الأحد 12 سبتمبر 2021 - 19:18
تقرير: هبة محمود
عندما حطت طائرة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بمطار العاصمة اليوغندية كمبالا ثم منها إلى عنتبي في زيارة يحيطها الغموض في فبراير ٢٠٢٠م، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها بنيامين نتنياهو، يسعى من خلال اللقاء إلى كسر طوق ملف التطبيع مع السودان. ذاك الملف الذي ظل عصياً لعقود طوال لم يكسرها الا الجنرال البرهان، ولكن ولأن تعقيدات الوضع في ظل شراكة العسكر والمدنين تستوجب التوافق بين الطرفين، فقد توقف الملف عند التوقيع على اتفاقية إبراهام، على أن يتم استئنافه عقب الفراغ من تشكيل المجلس التشريعي، ولكن تعقيدات المكون المدني أيضاً فيما بينه عطلت تشكيل المجلس، ولم يكن أمام إسرائيل بعد صبر لأشهر، الا ان تعلن عبر وزير خارجيتها يايير لابيد )الجمعة( عزمها على التوقيع على المزيد من الاتفاقيات مع الحكومة، مما يطرح معه عدداً من التساؤلات حول من الذي منح إسرائيل الشارة الخضراء للمضي في اتفاقياتها مع الحكومة؟ المدنيون أم العسكريون أم الاثنان معا؟ هل تعطيل المجلس التشريعي تم عنية ام ان الخلافات هي من اقعدت به؟
لقاءات سرية
وظل ملف التطبيع مع إسرائيل مثار جدل منذ أن أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن لقاء البرهان مع نتنياهو في مدينة عنتبي اليوغندية. ووقتها الزيارة التي لم تعلن رسمياً، وكانت قضية التطبيع مع إسرائيل تبحث بترتيب من الرئيس اليوغندي موسفيني الذي جمع بين الرجلين للتفاكر حول الخطوة والضمانات في مقابل تنفيذها، وفيما لزمت الحكومة الصمت حيال اللقاء كانت وسائل الإعلام الإسرائيلي قد كشفت عن تفاصيله قبل أن تحط طائرة البرهان الرئاسية مطار الخرطوم. والجدل وصل يومها أوجه، سيما عقب إعلان رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك عدم معرفته بخطوة البرهان الذي أكد لاحقاً وفي تنوير اعلامي حشد فيه رؤساء التحرير وكتاب الاعمدة، اطلاع رئيس الوزراء على الخطوة قبل الشروع فيها، ثم ما لبثت أن نددت الأحزاب والقوى السياسية باللقاء وعدته بمثابة خيانة للقضية الفلسطينية. ولامتصاص الغضبة فقد رهن رئيس الوزراء الموافقة على التطبيع بقيام المجلس التشريعي ليقول كلمته. لكن وعلى الرغم من ذلك فقد ظلت الوفود الإسرائيلية تحط رحالها في مطار الخرطوم )سراً(، وواصلت خلال هذا الرحال لقاءاتها مع أعضاء بالمكون العسكري، ثم ما لبثت ان التقت كذلك ببعض أعضاء المكون المدني داخل القصر الجمهوري مساءً في نوفمبر ٢٠٢٠، وظلت الزيارات مستمرة، وكان آخرها في فبراير الماضي عندما زار وفد إسرائيلي البلاد في سرية مطلقة على غير العادة ولم تستغرق زيارته ساعات، وقضى ليلته بفندق الاستخبارات العسكرية. وهذه الزيارة الأخيرة سبقها التوقيع على اتفاقية إبراهام في يناير الماضي التي اججت الصراع مجدداً داخل الحكومة، مما جعل رئيس الوزراء يشدد على رهن الملف بتشكيل المجلس التشريعي.
تعطيل متعمد
وفي ظل الصراع داخل المكون المدني بشأن قيام المجلس التشريعي، تظل الكثير من الملفات رهينة لهذا التشكيل أهمها غياب الملف الرقابي، في وقت يرى فيه مراقبون أن التعطيل )متعمد( بسبب تمرير اجندات خارجية عبر مجلسي السيادة والوزراء، أبرزها من وجهة نظر الحكومة إكمال ملف التطبيع مع إسرائيل الذي يواجه رفضاً من قبل كثير من القوى السياسية المكونة للبرلمان. وفيما تتزامن تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي التي كشف فيها عن ترتيبات لاتفاقيات مع السودان مرتقبة مع بطء تشكيل المجلس التشريعي، يذهب خبراء في الشأن السياسي إلى أن إسرائيل تلقت شارة خضراء بمواصلة ما انقطع من اتفاقيات. وبحسب المحلل السياسي والباحث الاستراتيجي بجامعة إفريقيا العالمية أزهري بشير، فإن إسرائيل لا تتحدث من فراغ، مؤكداً تلقياها وعداً من أحد المسؤولين بالدولة لانفاذ هذا الملف.
