الإثنين 22 نوفمبر 2021 - 20:19
- بعثت عودة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك إلى عمله بموجب اتفاق سياسي وقّعه مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان الأحد جملة من الرسائل التي تؤكد أن الطرفين استفادا من دروس النفق الذي دخلته الأزمة منذ تجميد عدد مهم من بنود الوثيقة الدستورية لإدارة المرحلة الانتقالية.
وتيقنت المؤسسة العسكرية من أنه لا بديل عن التحالف مع المدنيين لعبور المرحلة الانتقالية وأن الانفراد بالسلطة يقود إلى المزيد من الأزمات التي تؤثر مباشرة على تماسك البلاد ووحدتها، لأن قرارات قائد الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي وضعته في مواجهة مباشرة مع الشعب وقوى دولية تؤيد المسار الديمقراطي.
وأدرك حمدوك أنه سيظل عاجزا عن تحقيق نجاحات طالما أنه يحتمي بحاضنة سياسية مشتتة وليست لديها القدرة على بناء نظام ديمقراطي، ووجد في التقارب مع الجيش وسيلة مهمة تساعده في الحفاظ على مكتسبات حققها خلال فترة ترؤّسه حكومتيْن سابقتين.
◄ حمدوك رفض الاستسلام لحل حكومته السابقة واشترط إلغاء قرار عزله، لكنه وافق على صيغة تركيبتها مختلفة عن تلك التي كانت من قبل، وهو ما يفقده جزءا من الدعم السياسي
ووقع البرهان وحمدوك وثيقة الأحد تكونت من أربعة عشر بندا، أبرزها تراجع الأول عن قراره عزل الثاني من منصبه، والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين في البلاد، والإسراع في تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، والالتزام باتفاق جوبا للسلام.
وأكد الطرفان الموقعان على الاتفاق أن الوثيقة الدستورية هي المرجعية الأساسية لاستكمال المرحلة الانتقالية، مع ضرورة القيام بتعديل من أجل توسيع المشاركة السياسية، وتوافقا على إعادة هيكلة لجنة إزالة التمكين.
وأثبتت الوثيقة الجديدة أن الشراكة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن والسبيل لاستقرار وأمن السودان، والعمل على “إنقاذ الشراكة بروح وثيقة مع الالتزام التام بتكوين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة”.
ويرى مراقبون أن البرهان وحمدوك خرجا بصيغة توحي بنتيجة “لا غالب ولا مغلوب”، لأن الأول استطاع أن يحافظ على موقعه على رأس إدارة المرحلة الانتقالية إلى حين إجراء الانتخابات، وتمكن من إزاحة المدنيين الذين شكلوا هاجسا في الحكومة ومجلس السيادة بعد أن بقي المجلس بصيغته التي عدّلها البرهان أخيرا.
ورفض حمدوك الاستسلام لحل حكومته السابقة واشترط إلغاء قرار عزله، لكنه وافق على صيغة تركيبتها مختلفة عن تلك التي كانت من قبل، وهو ما يفقده جزءا من الدعم السياسي الذي كانت توفره له قوى الحرية والتغيير )المجلس المركزي(، ووضع شعبيته في الشارع أمام اختبار في ظل الانقسام السائد حول عودته بهذه الصيغة.
وعبرت مراسم التوقيع في القصر الرئاسي بالخرطوم عن أن هناك قدرا من الانكسار لدى الطرفين، وهو ما يشي بأنه لا يوجد طرف انتصر في معركة تكسير العظام التي استمرت ما يقرب من شهر وبدت فيها الضغوط الخارجية التي تعرض إليها كلاهما هي التي قادت إلى القبول بالصيغة الجديدة التي قامت على التنازل المتبادل كي يتم التأسيس لوضع توافقي في السودان.
وربط متابعون بين التوقيع على الاتفاق وبين الزيارة التي قامت بها إلى الخرطوم مساعدة وزير الخارجية الأميركي مولي في، والتقت خلالها البرهان وحمدوك وقوى مدنية، وكأنها قدمت إنذارا للطرفين منبهة إياهما إلى وجوب التوافق على قاعدة تنازلات متبادلة لعبور الأزمة.
