الخميس 7 أكتوبر 2021 - 21:13
د. مرتضي الغالي يكتب: العبادي-4 أحكيلو كل الجاري!


مثلما للعبادي إخوانيات ومداعبات، مثل وصفه لصانعة القهوة وقهوتها وجلستها..وضجره من مكوثه في )تلك البلدة( التي يشير فيها إلى حالة الإغراق في معاقرة الخمور ويسميها )بلد الكجن(، ويقول )لو ربطوا فيها الجن يجن(.. فإن له )كونيات( وتأملات عريضة واستجابة لأحداث العصر وأخبار الكشوفات العلمية يجب ألا تشغلنا عنها المحسنات البديعية واستخدامه لمفردة )المادة( أربع مرات بأربعة معانٍ مختلفة..!!
إنه يتحدث عن )العصر الجديد( الذي زحف بماديته المهيمنة وطغى على عصر الروح.. قال العبادي )زمن الروح مضى وسارت قوافلو الماده/ واتولى الزمام من بعدو عصر الماده/ طبق فينا من قانون أبشع ماده/ وتتجاذبنا تياراتو جازره وماده(..!
وعندما كان العالم يتحدث عن وصول المركبة الفضائية إلى سطح القمر، دارت في ذهن العبادي المفارقة بين التطور العلمي وبين أوضاعنا في السودان أو ربما قصد دول المشرق بحالها..!
قال )من دون العلم ما بندرك الأوطار/ ورجل العلم حلّق في سمانا وطار/ في تصميمو في المريخ يسوّي مطار/ ولسع نحنا في العرضه ورقيص الطار).!!
وغير ذلك له تأملات كثيرة، نصوص مسرحياته العديدة )عفراء- عائشة بين صديقين –الفتاة الحائرة- بيت مومس- الزبير ود رحمة(..
وفي مسرحية المك نمر وحدها يمكن استخراج عشرات الأمثلة والتأملات في أحوال الدنيا على غرار )غاية الحي فناهو إن كان قِصِر أو طوّل/ يترك ذكرو والناس الوراو تتقوّل(، ومثل )بطال البعيش في الدنيا أصلو غناهو/ وإن كان مالو راح غير أهلو مين بدناهو..?(، ومثل )إن مال الشجر بتكسّرن فراعو/ وقمحان لي الطلب لامن يجيبو ضراعو/ ليه يا أهلنا للبيناتنا ما بتراعو/ القال راسو موجعو بربطولو كراعو(..؟َ!، ومثل )عيش ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﻠﻰ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﺮة / ﺍﻟﺰﻳﻦ ﻣﺎ ﺑﺪﻭﻡ ﻭﺍﻟﺰﻭﻝ ﺑﻤﻮﺕ ﻓﺪ ﻣﺮﺓ(، ومثل )الزول في الرقاد شقو البريحو بخبرو/والزول البليد بي ايدو يحفر قبرو(..هذا حال جماعة الإنقاذ..! ومثل ذلك كثير في هذه المسرحية؛ كما أن تأملاته الكونية مبثوثة كذلك في قصائده الغنائية..!
واستخدام البديع والجناس خاصة منتشر في أغاني العبادي وأبو صلاح وخليل فرح وسيد وعبيد وعتيق وأضرابهم من شعراء الفترة؛ ومثلما استخدم العبادي كلمة المادة أربع مرات فعل الخليل ذلك بكلمة “غاير” في مربوعه الدوبيتي )نجومك ولا يا ليل جيش معبأ وغـاير/ وعشمان متلي يا ليل ولا ساكت غـاير..?/ طويل ومسيخ معتّم لاك مريح لاك غـاير/ أضـاير في همومك ويمشي جرحك غـاير..(.
ويبدع الحسن ود سالم في هذا الضرب: )طوّلتَ حاير بي دليل/كايس لِماك ما لقيت دليل/ كاتلاني عندي عليك دليل/عينيك صاد ود الدليل(..وود الدليل هذا خطاط ناسخ مشهور بجمال الخط..هل يمكن أن نقول إن الحسن ود سالم كان إرهاصاً مبكراً بمدرسة الخرطوم التشكيلية الحروفية عند الصلحي وعثمان وقيع الله وشبرين والعريفي، وهو يشبّه جمال العين برسم الحرف )صاد(..?!
وفي هذا النوع من الجناس يقول سيد عبد العزيز في أغنية الملكة الكامل جمالك: )في الوجن الدرّية خالِك/ يُعرب عن آيات بخالك/ والشافك يا ملاك يخالك/ البدرينعمك وخالك(…!!
وعن أبو صلاح حدث ولا حرج..)ريدتك ساكنة الجوف خلالا/ والأعضا امتزجت خلالا/ برّاق سنك شق لالا/ وسهمك صاب أحشاي قلالا( ..وهلمجرا..!
الحنين والشجن الجميل يتجلى في أغنيتين للعبادي من أعمدة غناء تلك الفترة، و)هما يا حليل رياضنا الغنا( وعازة الفراق بي طال.. وهما من أغاني الحنين إلى أم درمان..والأمدرمانيات اشترك في المجاراة فيها معظم نجوم تلك الفترة..!
وفي “يا حليل رياضنا” استهلال جميل فيه ما أشرنا إليه من جناس كامل وناقص )يا ليل حظوظنا الجنا/ ظُرفك علينا تجنا/ أخرجنا من الجنه/ وفي نوار هواها سجنا(، ثم تمضي هكذا..) فقتي الحضر والبادي/ فقتي الختم والبادي/ ساريك يرف عبادي/ يمطر جمر في أكبادي(..)مر يا نسيم بي جاري/ واحكيلو كل الجاري/قول ليهو دمعو الجاري/ في خدودو سوى مجاري(، وفي عازة الفراق بي طال على ذكر الجمر والنار، يقول: )طريت برق الفويطر الشال/ وسال دمعي البكب وشّال/ فقد صبري ومنامي انشال/ لبسْ من ناري عمّه وشال(..!!
الوصف القصصي للعبادي يبدو واضحاً في أغنية )حي ألم البعاد حشش.. كلاي وأجرى.. دمعي أنا شوقي طايل لي ظبية وجره(، وفيها حكاية: )بذكر جلستن يوم جمعه بعد النافله/ ربّات العفاف الطبقتن ما سافله/ دارسات كل فن إلا الأمور الآفله / والعجب الخِلق شبه الأرايل الجافله(..يقول عن هذا الجمع من الحسان في حفلة بحي القلعة )بطراها البدور المايسات في القلعه/ زي الريل حقايب وكالبدور في الطلعه/ من فرط الجمال زايدات نضاره وشلعه/ ويات من كان تجيك تقدح تزيدك ولعه..(..! وفيها عن )النساء الحافلات( أي المتزينّات بالحلى: )يات من كان تصادفك حافله أو غير حافله/ تتناول فؤادك وتمشي منك قافله/ انظر قامه ممشوقه ومضمّره كافله/ ونغماتن تنسيك الفروض والنافله(..!! وفيها: )فرع الياسمين من النسيم يتنى/ سالكة مضمّرة والتنّه فوق التنّه/عبا نهودو كتّل لحظو جا يكتّلنا/ فزنابا الشهاده.. منو اللقاها متلنا(..؟؟!