الأربعاء 6 أكتوبر 2021 - 12:15
شرعت أجهزة الأمن السودانية في مواجهة العناصر المتطرفة في البلاد، وكشفت المداهمة التي جرت بالخرطوم الاثنين عن الاستعداد لبذل المزيد من الجهود لتقويض الخلايا الإسلامية النائمة، بعد مداهمة أولى جرت منذ أسبوع في المكان نفسه، وثبت أن الخلية التي تم استهدافها تابعة لتنظيم داعش الإرهابي.
ونعى رئيس الحكومة عبدالله حمدوك الثلاثاء ضحايا القوات الأمنية الذين قضوا في اشتباكات مع إرهابيين دفاعا عن أمن السودان واستقراره، مؤكدا أن الحكومة مستمرة في دعم القوات الأمنية دعما كاملا، وهي إشارة كافية إلى عدم فتح ملفات شائكة الآن.
وتفوت المواجهتان والدعم الحكومي الظاهر حاليا الفرصة على استمرار مطالبة القوى المدنية بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، باعتبارها مخترقة من جانب فلول النظام السابق والحركة الإسلامية، وهما الحاضنتان الرئيسيتان للمتشددين في السودان، وينزع الإصرار على عدم التهاون مع المتطرفين مبررات تعتمد عليها فكرة إعادة الهيكلة.
ومع أن خطوة الهيكلة لها علاقة باستيعاب الحركات المسلحة في المؤسسة العسكرية والترتيبات الأمنية التي تمخض عنها اتفاق السلام في جوبا، غير أن مطالبة قوى الحرية والتغيير بها حصرها في تنظيف الأجهزة الأمنية من الفلول.
وتحولت هذه القضية إلى أزمة عميقة بين المكونين العسكري والمدني، لأن تحركات مجلس السيادة بدت متراخية وفُهم منها أنها تنطوي على تنصل واضح من تجفيف منابع النظام السابق للمكونات الأمنية المختلفة، ما يسمح بإطلاق عناصره للعبث بالفترة الانتقالية الراهنة وتخريب استحقاقاتها السياسية.
ووجدت المواجهة الأمنية الحاسمة مع خلية داعش في منطقة الجيرة بالخرطوم أصداء إيجابية، وقطعت الطريق على التمادي في توسيع نطاق الحديث عن تقاعس عمدي من جانب الأجهزة الأمنية ضمن خطة تسعى إلى النيل من القوى المدنية، وتهيئة الأجواء لردة يستعيد من خلالها النظام السابق قبضته على زمام الأمور.
مكافحة الإرهاب ومخاطره الداهمة ستستغرق سنوات طويلة وقد تتحول إلى حلقات تبرر عدم مبارحة الجيش للسلطة
وقام الشق العسكري بالتعاون مع الشرطة بتحركات أوحت بالرغبة في السيطرة على الحكم وتهميش القوى المدنية، ولم تفلح جميعها في الوصول إلى هذا الهدف، وظل التساؤل المحير أين القوات الأمنية الموازية التي أنشأها نظام عمر البشير؟ وأين ذهبت العناصر المتطرفة التي وجدت ملاذا عنده واستقبلها وآوى أفرادها قبل سقوطه المدوي؟ وما هو مصير ما يتردد حول الخلايا المسلحة التي تمركزت في السودان؟
وبدت الإجابة على هذه الأسئلة محيرة وغامضة، فمنذ سقوط البشير انشغل الناس بأعمال لجنة إزالة التمكين والدور الذي تقوم به في مصادرة أموال قيادات سابقة وغلق مؤسسات أو التوصية بإلقاء القبض على قيادات لامعة، وبدت بعض الملفات كأنها محرمة، أبرزها أين ذهب المتشددون الذين تفاخر البشير باستقبالهم والترحاب بهم؟
وفرّ البعض إلى تركيا وقطر وماليزيا وغيرها من الدول التي أبدت استعدادا لاستقبالهم، وبقي آخرون كامنين وبعيدين عن العيون الأمنية والسياسية، ولا أحد يعلم أوضاعهم بدقة، وكل ما تردد لا يخرج عن إطار الخطوط الخاصة بإعادة الهيكلة التي تطالب بها القوى المدنية كتعبير عن وجود مخاوف من خروج مارد الإسلاميين إلى الضوء.
