الخميس 2 سبتمبر 2021 - 14:27
محجوب عروة: روسيا .. أمريكا وأفغانستان والدروس المستفادة


“محجوب عروة / قولوا حسنا”


رغم حربين عالميتين فى القرن العشرين لم يكن لهما مثيلا فى التاريخ البشرى فقد وقعت أقوى وأعظم امبراطوريات ودول فى القرن العشرين فى أخطاء فادحة لم يستفيدوا من دروسها أدت ولا تزال لكوارث عظيمة، فكما سقطت إمبراطورية الرايخ الثالث هتلر بسبب التهور وشهوة السلطة والتطرف العرقى كذلك الاتحاد السوفيتى بعد أن غرق فى مستنقع أفغانستان وقبله فى دول الستار الحديدي بشرق أوروبا، كانت أحد أهم نتائجه سقوطه المدوي رغم غزوه للفضاء وسلاحه النووي وجيشه العظيم واجهزة مخابراته ذات الكفاءة العالية فغربت شمسه فى بداية عقد التسعينات كما عن بريطانيا العظمى. كان ذلك بسبب عدم تحمل النظام الشيوعى للضغوط الاقتصادية الداخلية ونزوع المواطنين وعشقهم للحرية والديمقراطية واحترامهم للدين الذى كان محاربا وبسبب انتشار الفساد المالى والحزبى الذى أصبح سرطانيا.. ثم كانت القشة التى قصمت ظهر البعير بسبب ضربات المجاهدين الأفغان التي كلفت تلك الامبراطورية أموالا وامكانات مادية ضخمة وآثارا معنوية سيئة فسقطت أحد أعظم إمبراطوريات القرن العشرين.. فهل يا ترى يحدث الشيء للامبراطورية الأمريكية نفسها عقب ما حدث لها من هزيمة وفضيحة كبرى فى أفغانستان اليوم على أيدى طالبان رغم عشرين عاما من الاحتلال الأمريكي أنفق فيها أكثر من تريليوني دولار تسليحا وصرفا على قادة عسكريين وسياسيين فاسدين فلم تحقق أمريكا تنمية وازدهارا اقتصاديا للشعب الأفغانى ولا ديمقراطية وحكما رشيدا وعدالة وتقدما انسانيا فكانت النهاية هروبا فاضحا لرئيس البلاد )غني( مثلما هرب التونسى زين العابدين وكتبا أسوأ نهاية تاريخ لرجل وحاكم مستبد؟.
صحيح أن أمريكا بعكس الاتحاد السوفيتى نظامها ديمقراطي يقوم على الحريات وسيادة حكم القانون ولكنها وقعت فى أخطاء كبرى ممثلة فى تحكم أغنياء صناع السلاح والحروب واللوبى الصهيونى العنصرى الاحتلالى مثلما وقعت فى مستنقع الفساد المالى والاخلاقى وازدواجية المعايير بدعم الأنظمة الديكتاتورية وحكامها القتلة الفاسدين الظالمين وليس دعم الأنظمة الديمقراطية كل ذلك من أجل المصالح الضيقة وشهوة السلطة والمال. ثم هناك ظاهرة خبيثة هى التمييز العنصرى ضد السود وأكذوبة المساواة.. كل ذلك عمى استراتيجى وغباء سياسى فى النخب الحاكمة والادارات الأمريكية المتعاقبة خاصة ادارة ترمب ظنا خاطئا بان سياسة )شرطى العالم( وسياسة العصا الغليظة والأجندة الخفية هى التى تصنع النخب الحاكمة والمؤثرة النافذة وتضع الشعوب فى بيت الطاعة الأمريكى والصهيونى فكان ذلك ايذانا بالفشل الحالى فى أفغانستان ومن المؤكد سينسحب ذلك لاحقا فى مناطق أخرى من العالم ربما تنتهى الى عزلة جديدة )splendid isolation( كما كان سابقا قبل أكثر من مائة عام حتى أدخلتها الحرب العالمية الأولى فى مستنقع الدعم للمستعمرين الأوروبيين.
قد يكون منطقيا وذكيا وموفقا قرار الرئيس الأمريكى بايدن الانسحاب من أفغانستان فلا تقع أمريكا فى مصيدة الصين وروسيا والمزيد من كراهية الأفغان أو كما قال بايدن حتى لا يموت المزيد من الأمريكيين ربما لسبب خفى لم يذكره هو الانتخابات القادمة ويعود غريمه ترمب أو لا تنفق امريكا أموالا أخرى يسددها دافع الضرائب الأمريكى فيسقطه كذلك.. لكن الأوفق والأصح والأكثر ذكاء استراتيجياً هو ان تعيد أمريكا منهجها فى إدارة شأنها وتعكف على تغيير استراتيجيتها لتكون صديقة لشعوب العالم وليست عدوا لها فهذه الشعوب تحب فى امريكا نظامها الحر الديمقراطى وسيادة حكم القانون ودولة المؤسسات مثلما يحبون تقدمها العلمى الباهر وربما طبيعة مواطنها المنفتح والمتواضع .. ان ثمانية عشر شخصا أمريكيا كما قال الرئيس بايدن فى خطبته الأخيرة ينتحرون يوميا ولا شك ان لهذا أسبابه وهى فى اعتقادى هذا النهج الخاطئ فى سياسات وادارة الدولة الأمريكية وامبراطوريتها فى العالم فى إنفاقها على الأوهام السياسية الخاطئة بدلا من انفاقها فى ازدهار شعبها وصحته فهل تستفيد أمريكا من دروس الماضى والحاضر منذ هزيمتها فى فيتنام حتى أفغانستان اليوم فلا يصيبها ما أصاب غريمتها روسيا؟ دعونا نرى..
التقني واحتكاره لدولة وشعب بعينه.. عالم قوامه تعدد الأقطاب الدوليين ولم تعد نهاية العالم بأيدٍ معينة رأسماليا محتكرا كان أو شيوعيا متحكما أو عنصريا متطرفا أو كاذبا بالاسم المقدس.. صدق الله العظيم: )فلا يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين(؟؟.