ويستند بشير في تحليله لـ )الإنتباهة( إلى وجود ثلاثة تيارات تعمل داخل الحكومة، أحدها منح إسرائيل إذناً بالاستمرار، ونوه بأن الحكومة في اتفاقها مع إسرائيل لن تنتظر قيام المجلس التشريعي، سيما أن كلاً من المكونين المدني والعسكري التقى بالوفود الإسرائيلية التي كانت تصل سراً.
وفي ذات المنحى دعا بشير الحكومة إلى أن تكون أكثر وعياً على حد قوله، في هذا الملف، لأن البلاد ليست بحاجة إلى المزيد من الملفات الشائكة، وقال: )الحكومة تعجلت في اعتقادي في التطبيع مع إسرائيل واتخذت قرارت فردية، وإذا كان التطبيع الذي تم كنوع من التكتيك لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب وهكذا، فيجب على الحكومة الآن ان تضع اللبنة الأولى في إكمال هياكلها للخروج من التحديات التي تواجهها(.
استناد إسرائيلي
تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها تصريحات صحفية مماثلة للمتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليئور حياة، حين أشار إلى اتفاق سلام كامل متوقع مع السودان، في خطوات تعزز مسار الاستقرار. وبعقد مقارنة بين التصريحين نجد استناداً إسرائيلياً كبيراً على مستوى قادتها، في أخذ الإذن لإكمال الملف الذي توقف بالتوقيع على اتفاقية ابراهام. وبحسب مصدر لـ )الإنتباهة( فإن المكون العسكري هو الذي منح إسرائيل الشارة الخضراء، عقب تعقيدات المشهد وتعثر القوى السياسية في تشكيل البرلمان لأكثر من عامين. ويرى المصدر أن المكون العسكري أكثر حماساً لإكمال ملف التطبيع المرهون بقيام المجلس، للعبور بالبلاد من وهدتها عقب نجاحها في رفع العقوبات الاقتصادية ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب.
ولكن في ذات السياق يستبعد المحلل السياسي الرشيد محمد إبراهيم فرضية تلقي إسرائيل الإشارة من قبل المكون العسكري، رغم تأكيده على احتمالية الاستقطاب، مؤكداً لـ )الإنتباهة( ان غياب المجلس التشريعي لا يعد معضلة أمام إكمال ملف التطبيع مع إسرائيل، منوهاً في ذات الوقت بأن الوضع داخل السودان لا يشجع إسرائيل على إكمال الملف.
ويشير إلى أن مبتغى إسرائيل من التطبيع مع السودان سياسي أكثر من كونه اقتصادياً. وقال: )عقب اتفاقية إبراهام فإن المدنيين والعسكريين أصبحوا شركاءً في التطبيع، وإسرائيل الآن تصب تركيزها على دول الخليج، ويأتي ذكر السودان في السياق العام ليس أكثر(.
بداية الحكاية
وبدأت عملية التطبيع مع إسرائيل في ظل سعي الحكومة الانتقالية إلى الانفتاح الخارجي والبحث عن مخرج وموارد نقدية لادارة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي دفع ثمنها الشعب السوداني عقب حالة التشظي بين المكونات الحاكمة، وذلك بأن التقى البرهان رئيس الوزراء الإسرائيلي في مدينة عنتبي بيوغندا بواسطة الرئيس موسيفيني، للتفاكر حول الخطوة والضمانات في مقابل تنفيذها، وكان الثمن مقابل التطبيع رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للارهاب. وتتالت عقب ذلك الوفود الإسرائيلية إلى الخرطوم، وفي يناير الماضي تم التوقيع على اتفاقية إبراهام، وهي اتفاقية فرعية ملحقة باتفاقية التطبيع، ونصت على ضرورة ترسيخ معاني التسامح والحوار والتعايش بين مختلف الشعوب والأديان في منطقة الشرق الأوسط والعالم، بما يخدم تعزيز ثقافة السلام.
تقرير: هبة محمود
عندما حطت طائرة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بمطار العاصمة اليوغندية كمبالا ثم منها إلى عنتبي في زيارة يحيطها الغموض في فبراير ٢٠٢٠م، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها بنيامين نتنياهو، يسعى من خلال اللقاء إلى كسر طوق ملف التطبيع مع السودان. ذاك الملف الذي ظل عصياً لعقود طوال لم يكسرها الا الجنرال البرهان، ولكن ولأن تعقيدات الوضع في ظل شراكة العسكر والمدنين تستوجب التوافق بين الطرفين، فقد توقف الملف عند التوقيع على اتفاقية إبراهام، على أن يتم استئنافه عقب الفراغ من تشكيل المجلس التشريعي، ولكن تعقيدات المكون المدني أيضاً فيما بينه عطلت تشكيل المجلس، ولم يكن أمام إسرائيل بعد صبر لأشهر، الا ان تعلن عبر وزير خارجيتها يايير لابيد )الجمعة( عزمها على التوقيع على المزيد من الاتفاقيات مع الحكومة، مما يطرح معه عدداً من التساؤلات حول من الذي منح إسرائيل الشارة الخضراء للمضي في اتفاقياتها مع الحكومة؟ المدنيون أم العسكريون أم الاثنان معا؟ هل تعطيل المجلس التشريعي تم عنية ام ان الخلافات هي من اقعدت به؟
لقاءات سرية
وظل ملف التطبيع مع إسرائيل مثار جدل منذ أن أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن لقاء البرهان مع نتنياهو في مدينة عنتبي اليوغندية. ووقتها الزيارة التي لم تعلن رسمياً، وكانت قضية التطبيع مع إسرائيل تبحث بترتيب من الرئيس اليوغندي موسفيني الذي جمع بين الرجلين للتفاكر حول الخطوة والضمانات في مقابل تنفيذها، وفيما لزمت الحكومة الصمت حيال اللقاء كانت وسائل الإعلام الإسرائيلي قد كشفت عن تفاصيله قبل أن تحط طائرة البرهان الرئاسية مطار الخرطوم. والجدل وصل يومها أوجه، سيما عقب إعلان رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك عدم معرفته بخطوة البرهان الذي أكد لاحقاً وفي تنوير اعلامي حشد فيه رؤساء التحرير وكتاب الاعمدة، اطلاع رئيس الوزراء على الخطوة قبل الشروع فيها، ثم ما لبثت أن نددت الأحزاب والقوى السياسية باللقاء وعدته بمثابة خيانة للقضية الفلسطينية. ولامتصاص الغضبة فقد رهن رئيس الوزراء الموافقة على التطبيع بقيام المجلس التشريعي ليقول كلمته. لكن وعلى الرغم من ذلك فقد ظلت الوفود الإسرائيلية تحط رحالها في مطار الخرطوم )سراً(، وواصلت خلال هذا الرحال لقاءاتها مع أعضاء بالمكون العسكري، ثم ما لبثت ان التقت كذلك ببعض أعضاء المكون المدني داخل القصر الجمهوري مساءً في نوفمبر ٢٠٢٠، وظلت الزيارات مستمرة، وكان آخرها في فبراير الماضي عندما زار وفد إسرائيلي البلاد في سرية مطلقة على غير العادة ولم تستغرق زيارته ساعات، وقضى ليلته بفندق الاستخبارات العسكرية. وهذه الزيارة الأخيرة سبقها التوقيع على اتفاقية إبراهام في يناير الماضي التي اججت الصراع مجدداً داخل الحكومة، مما جعل رئيس الوزراء يشدد على رهن الملف بتشكيل المجلس التشريعي.
تعطيل متعمد
وفي ظل الصراع داخل المكون المدني بشأن قيام المجلس التشريعي، تظل الكثير من الملفات رهينة لهذا التشكيل أهمها غياب الملف الرقابي، في وقت يرى فيه مراقبون أن التعطيل )متعمد( بسبب تمرير اجندات خارجية عبر مجلسي السيادة والوزراء، أبرزها من وجهة نظر الحكومة إكمال ملف التطبيع مع إسرائيل الذي يواجه رفضاً من قبل كثير من القوى السياسية المكونة للبرلمان. وفيما تتزامن تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي التي كشف فيها عن ترتيبات لاتفاقيات مع السودان مرتقبة مع بطء تشكيل المجلس التشريعي، يذهب خبراء في الشأن السياسي إلى أن إسرائيل تلقت شارة خضراء بمواصلة ما انقطع من اتفاقيات. وبحسب المحلل السياسي والباحث الاستراتيجي بجامعة إفريقيا العالمية أزهري بشير، فإن إسرائيل لا تتحدث من فراغ، مؤكداً تلقياها وعداً من أحد المسؤولين بالدولة لانفاذ هذا الملف.
