السبت 25 سبتمبر 2021 - 21:00


‏وسط الإنقسام الواضح بين المكونين المدني والعسكري جراء المحاولة الفاشلة، تبقى أصابع الإتهام لأطراف خارجية قد تكون ضالعة في المشهد، فمن له مصلحة في تقويض المرحلة الإنتقالية بالسودان.
القاهرة: صباح موسى
المحاولة الإنقلابية التي شهدتها البلاد يوم )الثلاثاء( الماضي، مازالت أصدائها مستمرة على الأوضاع الداخلية، فشلت المحاولة بالفعل لكن يبدو أن توابعها ستكون أكثر عنفا، وذلك بعد الهجوم والإنتقادات المتبادلة بين المكونين المدني والعسكري، واتهام كل منهما للآخر بأنه خلف هذا المشهد الضبابي الذي وصل إليه السودان، واتضح ذلك في تعليق رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك على المحاولة الفاشلة، والذي رأى فيها أن المحاولة الانقلابية كشفت ضرورة إصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية، كما ربط المحاولة بما اسماه تحضيرات واسعة تمثلت في الإنفلات الأمني في المدن واستغلال الأوضاع في شرق البلاد ومحاولات قطع الطرق القومية وإغلاق الموانئ وتعطيل إنتاج النفط، في وقت ظهر فيه الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو )حميدتي(، لتأكيد أن الرجلين على قلب واحد، وشن الرجلان هجوما حادا ومباشرا – ليس به أي لبس – على المكون المدني والسياسين بأنه خلف كل هذه الأوضاع المتردية التي وصلت إليها الأمور.
اتهامات للخارج
يبدو أن عدم الإستقرار الداخلي والخلافات الحادة بين المكونين المدني والعسكري هو ما أوصل السودان إلى هذا المشهد الضبابي، إلا أن هناك بعض أصابع الإتهام الغير واضحة اتجهت إلى الخارج، فهل يمكن أن نقرأ الأوضاع الحالية التي أوصلت البلاد إلى محاولات إنقلابية بوجود جهات خارجية استغلت عدم الإستقرار الداخلي، وراحت تعبث في الظلام للوصول إلى هذه الحالة؟ الولايات المتّحدة أدانت من جانبها المحاولة الانقلابية التي أحبطها السودان )الثلاثاء( الماضي، مندّدة بـ )أعمال مناهضة للديموقراطية(، ومحذّرة من أيّ تدخّل خارجي يهدف إلى بثّ التضليل وتقويض إرادة السودانيين، وقال المتحدّث الرسمي للخارجية الأميريكية نيد برايس في بيان إنّ الولايات المتّحدة تؤكّد دعمها لعملية التحوّل الديموقراطي الجارية في السودان، ودعا البيان إلى مساءلة جميع المتورطين في إطار إجراءات قانونية عادلة، مضيفا أن الإجراءات المناهضة للديمقراطية مثل تلك التي حدثت في 21 سبتمبر في الخرطوم تقوض دعوة الشعب السوداني إلى الحرية والعدالة وتضع العم الدولي للسودان بما في ذلك العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة في خطر، كما أدان البيان أي تدخل خارجي يهدف إلى بث التضليل الإعلامي وتقويض إرادة الشعب السوداني مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تحشد مساعدات كبيرة لمساعدة السودان على تحقيق أهداف البلاد الاقتصادية والأمنية، وختم البيان بالقول سنعمل على تعزيز هذا الدعم بينما يحرز السودان تقدمًا مستمرًا في انتقاله المستمر، بما في ذلك إنشاء مجلس تشريعي، وإصلاح قطاع الأمن تحت قيادة مدنية والعدالة والمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان السابقة.
أطراف خارجية
الرد الأميريكي لوح بوجود تدخل خارجي في المشهد، محذرا هذا التدخل الذي يهدف إلى تضليل وتقويض إرادة السودانيين بالبث والتضليل الإعلامي، فهل يمكن أن نعتمد الحديث الأمريكي بأن هناك أطراف خارجية بالفعل تتدخل في المشهد السياسي بالبلاد؟ ولقراءة المشهد بصورة دقيقة من هذه الزاوية يبقى التساؤل من له مصلحة في تأجيح الأوضاع في السودان، وبنظرة قريبة للجوار السوداني، فهل هناك من له مصلحة في هذا الجوار؟
القاهرة تدين
أما القاهرة فبادرت من جانبها على الفور بادانة المحاولة الانقلابية الفاشلة، وأكدت مصر دعمها لمؤسسات الحكم الإنتقالى في السودان وجهودها الدؤوبة لتحقيق تطلعات وطموحات الشعب السوداني فى هذه المرحلة الهامة من تاريخ البلاد، كما أكدت مصر حكومةً وشعباً – بحسب بيان للخارجية المصرية- حرصها الكامل على استقرار وأمن وتنمية السودان، ورفضها لأي محاولة للمساس بهذا الإستقرار أو عرقلة جهود التنمية، وذلك في إطار وحدة المصير والروابط الأزلية التى تجمع بين شعبي وادي النيل.
بيانات ادانة
كما أدان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط المحاولة الانقلابية، مؤكدا على استمرار وقوف الجامعة العربية بقوة وراء استتباب الأمن والسلام في السودان خلال الفترة الانتقالية، وصرح مصدر مسؤول بالأمانة العامة للجامعة، أن استقرار السودان مهم للجامعة، ويمثل ركناً هاماً في استقرار الوطن العربي، مشيراً إلى أن اتفاقات ترتيب المرحلة الانتقالية التي وقعتها جميع الأطراف السودانية خلال العامين الماضيين تحظي بدعم واسع من الجامعة العربية والمجتمع الدولي، وهي تمثل بالتالي طريقاً وحيداً لتجاوز مختلف التحديات التي تواجهها البلاد، وأضاف المصدر أن الجامعة العربية مستمرة في تأييد الجهود السودانية التي تهدف إلى معالجة المشكلات المختلفة بما يؤدي إلى تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوداني في مستقبل مزدهر. كما بادرت المملكة العربية السعودية وقطر بادانة المحاولة وكذلك فعلت الإمارات أيضا.
الأفريقي على الخط
في الوقت نفسه أدان رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي موسى فقي محمد بشدة محاولة الانقلاب الفاشلة التي هدفت إلى الإطاحة بالسلطة الإنتقالية في السودان، كما رحب فقي بفشل المحاولة، ودعا في بيان له جميع الجهات الفاعلة في السودان إلى الوقوف بحزم إلى جانب السلطات القانونية لعملية الإنتقال الناتجة عن الإرادة التوافقية للقوات المدنية والعسكرية الوطنية، كما شدد رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي على الحاجة إلى حماية الإتفاق السياسي والنصوص التأسيسية لإتفاقيات الخرطوم وإتفاقية جوبا للسلام، والتي تلزم البلاد بنجاح الإنتقال الذي ينبغي أن يؤدي إلى الديمقراطية والحرية وإجراء انتخابات شفافة.
جوار السودان
حسنا فلنضيق الدائرة أكثر فأكثر، باختيار بعض الدول التي لها مصالح وبينها وبين السودان مشاكل، فماذا عن الموقف الإثيوبي والإريتري والمصري والإماراتي، رغم إدانة كل من القاهرة وأبوظبي للمحاولة على غير الحال في الموقفين الإثيوبي والأريتري، واللذان التزما الصمت على ماحدث وعدم التعليق عليه حتى اللحظة. من المعلوم أن هناك مشاكل حادة على الحدود في منطقة )الفشقة( بين الخرطوم وأديس أبابا، علاوة على الخلاف الكبير في أزمة سد النهضة، وهل يمكن أن نأخذ الموقف الأريتري المنسق تماما مع الموقف الأثيوبي في الفترة الأخيرة في هذا الإتجاه، أم أن أسمرا لا يمكنها لعب أي دور سلبي تجاه الخرطوم؟، ثم ماذا عن القاهرة فكيف نقرأ الحال معها، أم أن التنسيق العالي بين البلدين في كافة المجالات بعد الإنتقال في السودان، يؤكد أن القاهرة لا يمكن أن تلعب دورا سالبا في تغيير أوضاع سعت لتحقيقها من قبل؟، وتبقى أبوظبي التي يتهمها الداخل السوداني من آن لآخر بأن لديها مصالح داخل السودان، ولذلك تلعب أدورارا ربما يراها البعض لدعم طرف على حساب الآخر؟