ويصعب الحديث عن وجود تواطؤ بين المؤسسة العسكرية والحركة الإسلامية ومن يدورون في فلكها، فلم يعد السودان قبوا مغلقا كما كان في عهد البشير، وباتت الكثير من معالمه مكشوفة أمام قوى دولية عديدة ناصرت الثورة، وأي محاولة لاستعادة الماضي من هذا الباب سوف تقلب الطاولة على العسكريين، وقد وصلتهم رسالة واضحة برفض قبول استمرارهم في السلطة بعد انتهاء فترتهم لرئاسة المجلس السيادي.
لذلك يمكن تفسير تجاهل المتطرفين بعيدا عن نطاق التحالف معهم، بل لاختزال ورقتهم واستثمارها في مرحلة لاحقة يكون فيها الجيش نجح في ترتيب أوراقه، وأصبح مستعدا لخوض المواجهة القاسية ضد الإرهاب واكتسب أرضا صلبة في الشارع، وانكشفت أخطاء القوى المدنية التي لم تأل جهدا في المطالبة بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، والتي يتم الاستفادة منها كقناة تقود نحو سيطرتهم على السلطة.
ولم يعتقد المدنيون أن غول المتطرفين سيكون كبيرا، وتصوروا أن خروج بعض الضباط المحسوبين على النظام السابق من الخدمة يطوي هذه الثغرة، واعتمدوا على أن السودانيين متسامحون ولن يتمكن الإرهابيون من أن يعشعشوا بين جنباتهم.
وحسبت قيادات نافذة في الجيش التوازنات التي تتحكم في هذه المعادلة لأن الأعداد التي تدفقت إلى السودان ليست هينة، والحدود المفتوحة مع دول الجوار تساعد على تقوية شوكة المتشددين، وأي مواجهة مستعجلة قد تكبد الجيش خسائر باهظة، وتنهي مبكرا الفكرة التي يريد ترسيخها بأنه ضامن وحيد لأمن واستقرار السودان.
وكرر رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان هذه النغمة أكثر من مرة، وأعاد التذكير بها نائبه ورئيس قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، ولم تنتبه إلى ذلك جيدا القوى المدنية وتعاملت مع الإشارات المتقطعة على أنها مزايدة هدفها الهيمنة على السلطة فقط.
وحدد المكون العسكري تاريخ البدء في المواجهة عندما وصل إلى مسار مسدود للتفاهم مع نظيره المدني، وأخذت الأمور تزداد تعقيدا في إمكانية التفاهم بين الجانبين، فظهرت الورقة التي يمكن أن يربح بها الجيش في المواجهة، وهي مكافحة الإرهاب.
ويعلم الكثيرون أن الإرهاب كامن وبانتظار لحظة معينة للخروج إلى الفضاء الفسيح، وتكفي البيئة المحيطة بالسودان وتاريخه القريب ليجعلا من المتطرفين جزءا مما يدور في البلاد، التي يمكن أن تغير الكثير من التوازنات الإقليمية.
ولن تكون مواجهتا جنوب الخرطوم أول أو آخر صدام بين الأجهزة الأمنية والإرهابيين، لكنهما البداية التي سوف تؤدي إلى الكثير من المواجهات في أماكن مختلفة ينتشر فيها السلاح بغزارة، والخطورة أن بعض الحركات المسلحة لها روابط مع قوى إسلامية، ما يعني أن السودان سيكون أمام معارك عاصفة تحت بند مكافحة الإرهاب.
وإذا دخلت الأجهزة الأمنية هذه المواجهة بكل ما تملك من قوة مادية، من الطبيعي أن يتوارى وربما يختفي حديث إعادة الهيكلة الذي أخذ يفقد جدواه بعد التوسع في الصراع المباشر مع الإرهابيين، وتصبح جميع القوى مصطفة حول الجيش الذي يخوض هذه المواجهة المصيرية.
ومن المرجح أن تستغرق المعركة سنوات عديدة، ما ينعكس على غالبية الاستحقاقات، وفي مقدمتها تسليم رئاسة مجلس السيادة من قبل المكون العسكري إلى المدني، وقد تتحول مكافحة الإرهاب ومخاطره الداهمة إلى حلقات تبرر عدم مبارحة الجيش للسلطة.