ويستند بشير في تحليله لـ )الإنتباهة( إلى وجود ثلاثة تيارات تعمل داخل الحكومة، أحدها منح إسرائيل إذناً بالاستمرار، ونوه بأن الحكومة في اتفاقها مع إسرائيل لن تنتظر قيام المجلس التشريعي، سيما أن كلاً من المكونين المدني والعسكري التقى بالوفود الإسرائيلية التي كانت تصل سراً.
وفي ذات المنحى دعا بشير الحكومة إلى أن تكون أكثر وعياً على حد قوله، في هذا الملف، لأن البلاد ليست بحاجة إلى المزيد من الملفات الشائكة، وقال: )الحكومة تعجلت في اعتقادي في التطبيع مع إسرائيل واتخذت قرارت فردية، وإذا كان التطبيع الذي تم كنوع من التكتيك لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب وهكذا، فيجب على الحكومة الآن ان تضع اللبنة الأولى في إكمال هياكلها للخروج من التحديات التي تواجهها(.
استناد إسرائيلي
تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها تصريحات صحفية مماثلة للمتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليئور حياة، حين أشار إلى اتفاق سلام كامل متوقع مع السودان، في خطوات تعزز مسار الاستقرار. وبعقد مقارنة بين التصريحين نجد استناداً إسرائيلياً كبيراً على مستوى قادتها، في أخذ الإذن لإكمال الملف الذي توقف بالتوقيع على اتفاقية ابراهام. وبحسب مصدر لـ )الإنتباهة( فإن المكون العسكري هو الذي منح إسرائيل الشارة الخضراء، عقب تعقيدات المشهد وتعثر القوى السياسية في تشكيل البرلمان لأكثر من عامين. ويرى المصدر أن المكون العسكري أكثر حماساً لإكمال ملف التطبيع المرهون بقيام المجلس، للعبور بالبلاد من وهدتها عقب نجاحها في رفع العقوبات الاقتصادية ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب.
ولكن في ذات السياق يستبعد المحلل السياسي الرشيد محمد إبراهيم فرضية تلقي إسرائيل الإشارة من قبل المكون العسكري، رغم تأكيده على احتمالية الاستقطاب، مؤكداً لـ )الإنتباهة( ان غياب المجلس التشريعي لا يعد معضلة أمام إكمال ملف التطبيع مع إسرائيل، منوهاً في ذات الوقت بأن الوضع داخل السودان لا يشجع إسرائيل على إكمال الملف.
ويشير إلى أن مبتغى إسرائيل من التطبيع مع السودان سياسي أكثر من كونه اقتصادياً. وقال: )عقب اتفاقية إبراهام فإن المدنيين والعسكريين أصبحوا شركاءً في التطبيع، وإسرائيل الآن تصب تركيزها على دول الخليج، ويأتي ذكر السودان في السياق العام ليس أكثر(.
بداية الحكاية
وبدأت عملية التطبيع مع إسرائيل في ظل سعي الحكومة الانتقالية إلى الانفتاح الخارجي والبحث عن مخرج وموارد نقدية لادارة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي دفع ثمنها الشعب السوداني عقب حالة التشظي بين المكونات الحاكمة، وذلك بأن التقى البرهان رئيس الوزراء الإسرائيلي في مدينة عنتبي بيوغندا بواسطة الرئيس موسيفيني، للتفاكر حول الخطوة والضمانات في مقابل تنفيذها، وكان الثمن مقابل التطبيع رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للارهاب. وتتالت عقب ذلك الوفود الإسرائيلية إلى الخرطوم، وفي يناير الماضي تم التوقيع على اتفاقية إبراهام، وهي اتفاقية فرعية ملحقة باتفاقية التطبيع، ونصت على ضرورة ترسيخ معاني التسامح والحوار والتعايش بين مختلف الشعوب والأديان في منطقة الشرق الأوسط والعالم، بما يخدم تعزيز ثقافة السلام.