الجمعة 8 أكتوبر 2021 - 18:26

تواجه الشراكة بين ”المدنيين والعسكريين“ في الحكومة الانتقالية بالسودان تحديات بالغة التعقيد، بعد أن هبت عليها عواصف الخلافات، وأوصلتها إلى مرحلة تعليق الاجتماعات الرسمية المشتركة.
وكانت هذه الشراكة ذات يوم محل احتفاء إقليمي ودولي، ووصفت بأنها نموذج يحتذى به بالنظر لتجارب بعض البلدان في المنطقة التي حدثت فيها تغييرات وثورات شعبية مماثلة.
وبدأت هذه الخلافات في أعقاب المحاولة الانقلابية 22 سبتمبر/ أيلول الماضي، التي قام بها ضباط في القوات المسلحة ومدنيون لهم ارتباطات بنظام الرئيس السابق عمر البشير.
وكتب عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، يومها، تغريدة على صفحته بـ ”فيسبوك“، دعا فيها جماهير الشعب السوداني للنهوض والدفاع عن الثورة ضد الانقلابيين، لكن التغريدة أغضبت المكون العسكري، ومنها بدأت شرارة الحرب الكلامية المتبادلة مع الشركاء المدنيين.
وجرت خلال الأيام الماضية وساطات بين الطرفين في محاولة لإنهاء الخلافات وإنقاذ الشراكة التي باتت تترنح، بعد أن قطعت نصف الفترة الانتقالية في طريق العبور إلى التحول الديمقراطي المنشود وفق الوثيقة الدستورية الحاكمة.
الالتزام بالوثيقة الدستورية
وأرجع المتحدث باسم حزب المؤتمر السوداني، نور الدين بابكر، أسباب هذه الخلافات إلى ”اقتراب فترة انتقال رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، إضافة إلى أطماع العسكريين في الانفراد بالحكم، وبعض التدخلات الدولية التي تريد قطع الانتقال في السودان“.
وقال بابكر لـ“إرم نيوز“ إن ”هذه الخلافات كذلك مرتبطة بإفرازات الظرف التاريخي الذي أنتج هذه الشراكة، والتي جاءت عقب أحداث خلقت مناخا لانعدام الثقة بين المدنيين والعسكريين“.
ومن هذه الأحداث، بحسب نور الدين بابكر، مجزرة فض اعتصام القيادة العامة للجيش، في 3 يونيو/ حزيران 2019، وإعلان العسكريين يومها وقف التفاوض مع قوى الحرية والتغيير، والعزم على تشكيل حكومة من التكنوقراط تقود إلى انتخابات بعد عامين، قبل أن يتراجعوا عن ذلك بعد احتجاجات مليونية في 30 يونيو/ حزيران من العام ذاته.
ورأى أن ”الفترة الأولى من عمر الشراكة شهدت بعض التناغم بين المدنيين والعسكريين؛ بسبب ضعف أداء المكون المدني في الحكومة، الذي سمح للعسكريين بالتدخل في الكثير من الملفات التنفيذية (الاقتصادية والعلاقات الخارجية)، وهو خلاف ما سارت عليه الأمور في الفترة الأخيرة بعد عودة الأحزاب السياسية للمشهد، ما أدى إلى تراجع دور العسكريين“.
واعتبر بابكر أن المخرج الوحيد من الأزمة الراهنة هو الالتزام بالشراكة وبالحدود والمهام الواردة بالوثيقة الدستورية، التي حددت بكل وضوح مهام المكونين المدني والعسكري.
وبحسب الوثيقة الدستورية التي وقعها الطرفان في 18 أغسطس/ آب 2019، فإن رئاسة مجلس السيادة الانتقالي ستكون مناصفة بين المكونين المدني والعسكري، خلال الفترة الانتقالية التي مدتها 39 شهرا من تاريخ التوقيع على الوثيقة.
ونصت الوثيقة على أن تتولى شخصية عسكرية رئاسة مجلس السيادة لمدة 21 شهرا، ثم تترأسه شخصية مدنية لمدة 18 شهرا الباقية من عمر المرحلة الانتقالية.
لكن اتفاق جوبا للسلام الموقع بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، اعتبر أن الفترة الانتقالية تبدأ من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق.
سوء فهم
وقلل اللواء معاش عبد الهادي عبد الله من الخلافات بين المدنيين والعسكريين في الحكومة السودانية، متوقعاً أن ينتهي خلال فترة وجيزة وتمضي شراكة الطرفين إلى الأمام، وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية.
وقال عبد الله لـ“إرم نيوز“ إن طبيعة الخلاف هو سوء فهم بين الطرفين، نتج عقب المحاولة الانقلابية الأخيرة، حيث كان العسكريون يتوقعون الإشادة من المدنيين بعد إحباط المحاولة، لكنهم شعروا بأن البعض يقلل من قيمة مجهودهم، في حين شكك آخرون في صحة الواقعة برمتها، وهو ما قاد إلى التلاسن في العلن.