شرعت أجهزة الأمن السودانية في مواجهة العناصر المتطرفة في البلاد، وكشفت المداهمة التي جرت بالخرطوم الاثنين عن الاستعداد لبذل المزيد من الجهود لتقويض الخلايا الإسلامية النائمة، بعد مداهمة أولى جرت منذ أسبوع في المكان نفسه، وثبت أن الخلية التي تم استهدافها تابعة لتنظيم داعش الإرهابي.
ونعى رئيس الحكومة عبدالله حمدوك الثلاثاء ضحايا القوات الأمنية الذين قضوا في اشتباكات مع إرهابيين دفاعا عن أمن السودان واستقراره، مؤكدا أن الحكومة مستمرة في دعم القوات الأمنية دعما كاملا، وهي إشارة كافية إلى عدم فتح ملفات شائكة الآن.
وتفوت المواجهتان والدعم الحكومي الظاهر حاليا الفرصة على استمرار مطالبة القوى المدنية بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، باعتبارها مخترقة من جانب فلول النظام السابق والحركة الإسلامية، وهما الحاضنتان الرئيسيتان للمتشددين في السودان، وينزع الإصرار على عدم التهاون مع المتطرفين مبررات تعتمد عليها فكرة إعادة الهيكلة.
ومع أن خطوة الهيكلة لها علاقة باستيعاب الحركات المسلحة في المؤسسة العسكرية والترتيبات الأمنية التي تمخض عنها اتفاق السلام في جوبا، غير أن مطالبة قوى الحرية والتغيير بها حصرها في تنظيف الأجهزة الأمنية من الفلول.
وتحولت هذه القضية إلى أزمة عميقة بين المكونين العسكري والمدني، لأن تحركات مجلس السيادة بدت متراخية وفُهم منها أنها تنطوي على تنصل واضح من تجفيف منابع النظام السابق للمكونات الأمنية المختلفة، ما يسمح بإطلاق عناصره للعبث بالفترة الانتقالية الراهنة وتخريب استحقاقاتها السياسية.
ووجدت المواجهة الأمنية الحاسمة مع خلية داعش في منطقة الجيرة بالخرطوم أصداء إيجابية، وقطعت الطريق على التمادي في توسيع نطاق الحديث عن تقاعس عمدي من جانب الأجهزة الأمنية ضمن خطة تسعى إلى النيل من القوى المدنية، وتهيئة الأجواء لردة يستعيد من خلالها النظام السابق قبضته على زمام الأمور.
مكافحة الإرهاب ومخاطره الداهمة ستستغرق سنوات طويلة وقد تتحول إلى حلقات تبرر عدم مبارحة الجيش للسلطة
وقام الشق العسكري بالتعاون مع الشرطة بتحركات أوحت بالرغبة في السيطرة على الحكم وتهميش القوى المدنية، ولم تفلح جميعها في الوصول إلى هذا الهدف، وظل التساؤل المحير أين القوات الأمنية الموازية التي أنشأها نظام عمر البشير؟ وأين ذهبت العناصر المتطرفة التي وجدت ملاذا عنده واستقبلها وآوى أفرادها قبل سقوطه المدوي؟ وما هو مصير ما يتردد حول الخلايا المسلحة التي تمركزت في السودان؟
وبدت الإجابة على هذه الأسئلة محيرة وغامضة، فمنذ سقوط البشير انشغل الناس بأعمال لجنة إزالة التمكين والدور الذي تقوم به في مصادرة أموال قيادات سابقة وغلق مؤسسات أو التوصية بإلقاء القبض على قيادات لامعة، وبدت بعض الملفات كأنها محرمة، أبرزها أين ذهب المتشددون الذين تفاخر البشير باستقبالهم والترحاب بهم؟
وفرّ البعض إلى تركيا وقطر وماليزيا وغيرها من الدول التي أبدت استعدادا لاستقبالهم، وبقي آخرون كامنين وبعيدين عن العيون الأمنية والسياسية، ولا أحد يعلم أوضاعهم بدقة، وكل ما تردد لا يخرج عن إطار الخطوط الخاصة بإعادة الهيكلة التي تطالب بها القوى المدنية كتعبير عن وجود مخاوف من خروج مارد الإسلاميين إلى الضوء.