وقال المحلل السوداني محمد تورشين إن الجيش استطاع تمرير الجزء الأكبر من أفكاره لإدارة المرحلة الانتقالية بإبعاد بعض القوى السياسية عن مركز صنع القرار، دون أن تكون هناك محاولات جادة يمكن الأخذ بها على أن هناك تصحيحا حقيقيا لمسار الثورة، وأن العودة إلى كل بنود الوثيقة الدستورية بحاجة إلى تعامل مختلف من الطرفين لضمان الوصول إلى مرحلة الانتخابات.
محمد تورشين: القوى الدولية أصرّت على أن يكون حمدوك على رأس الحكومة
وأضاف لـ”العرب” أن “الوصول إلى الاتفاق السياسي بهذه الكيفية يشي بأن الكثير من التصريحات التي صدرت عن قوى خارجية تحدثت عن دعم التحول الديمقراطي لم تكن صادقة تماما، وأنها هدفت للوصول إلى التهدئة لضمان عدم تفكك السودان في ظل حرب أهلية مشتعلة في الجارة إثيوبيا”.
وأوضح أن القوى الدولية الفاعلة أصرت على أن يكون حمدوك على رأس الحكومة الجديدة باعتباره شخصية محورية في المعادلة السياسية حاليا، إلى جانب أنه يشكل صمام أمان لمصالح عدة قوى إقليمية ودولية، ويشكل وجوده ضمانا لاستمرار الدعم الغربي للسودان، وهو ما دفع البرهان إلى القبول به بعد أن وجدت المؤسسة العسكرية نفسها دون غطاء اقتصادي يساعدها على تجاوز المرحلة المقبلة، بما يقوض قدرتها على ضبط الشارع لاحقا.
ويواجه الاتفاق الجديد عثرات عديدة سوف تحدد مدى قدرته على الصمود؛ لأن بعض القوى السياسية، وعلى رأسها حزب الأمة القومي، وعددا من أحزاب تحالف الحرية والتغيير )المجلس المركزي( أعلنت رفضها للاتفاق الذي أزاحها من صدارة المشهد السياسي لتحل مكانها قوى مدنية أخرى على رأسها مجموعة الميثاق الوطني والحركات المسلحة.
وأشار حزب الأمة في بيان له الأحد إلى “رفض أي اتفاق سياسي لا يخاطب جذور الأزمة التي أنتجها الانقلاب العسكري وتداعياتها من قتل للثوار الذي يستوجب المحاسبة”، وشدد على أنه “لن يكون طرفا في أي اتفاق لا يلبي تطلعات الثوار والشعب السوداني قاطبة”، معربا عن “ثقته في المقاومة الباسلة والمنتصرة”.
وهو نفس الموقف الذي اتخذته مجموعة المجلس المركزي وتجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة وعدد من منظمات المجتمع المدني في دارفور وبعض الولايات، ما يضع العراقيل أمام حمدوك في سعيه ليكون له غطاء سياسي واسع.
وقالت مصادر سودانية لـ”العرب” إن “المواقف الحادة من هؤلاء يمكن أن تصب في صالح حمدوك، من زاوية أنها تخفف الضغوط الواقعة عليه من الجيش ومجلس السيادة الذي بات مشرفا على تنفيذ حكومته المهام المنوطة بها، وهي صيغة غامضة يمكن أن تحدث خلافات سياسية لاحقا”.
وتوقعت المصادر ذاتها أن يحسم الشارع مدى القبول بالاتفاق السياسي من عدمه، وأن ثمة سيناريوهات مفتوحة على كافة الاحتمالات مع انعدام الثقة في قيادات الجيش وقوات الدعم السريع، وتكرار الديباجة نفسها في اتفاقات لم يجر تنفيذها على الأرض.
وحسب رأي هذه المصادر فإن الوجوه المدنية التي دعمت تحركات الجيش في انقلابه العسكري أضحت منبوذة، ولن يكون من السهل القبول بها في مواقع سياسية الفترة المقبلة، وقد تندلع احتجاجات أخرى تتوقف قوتها على مدى اقتناع الشارع بالاتفاق.