وأوضح أن ”تجاوز الأزمة الراهنة لا يحتاج إلى وساطة خارجية، وإنما إلى شخصية سودانية مثل محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، يمكن أن يقود وساطة تنجح في إنهاء الخلافات؛ لأن الرجل يجد التقدير من الطرفين، كما أن الشريكين نفسيهما راغبان في تجاوز الخلافات واستمرار الشراكة“.
الفراغ السياسي
من جهته، قال المحلل السياسي خالد الفكي، لـ“إرم نيوز“، إن المخرج من أزمة شركاء الحكم في السودان لن يكون إلا بالعودة للوثيقة الدستورية والتزام كلا الطرفين بتنفيذ جميع البنود، وتقوية مؤسسات الدولة لأجل الاستيفاء بإجراءات ومتطلبات التحول الديمقراطي، وتعزيز مدنية الدولة.
وأوضح أن ”الشراكة بين العسكر والمدنيين في بداياتها مثلت نقطة فارقة في المشهد السياسي السوداني، وكانت نموذجا وجد الإشادة دوليا وإقليميا، لكن عقبات الانتقال والتحول الديمقراطي التي واجهت الطرفين، بجانب الطموح والرغبة من قبل المكون العسكري بالتغول في مساحات المدنيين، صنعت حالة التشاكس والتقاطعات السياسية“.
ونوه الفكي إلى أن إطالة أمد الخلافات والخصومة سيقود البلاد إلى الفراغ السياسي وتمدد التراخي الأمني، وانهيار وشيك للاقتصاد ومفاصله، خاصة بعد شح وندرة السلع والمواد الاستراتيجية للمواطن لإغلاق موانىء وطرق شرق السودان.
وزاد: ”لكن في تقديري أن الشارع الثائر قادر على إحداث الفارق لصالح الثورة كما حدث في 30 يونيو/ حزيران 2019، ما قاد العسكريين إلى التراجع عن رغبة الانفراد بالحكم“.
وأكد أن تعليق الاجتماعات المشتركة بين الطرفين عطل عمل مؤسسات حيوية بالدولة تصدر عنها قرارات تتعلق بقضايا المواطن ومستقبل البلاد.
وقبل يومين أعلن التحالف الحاكم عن تشكيل لجنة من قيادات ”الحرية والتغيير“ للتعامل مع الأزمة الحالية وفق المطالب التي طرحها الشارع السوداني وقوى الثورة والتغيير، وما ورد في مبادرة رئيس الوزراء (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام)؛ للوصول إلى حلول تعزز التحول المدني الديمقراطي.
كذلك أعلن أن قوى الحرية والتغيير ستقوم بطرح رؤية شاملة لكل مكونات ومؤسسات الحكم الانتقالي لحل جميع المشاكل، وإشراك الشعب بجميع الوسائل الممكنة بشفافيةٍ حول مجريات حل الأزمة الراهنة.
ترميم الثقة
بدوره، رأى المحلل السياسي محمد علي فزاري أن تجاوز الأزمة بين شركاء الحكم في السودان يحتاج أولا إلى ترميم جدار الثقة الذي تصدع كثيرا، والعمل بروح الفريق بعيدا عن التصنيف ”مدني وعسكري“؛ لأن التحديات والمخاطر تواجه الجميع دون فرز.
وقال لـ“إرم نيوز“ إنه ”من الضروري الالتزام بالوثيقة الدستورية واتفاقية جوبا للسلام، نصا وروحا، وعدم فتح المجال لأي خروقات مستقبلية، والعمل على استكمال هياكل السلطة الانتقالية“.
ودعا إلى توحيد قوى الثورة من خلال عودة الحزب الشيوعي لتحالف ”قوى الحرية والتغيير“، وتوحيد تجميع المهنيين الذي انقسم إلى اثنين، كما دعا إلى استيعاب القوى التي شاركت النظام السابق وانسحبت قبل سقوطه، ضمن حكومة المرحلة الانتقالية.
وبحسب فزاري، فإن ما أزم العلاقة بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة السودانية هي محاولة صناعة تحالف موازٍ ”لقوى الحرية والتغيير“ من بعض الحركات المسلحة الموقعة على السلام، وبعض الذين تساقطوا من النظام السابق.
وكانت مجموعة من القوى السياسية، بعضها جزء من الحكومة، وقعت الأسبوع الماضي على ”ميثاق التوافق الوطني“، معلنةً ميلاد تحالف جديد موازٍ لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير.
وأبرز الموقعين على المشروع الجديد: مني أركو مناوي رئيس حركة جيش تحرير السودان، جبريل إبراهيم محمد رئيس حركة العدالة والمساواة السودانية، التوم هجو الشيخ رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، علي خليفة عسكوري رئيس التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، الناظر بشرى الصائم (الإدارة الأهلية)، والجنرال خميس جلاب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان.