الخميس 21 أكتوبر 2021 - 6:30

صراع للاستفادة من الأهمية الاستراتيجية للجزر السودانية التي يمكن أن تستخدم كنقاط مراقبة أو في المناورات العسكرية.
الخرطوم – تثير الموانئ والجزر السودانية على البحر الأحمر، ومن بينها بورتسودان الذي يغلقه محتجون، اهتمام واشنطن وموسكو مرورا بأنقرة لأسباب تجارية وأخرى عسكرية، ما يجعلها في قلب صراع جيواستراتيجي.
وتمتد السواحل السودانية على مسافة 714 كيلومترا من مصر شمالا حتى إريتريا جنوبا. وهذه المنطقة الغنية بالذهب والتي تتسم بالتنوع البحري ظلت منذ عقود في قلب صراعات على النفوذ وتحالفات متغيرة في عهد الرئيس السابق عمر حسن البشير الذي حكم السودان بلا منازع لثلاثة عقود قبل أن تطيح به ثورة شعبية في العام 2019.
ويقول مدير الميناء الجنوبي في بورتسودان أحمد محجوب المسؤول عن خدمة الحاويات “الموانئ السودانية يمكنها أن تخدم الدول المغلقة المجاورة للسودان مثل تشاد وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجنوب السودان”.
لكن التجارة عبر ميناء بورتسودان متوقّفة منذ منتصف سبتمبر الماضي بعد أن أغلق محتجون يشكون من عدم تمثيلهم سياسيا بشكل مناسب في السلطة الانتقالية التي تتولى الحكم حاليا الطريق التي تربطه ببقية أجزاء البلاد.
وبسبب غلق الميناء انتقلت عمليات الشحن منذ مطلع أكتوبر الحالي من بورتسودان إلى موانئ الدول المجاورة وخصوصا مصر.
واندلعت الاحتجاجات بسبب اتفاق سلام وقّعته الحكومة في 2020 في جوبا مع حركات التمرد في مختلف مناطق البلاد. وتضمن الاتفاق شقا يخصّ شرق السودان يقول المحتجون إن الموقّعين عليه لا يمثلون الإقليم الساحلي الذي يتميّز بأنواع متنوعة من النباتات خصوصا المانغروف، وبرمال بيضاء والحجر الجيري المرجاني المسامي المستخرج من الشعاب البحرية لاسيما في جزيرة سواكن.
وسواكن ميناء آخر على الساحل السوداني ازدهر في العصر العثماني ولكنه أهمل إبان الاحتلال البريطاني للسودان خصوصا بعد بناء ميناء بورتسودان على بعد 30 كيلومترا إلى الشمال منه مطلع القرن العشرين.
وفي العام 2017 وقّع البشير اتفاقا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تستأجر بموجبه أنقرة هذا الميناء لمدة 99 عاما.
وأغضب الاتفاق دول المنطقة خصوصا مصر التي خشيت من توسع نفوذ أردوغان عند بوابتها الجنوبية، إذ تعتبر القاهرة السودان من الناحية الاستراتيجية فناءها الخلفي.
ويشكّل تواجد تركيا على البحر الأحمر موضوعا ازداد حساسية بالنسبة إلى القاهرة بسبب توتر العلاقات بينها وبين أنقرة منذ إعلان أردوغان دعمه لجماعة الإخوان المسلمين بعد أن أطاح بها الجيش المصري الذي كان يقوده آنذاك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من السلطة في العام 2013.
ويقضي الاتفاق أن تقوم تركيا بترميم مباني المدينة التي تعود إلى العصر العثماني وتبني مركزا لصيانة السفن.
وسواكن واحدة من الجزر السودانية التي يرى باحثون أنها “جزء من الأمن القومي للبلاد”. وإضافة إلى موقعها الاستراتيجي يشير الأستاذ في جامعة بورتسودان أحمد عبدالعزيز إلى أن “هذه الجزر غير مأهولة ما يجعلها مناسبة لنشاط غير قانوني بما في ذلك التهريب”.
وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الجزر 23 ألف كيلومتر مربع، وفق الأستاذة الجامعية شيماء عبدالسميع، أي ما يوازي مساحة جيبوتي الواقعة إلى الجنوب والتي توجد فيها قواعد عسكرية فرنسية وأميركية.
ومع هذه المساحة يمكن للجزر أن تستخدم كنقاط مراقبة أو في المناورات العسكرية. وتسعى دول وأطراف عدة إلى الاستفادة من هذه الأهمية الاستراتيجية للجزر.
وفي عهد البشير رست سفن إيرانية فيها ما أزعج كثيرا السعودية الخصم الإقليمي لإيران.
وفي العام 2017 بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع البشير إنشاء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان لاستضافة 300 من العسكرين وأفراد مدنيين، بما في ذلك سفن تعمل بالطاقة النووية.
وجاءت تلك المباحثات في وقت كان السودان يريد تقوية علاقاته مع روسيا في ظل عقوبات كانت واشنطن تفرضها ضد حكومة البشير.
وأعلنت موسكو العام الماضي أنها وقّعت اتفاقا مع الخرطوم يمتد لخمسة وعشرين عاما لبناء وتشغيل القاعدة. لكن الخرطوم أعلنت في يونيو الماضي أنها “ما زالت تراجع” الاتفاق بعد أن وجدت فيه “بنودا ضارة بمصالحها”. وجاء ذلك في وقت تسعى الخرطوم لتقوية روابطها مع واشنطن بعد الإطاحة بالبشير.
وفي ديسمبر الماضي رفعت الولايات المتحدة السودان من “قائمتها للدول الراعية للإرهاب”. وتبع ذلك لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك. كما زار عدد من المسؤولين العسكريين الأميركيين السودان.
وتشير عبدالسميع إلى أن “البحر الأحمر ممر مائي محوري لحركة الأساطيل العسكرية الأميركية، إذ يربط الأسطول الأميركي السادس في البحر الأبيض المتوسط بالأسطول الخامس في الخليج العربي”. وأضافت “لذا فالتسابق للسيطرة على الموانئ السودانية أمر طبيعي”.