- بعثت عودة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك إلى عمله بموجب اتفاق سياسي وقّعه مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان الأحد جملة من الرسائل التي تؤكد أن الطرفين استفادا من دروس النفق الذي دخلته الأزمة منذ تجميد عدد مهم من بنود الوثيقة الدستورية لإدارة المرحلة الانتقالية.
وتيقنت المؤسسة العسكرية من أنه لا بديل عن التحالف مع المدنيين لعبور المرحلة الانتقالية وأن الانفراد بالسلطة يقود إلى المزيد من الأزمات التي تؤثر مباشرة على تماسك البلاد ووحدتها، لأن قرارات قائد الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي وضعته في مواجهة مباشرة مع الشعب وقوى دولية تؤيد المسار الديمقراطي.
وأدرك حمدوك أنه سيظل عاجزا عن تحقيق نجاحات طالما أنه يحتمي بحاضنة سياسية مشتتة وليست لديها القدرة على بناء نظام ديمقراطي، ووجد في التقارب مع الجيش وسيلة مهمة تساعده في الحفاظ على مكتسبات حققها خلال فترة ترؤّسه حكومتيْن سابقتين.
◄ حمدوك رفض الاستسلام لحل حكومته السابقة واشترط إلغاء قرار عزله، لكنه وافق على صيغة تركيبتها مختلفة عن تلك التي كانت من قبل، وهو ما يفقده جزءا من الدعم السياسي
ووقع البرهان وحمدوك وثيقة الأحد تكونت من أربعة عشر بندا، أبرزها تراجع الأول عن قراره عزل الثاني من منصبه، والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين في البلاد، والإسراع في تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، والالتزام باتفاق جوبا للسلام.
وأكد الطرفان الموقعان على الاتفاق أن الوثيقة الدستورية هي المرجعية الأساسية لاستكمال المرحلة الانتقالية، مع ضرورة القيام بتعديل من أجل توسيع المشاركة السياسية، وتوافقا على إعادة هيكلة لجنة إزالة التمكين.
وأثبتت الوثيقة الجديدة أن الشراكة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن والسبيل لاستقرار وأمن السودان، والعمل على “إنقاذ الشراكة بروح وثيقة مع الالتزام التام بتكوين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة”.
ويرى مراقبون أن البرهان وحمدوك خرجا بصيغة توحي بنتيجة “لا غالب ولا مغلوب”، لأن الأول استطاع أن يحافظ على موقعه على رأس إدارة المرحلة الانتقالية إلى حين إجراء الانتخابات، وتمكن من إزاحة المدنيين الذين شكلوا هاجسا في الحكومة ومجلس السيادة بعد أن بقي المجلس بصيغته التي عدّلها البرهان أخيرا.
ورفض حمدوك الاستسلام لحل حكومته السابقة واشترط إلغاء قرار عزله، لكنه وافق على صيغة تركيبتها مختلفة عن تلك التي كانت من قبل، وهو ما يفقده جزءا من الدعم السياسي الذي كانت توفره له قوى الحرية والتغيير )المجلس المركزي(، ووضع شعبيته في الشارع أمام اختبار في ظل الانقسام السائد حول عودته بهذه الصيغة.
وعبرت مراسم التوقيع في القصر الرئاسي بالخرطوم عن أن هناك قدرا من الانكسار لدى الطرفين، وهو ما يشي بأنه لا يوجد طرف انتصر في معركة تكسير العظام التي استمرت ما يقرب من شهر وبدت فيها الضغوط الخارجية التي تعرض إليها كلاهما هي التي قادت إلى القبول بالصيغة الجديدة التي قامت على التنازل المتبادل كي يتم التأسيس لوضع توافقي في السودان.
وربط متابعون بين التوقيع على الاتفاق وبين الزيارة التي قامت بها إلى الخرطوم مساعدة وزير الخارجية الأميركي مولي في، والتقت خلالها البرهان وحمدوك وقوى مدنية، وكأنها قدمت إنذارا للطرفين منبهة إياهما إلى وجوب التوافق على قاعدة تنازلات متبادلة لعبور الأزمة.
