ٧٠]. وقوله : ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَمُونَ ) أي : إذا أمر هؤلاء الجهلة من الكفار أن يكونوا من المصلين مع الجماعة، امتنعوا من ذلك واستكبروا عنه ؛ ولهذا قال: ﴿وَيْلٌ يَوْمَذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) . ثم قال : ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَرُ يُؤْمِنُونَ ؟ أي : إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن، فبأي كلام يؤمنون به؟! كقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثِ بَعْدَ اللَّهِ وَايَنَيْهِ يُؤْمِنُونَ) [الجاثية : ٦] . قال ابن أبي حاتم : حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية : سمعت رجلاً أعرابياً بدوياً يقول : سمعت أ أبا هريرة يرويه إذا قرأ : وَالْمُرْسَلَتِ عُرفا ) ، فقرأ : فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَرُ يُؤْمِنُونَ ؟ فليقل : آمنت بالله وبما أنزل وقد تقدم هذا الحديث في
سورة القيامة».
آخر تفسير سورة «والمرسلات» ولله الحمد والمنة
ــــــــــــــــــ
الحديبة نيوز
.....
للاعلان بهذه المساحة واتساب
0919496619