الأربعاء 15 سبتمبر 2021 - 20:39

تقرير: هبة عبيد
يمثل انتشار السلاح بين المواطنين معضلة حقيقية تواجه مساعي عودة الاستقرار والامن بالبلاد، وتجعل حالة من الانفلات الأمني تطغى على مختلف المناطق خاصة في وجود الحركات المسلحة في المدن، سيما انها محصنة برتب عسكرية، ولكن الاخطر ان يصبح السلاح في يد العصابات المتفلتة بدعم من حركات مسلحة. وفيما يعتبر هذا الملف أحد أهم التحديات التي تواجه الحكومة لإعادة الاستقرار إلى البلاد التي عانت من اضطرابات ونزاعات، يصبح السؤال عن موقف الحكومة.
تقارير رسمية
يبدو أن الأمر موغل في الخطورة، هكذا تشير دلالات الموقف بعد أن كشفت تقارير أمنية عن تورط حركات مسلحة موقعة على اتفاق السلام في عمليات تجنيد لعناصر عصابات متفلتة. وقد تم رصد عمليات تجنيد وتسليح وبيع للبطاقة وتسليم العصابات بطاقة برتب ضباط مقابل أتاوات يدفعها كل مجند بصورة يومية للحركة التي يتبع لها، وتكون تلك الأتاوات نتاج عملية النهب التي ينفذها، حيث يتوجب عليهم توفير مبالغ مالية بصورة يومية لتلك العصابات، وذلك مقابل أن يحمل عضو العصابة بطاقة الحركة، وأيضاً يجد الدعم والمساندة من قادتها في حال ألقت الشرطة القبض عليه، وبحسب ما نشرته )الإنتباهة( في عددها الصادر امس الاول فإن التقارير اشارت الى انتشار كبير للأسلحة الخفيفة غير المقننة في أيدي المواطنين والعصابات المتفلتة وفي الأحياء السكنية، وتم رصد جرائم نهب استخدمت فيها الأسلحة النارية مما أدى لمقتل أشخاص وإصابات خطيرة لضحايا نهب.
ثغرات
وبحسب مراقبين فإن الأمر يعود إلى وجود ثغرات كبيرة في اتفاق الترتيبات الأمنية، وقالوا ان ما يحدث كان نتيجة لمساعي الحركات لزيادة اعداد قواتها دون رقيب من خلال التجنيد وبيع الرتب لاحداث ارباك في المشهد الامني، وبالرغم من ان بند الترتيبات الأمنية المضمن في اتفاق السلام ينص على )39( شهراً لعملية الدمج والتسريح المتعلقة بمقاتلي الحركات المسلحة، مع تشكيل قوات مشتركة من الجيش السوداني والشرطة والدعم السريع لحفظ الأمن في ولاية دارفور والمنطقتين تمثل فيها قوات الحركات المسلحة بنسب تصل إلى 30%، لكنه لم يتضمن تفاصيل واضحة عن أماكن التجميع، ولم يحصر أعداد القوات التابعة لكل حركة قبل عملية التوقيع.
حصانات
وفي هذا المنحى يرى المحلل السياسي محمد علي آدم ان ظاهرة استخدام العصابات في عمليات نهب قضية يجب عدم السكوت عنها، لجهة ان البلاد تعاني في الأصل من وجود العصابات وما تتسبب فيه من جرائم نهب وقتل، وان تسليحها من حركات موقعة على السلام امر يستحق المساءلة القانونية لتلك الحركات. وقال آدم لـ )الإنتباهة(: )يجب على الجهات المختصة تدوين بلاغات رسمية ضد الحركات المتورطة في هذا الأمر وتقديمها لمحاكمات وتطبيق اشد العقوبات عليها(، لافتاً إلى ان الظاهرة من شأنها اعادة البلاد إلى أسوأ السيناريوهات المحتملة، خاصة ان الحركات تقوم بمنح المتفلتين بطاقات عسكرية مما يسهل مهامها في الجريمة، لانها بذلك تعتبر ذات حصانة مقابل ما تسمى الاتاوات التي توخذ من المجموعة. وتساءل آدم قائلاً: )اذا كانت المعلومة قد جاءت من مصادر امنية فلماذا لم يتم اتخاذ اية إجراءات رسمية مع الحركات، فهذه التصرفات غير المسؤولة من الحركات قد تؤدي الى تأثيرات سلبية في اتفاقية السلام الموقعة(، واوضح ان ملف الترتيبات الأمنية يعاني من مشكلات تتعلق بعدم تحديد عدد قوات الحركات المسلحة التي وقعت على اتفاقية السلام، بجانب عدم تحديد مواقع تجميع القوات نفسها.
عجز حكومي
ومن جانبه يرى الخبير العسكري اللواء عبد الهادي عبد الباسط ان كل الأشياء واردة، لجهة ان الحركات المسلحة لديها إجراءات خاصة بالترتيبات الامنية، موضحاً في حديثه لـ )الانتباهة( ان اية حركة عندما تدخل في التفاوض فإن الجانب العسكري مهم جداً في تسليم ارقام بقوائم القوات وتحديد عدد الضباط والعساكر وضباط الصف، وعادة ما تكون الحركات غير امينة وتقوم بتضخيم الارقام لانها تملكها لجهة تقاتل فيها، واكد الهادي ان التجربة اثبتت ان الارقام لا تمثل ١٠٪ من العدد الحقيقي، واشار الى انه عند تنفيذ بند الترتيبات يتم التأكد من العدد بالتفصيل، لذلك تلجأ الحركات لسماسرة لاستقطاب عدد أكبر، وتابع قائلاً إنها تلجأ لاستقطاب عناصر متفلتة بوعي او بدون وعي، واحياناً تقوم تلك المجموعات باستغلال المسألة وممارسة هذا الأمر. ولفت في ذات السياق إلى وجود شكاوى داخل الأحياء من عصابات )النقرز(، وهي مجموعات ارتبطت باتفاقية السلام في عام ٢٠٠٥م بعد مقتل جون قرنق، وحينها كانت الحركة الشعبية تحشد هذه المجموعات، وكانوا من المشردين واطفال الشوارع، ولكن من المؤسف ان بعض الشماليين داخل الحركة كانت لديهم اجندة أخرى بفهم تنظيمها لصد اي صراع سياسي، ونبه إلى ان العقبة الخطيرة هي عجز الحكومة عن تمويل بند الترتيبات الامنية المنصوص عليه في اتفاقية السلام، لعدم وجود راعٍ دولي لتقديم الدعم لتنفيذه، بجانب أن منسوبي الحركات وجدوا انفسهم يعيشون في جحيم العاصمة وفقدوا التمويل الخارجي الذي كانوا يحصلون عليه من الخارج.