مصالح ومشاكل
الدكتورة أماني الطويل مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية قالت من جهتها )لا أملك أدلة بأن هناك أطراف خارجية يمكن أن تلعب دورا في المشهد السياسي السوداني(، وأضافت الطويل لـ )السوداني( يمكن أن أقدم قراءات من خلال المصالح التي تفهم في إطار دعم أو تقويض الأمور، وتابعت بعض القراءات تذهب إلى أن الإتهامات الموجهه للخرطوم بدعم التيجراي تجعلها مستهدفة من جانب إثيوبيا وإريتريا، وأن دورة الخلاف في حالة تفاعلية بينهم، ومن شأنها أن تشعل مهددات الإستقرار في الدول الثلاث. وزادت: أما القاهرة فنجد موقفها كان داعما بشدة لثورة ديسمبر في السودان، وأنه لا يوجد تقاطع بين مصالحها مع الخيارات التي استقر عليها الشعب السوداني بعد التغيير، بل أنها تستثمر مع الحكومة الإنتقالية لدعم مؤسسات الدولة في السودان، مؤكدة أن المخيلة الاستراتيجية المصرية هي أن استقرار السودان هو استقرار لمصر، لافتا إلى أنه ربما يكون هناك بعض الدول التي لها مصالح في البحر الأحمر، تتسع هذه المصالح مع باقي دول القرن الأفريقي، وقالت ربما يكون هناك نوع من الإختلاف لهذه الدول مع النخب السودانية الأكثر تشددا، وربما تسعى لتقويض هذه المعادلة نحو معادلة شبه شمولية، مجددة تأكيدها بأنه ليس هناك دليل قاطع بأن هناك طرف خارجي متورط في المحاولة الإنقلابية في السودان، وقالت إن المعطيات الداخلية واضحة في ذلك باحتمالين أحدهما أن تكون المحاولة حقيقية بالفعل، وذلك نتيجة السخط الكبير على الأوضاع الإقتصادية والإنفلات الأمني وشرق السودان مؤخرا، مضيفة أما الإحتمال الثاني هو أنه يمكن أن تكون هذه المحاولة مصنوعة لجس النبض، وتحديد رد الفعل الإقليمي والدولي عليها، بالإضافة للوضع الداخلي في إطار الأفق السياسي الموجود في ضوء الإنقسامات التي باتت واضحة بين المكونين المدني والعسكري.
معقد ومركب
أما منصور سليمان الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الإريتري يرى من جانبه أن المشهد السياسي معقد ومركب في السودان، ويصعب قراءته من زاوية واحدة. وقال سليمان لـ )السوداني( إن توجيه الإتهام في المحاولة الإنقلابية لفلول النظام السابق يجعل الفكرة صعبة، مضيفا ليس هناك شئ مؤكد لضلوع أسمرة في الأحداث، فلو أخذنا مصلحتها بجانب إثيوبيا سنقرأ بزاوية المصلحة، أما اذا صحت مصلحتها مع محمد الأمين ترك في الشرق، واذا أخذنا أن ترك محسوب على البشير والفلول، لكن في الوقت نفسه نجد أن المجموعة التي تقف في الكواليس من خلفه مثل موسى محمد أحمد لها علاقات جيدة جدا مع أسمرا وأفورقي، في نفس الوقت رغم أن هناك امتداد لقبائل البني عامر في اريتريا، إلا أن العداء بينهم وبين أفورقي كبير، وتابع أما إثيوبيا فالمشاكل الحدودية وسد النهضة قد تأخذنا في اتجاه مصلحة لأديس أبابا في تقويض المرحلة الإنتقالية بالسودان، لافتا إلى أن الداخل السوداني يتهم مصر بأنها تريد تجربة عسكرية في السودان كما هو الحال فيها، وكذلك الإمارات، وقال لكني لا أرى مصلحة لمصر في ذلك لأن المكون العسكري أصلا يقود السلطة في السودان، علاوة على أن المكون المدني لديه توافق مع العسكري في الملفات المشتركة مع القاهرة وعلى رأسها سد النهضة.