وقال المحلل السوداني محمد تورشين إن الجيش استطاع تمرير الجزء الأكبر من أفكاره لإدارة المرحلة الانتقالية بإبعاد بعض القوى السياسية عن مركز صنع القرار، دون أن تكون هناك محاولات جادة يمكن الأخذ بها على أن هناك تصحيحا حقيقيا لمسار الثورة، وأن العودة إلى كل بنود الوثيقة الدستورية بحاجة إلى تعامل مختلف من الطرفين لضمان الوصول إلى مرحلة الانتخابات.
محمد تورشين: القوى الدولية أصرّت على أن يكون حمدوك على رأس الحكومة
وأضاف لـ”العرب” أن “الوصول إلى الاتفاق السياسي بهذه الكيفية يشي بأن الكثير من التصريحات التي صدرت عن قوى خارجية تحدثت عن دعم التحول الديمقراطي لم تكن صادقة تماما، وأنها هدفت للوصول إلى التهدئة لضمان عدم تفكك السودان في ظل حرب أهلية مشتعلة في الجارة إثيوبيا”.
وأوضح أن القوى الدولية الفاعلة أصرت على أن يكون حمدوك على رأس الحكومة الجديدة باعتباره شخصية محورية في المعادلة السياسية حاليا، إلى جانب أنه يشكل صمام أمان لمصالح عدة قوى إقليمية ودولية، ويشكل وجوده ضمانا لاستمرار الدعم الغربي للسودان، وهو ما دفع البرهان إلى القبول به بعد أن وجدت المؤسسة العسكرية نفسها دون غطاء اقتصادي يساعدها على تجاوز المرحلة المقبلة، بما يقوض قدرتها على ضبط الشارع لاحقا.
ويواجه الاتفاق الجديد عثرات عديدة سوف تحدد مدى قدرته على الصمود؛ لأن بعض القوى السياسية، وعلى رأسها حزب الأمة القومي، وعددا من أحزاب تحالف الحرية والتغيير )المجلس المركزي( أعلنت رفضها للاتفاق الذي أزاحها من صدارة المشهد السياسي لتحل مكانها قوى مدنية أخرى على رأسها مجموعة الميثاق الوطني والحركات المسلحة.
وأشار حزب الأمة في بيان له الأحد إلى “رفض أي اتفاق سياسي لا يخاطب جذور الأزمة التي أنتجها الانقلاب العسكري وتداعياتها من قتل للثوار الذي يستوجب المحاسبة”، وشدد على أنه “لن يكون طرفا في أي اتفاق لا يلبي تطلعات الثوار والشعب السوداني قاطبة”، معربا عن “ثقته في المقاومة الباسلة والمنتصرة”.
وهو نفس الموقف الذي اتخذته مجموعة المجلس المركزي وتجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة وعدد من منظمات المجتمع المدني في دارفور وبعض الولايات، ما يضع العراقيل أمام حمدوك في سعيه ليكون له غطاء سياسي واسع.
وقالت مصادر سودانية لـ”العرب” إن “المواقف الحادة من هؤلاء يمكن أن تصب في صالح حمدوك، من زاوية أنها تخفف الضغوط الواقعة عليه من الجيش ومجلس السيادة الذي بات مشرفا على تنفيذ حكومته المهام المنوطة بها، وهي صيغة غامضة يمكن أن تحدث خلافات سياسية لاحقا”.
وتوقعت المصادر ذاتها أن يحسم الشارع مدى القبول بالاتفاق السياسي من عدمه، وأن ثمة سيناريوهات مفتوحة على كافة الاحتمالات مع انعدام الثقة في قيادات الجيش وقوات الدعم السريع، وتكرار الديباجة نفسها في اتفاقات لم يجر تنفيذها على الأرض.
وحسب رأي هذه المصادر فإن الوجوه المدنية التي دعمت تحركات الجيش في انقلابه العسكري أضحت منبوذة، ولن يكون من السهل القبول بها في مواقع سياسية الفترة المقبلة، وقد تندلع احتجاجات أخرى تتوقف قوتها على مدى اقتناع الشارع بالاتفاق.