ويصعب الحديث عن وجود تواطؤ بين المؤسسة العسكرية والحركة الإسلامية ومن يدورون في فلكها، فلم يعد السودان قبوا مغلقا كما كان في عهد البشير، وباتت الكثير من معالمه مكشوفة أمام قوى دولية عديدة ناصرت الثورة، وأي محاولة لاستعادة الماضي من هذا الباب سوف تقلب الطاولة على العسكريين، وقد وصلتهم رسالة واضحة برفض قبول استمرارهم في السلطة بعد انتهاء فترتهم لرئاسة المجلس السيادي.
لذلك يمكن تفسير تجاهل المتطرفين بعيدا عن نطاق التحالف معهم، بل لاختزال ورقتهم واستثمارها في مرحلة لاحقة يكون فيها الجيش نجح في ترتيب أوراقه، وأصبح مستعدا لخوض المواجهة القاسية ضد الإرهاب واكتسب أرضا صلبة في الشارع، وانكشفت أخطاء القوى المدنية التي لم تأل جهدا في المطالبة بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، والتي يتم الاستفادة منها كقناة تقود نحو سيطرتهم على السلطة.
ولم يعتقد المدنيون أن غول المتطرفين سيكون كبيرا، وتصوروا أن خروج بعض الضباط المحسوبين على النظام السابق من الخدمة يطوي هذه الثغرة، واعتمدوا على أن السودانيين متسامحون ولن يتمكن الإرهابيون من أن يعشعشوا بين جنباتهم.
وحسبت قيادات نافذة في الجيش التوازنات التي تتحكم في هذه المعادلة لأن الأعداد التي تدفقت إلى السودان ليست هينة، والحدود المفتوحة مع دول الجوار تساعد على تقوية شوكة المتشددين، وأي مواجهة مستعجلة قد تكبد الجيش خسائر باهظة، وتنهي مبكرا الفكرة التي يريد ترسيخها بأنه ضامن وحيد لأمن واستقرار السودان.
وكرر رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان هذه النغمة أكثر من مرة، وأعاد التذكير بها نائبه ورئيس قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، ولم تنتبه إلى ذلك جيدا القوى المدنية وتعاملت مع الإشارات المتقطعة على أنها مزايدة هدفها الهيمنة على السلطة فقط.
وحدد المكون العسكري تاريخ البدء في المواجهة عندما وصل إلى مسار مسدود للتفاهم مع نظيره المدني، وأخذت الأمور تزداد تعقيدا في إمكانية التفاهم بين الجانبين، فظهرت الورقة التي يمكن أن يربح بها الجيش في المواجهة، وهي مكافحة الإرهاب.
ويعلم الكثيرون أن الإرهاب كامن وبانتظار لحظة معينة للخروج إلى الفضاء الفسيح، وتكفي البيئة المحيطة بالسودان وتاريخه القريب ليجعلا من المتطرفين جزءا مما يدور في البلاد، التي يمكن أن تغير الكثير من التوازنات الإقليمية.
ولن تكون مواجهتا جنوب الخرطوم أول أو آخر صدام بين الأجهزة الأمنية والإرهابيين، لكنهما البداية التي سوف تؤدي إلى الكثير من المواجهات في أماكن مختلفة ينتشر فيها السلاح بغزارة، والخطورة أن بعض الحركات المسلحة لها روابط مع قوى إسلامية، ما يعني أن السودان سيكون أمام معارك عاصفة تحت بند مكافحة الإرهاب.
وإذا دخلت الأجهزة الأمنية هذه المواجهة بكل ما تملك من قوة مادية، من الطبيعي أن يتوارى وربما يختفي حديث إعادة الهيكلة الذي أخذ يفقد جدواه بعد التوسع في الصراع المباشر مع الإرهابيين، وتصبح جميع القوى مصطفة حول الجيش الذي يخوض هذه المواجهة المصيرية.
ومن المرجح أن تستغرق المعركة سنوات عديدة، ما ينعكس على غالبية الاستحقاقات، وفي مقدمتها تسليم رئاسة مجلس السيادة من قبل المكون العسكري إلى المدني، وقد تتحول مكافحة الإرهاب ومخاطره الداهمة إلى حلقات تبرر عدم مبارحة الجيش للسلطة.