الأربعاء 24 نوفمبر 2021 - 7:00
ما إن وقع الاتفاق السياسي بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، ورئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك، الأحد 21 نوفمبر )تشرين الثاني(، ليعود الأخير إلى منصبه الذي عزل منه قرابة الشهر، حتى بدأ الشارع السوداني يفسر كثيراً من بنود الاتفاق، ومآلاتها على المشهد السياسي، ويطرح عديداً من التساؤلات.
وأبرز تلك الأسئلة، هل ينطبق قرار تكوين الحكومة المدنية المقبلة التي سيشكلها حمدوك من الكفاءات الوطنية )التكنوقراط( على الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام في أكتوبر )تشرين الأول( 2020، بخاصة أن القرار منح رئيس الوزراء الصلاحية المطلقة في تشكيل حكومته دون قيد أو شرط؟ وما رؤية الحركات المسلحة والمراقبين في الساحة السياسية لهذا التوجه الجديد؟ وهل يتعارض مع اتفاقية السلام أم ماذا؟
قالوا إنهم ملتزمون بالاتفاق السياسي الذي وقع أخيراً ولا سبيل سوى الحوار مع رئيس الوزراء للوصول إلى حل
وضع استثنائي
في هذا السياق، يقول الناطق الرسمي باسم تجمع قوى تحرير السودان، فتحي عثمان، “نحن كحركات مسلحة موقعة على اتفاقية جوبا للسلام يجب أن تستثنى في كثير من الشروط المتعلقة بقضايا الحكم في البلاد، لأن ظروف الحرب التي اندلعت في دارفور منذ عام 2003 فرضت علينا واقعاً مؤلماً، حيث لم يتح لعناصرنا التأهيل الأكاديمي العالي والخبرات المتراكمة في كل ما يتصل بشؤون الحياة العامة، كما لم يحظَ إقليم دارفور بفرص كافية في التعليم والتدريب والتأهيل كبقية أقاليم السودان الأخرى، حتى نلزم بكفاءات )تكنوقراط( كشرط للمشاركة في أجهزة الدولة المختلفة”، مؤكداً أنه على الرغم من ذلك فقد أثبت الوزراء السبعة للحركات المسلحة في حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك السابقة “كفاءة عالية في الأداء، وأدوا دورهم على أكمل وجه”.
وأضاف عثمان، “في اعتقادنا، أنه بالنظر إلى حساسية الموقف ولمصلحة البلاد ينبغي علينا ابتداء حوار مع رئيس الوزراء، وبالتأكيد من خلال النقاش المستفيض سنصل إلى نتيجة، لأنه ليس لدينا سبيل غير الحوار الجاد والبناء، لأن موقفنا ثابت وواضح بأنه لا بد من العبور بالسودان إلى بر الأمان خلال هذه الفترة الانتقالية، التي تشهد تحديات عصيبة تتطلب الحكمة وإعلاء صوت العقل”، لافتاً إلى أنه ليس لديهم إشكال أو موقف من حكومة التكنوقراط، لأنها مطلب الشارع السوداني، فضلاً عن كونها أحد البنود الأساسية في الوثيقة الدستورية، لكن هذا الشرط يتنافى مع اتفاقية السلام، وهي مضمنة في الوثيقة الدستورية، بالتالي يصبح هناك إلزام في التنفيذ.
ونوه الناطق باسم تجمع تحرير السودان، إلى أنه لا يرى أن هناك تناقضاً في مواقف الحركات المسلحة، بخاصة تلك التي تنضوي تحت مظلة قوى الحرية والتغيير )الميثاق الوطني( التي كانت تطالب بحكومة كفاءات خلال الأزمة السياسية، وفي الوقت نفسه تطلب استثناءها من هذا الشرط، مشيراً بقوله “لا أرى أن هناك تناقضاً، لأننا كحركات مسلحة لنا وضع استثنائي خاص متضمن في اتفاق ملزم لجميع الأطراف، ونعتقد أنه لا بد من التوافق من أجل السلام، والعمل سوياً لتهيئة الأجواء الصالحة للبناء، باعتبار أن السلام هو مفتاح للعملية السلمية والاستقرار، وعلينا ألا نرجع إلى المربع القديم”.
اتفاق واضح
في الصعيد ذاته، قال الأمين السياسي في حركة العدل والمساواة سليمان صندل، “ما يدور من أحاديث حول عدم استثناء وزراء أطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام من حكومة التكنوقراط المقبلة، كلام خارج السياق وغير موفق، لأن سلام جوبا جاء باتفاق واضح النصوص يتضمن كيفية المشاركة في كل أجهزة الدولة المعنية، سواء في مجلس الوزراء، أو المجلس السيادي، أو المجلس التشريعي، وغيرها، وهو اتفاق واجب النفاذ بشكل واضح”.
وأضاف صندل، “أي حديث ليس في السياق لا يعنينا بشيء، ولن ينفذ، فاتفاقية السلام تحدثت أنه في حال تعارضت مع الوثيقة الدستورية تسود الاتفاقية، بالتالي لا بد من الالتزام ببنود السلام بشكل صارم، وأي محاولة للنكوص عن اتفاقية السلام مضر، ونحن حريصون للغاية على هذه الاتفاقية وكل ما ورد فيها من نصوص”.
نقاش ووعود
من جانبه، ذكر نائب رئيس جبهة كفاح السودانية، والقيادي في التحالف السوداني والجبهة الثورية حذيفة محيي الدين البلول، أنهم “ملتزمون بالاتفاق السياسي الذي وقع أخيراً بين البرهان وحمدوك، ونصوصه التي أسهمت في معالجة الأزمة السياسية، فهذا الاتفاق في رأينا جاء لحقن دماء الشباب والثوار، وسيسهم دون أدنى شك في تأمين الانتقال والتحول المدني الديمقراطي”.
وواصل البلول، “فيما يتعلق بمسألة تشكيل حكومة تكنوقراط دون استثناء الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام جرى نقاشها أخيراً مع ممثلين لمكونات أطراف العملية السلمية، وجرى الوعد بالرد بعد اجتماع خاص تعقده القيادة المعنية باتفاقية السلام مع الجبهة الثورية خلال اليومين المقبلين، لكن بشكل عام إن أطراف العملية السلمية مدركة التعقيدات التي تمر بها البلاد ومتفهمة طبيعة المشكلة، ما يجعلها تسهم في مساعدة حمدوك لإكمال ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية، بخاصة أن أطراف العملية السلمية دعمت الاتفاق السياسي وستساعد في تسهيل تنفيذه”.
ويعتقد رئيس جبهة كفاح السودانية، أن أي حديث عما سيتخذ من مواقف من قبل الحركات المسلحة في حال عدم استثنائها من شرط توافر عنصر الكفاءات وفق المعايير التي ستتخذ لاختيار الوزراء والمسؤولين في أجهزة الحكم المدني، سابق لأوانه حالياً.
منافع ومحاصصات
في المقابل، أشار عضو هيئة محامي دارفور، ومدير معهد السودان للديمقراطية الصادق علي حسن، إلى أن “ما يجري الآن في المشهد السوداني هو تبادل مصالح ومنافع، فهو مجرد مكافآت متبادلة، فالوعود التي تحدث عنها حمدوك خلال حفل توقيع الاتفاق السياسي مجرد مخاطبات وكلام للاستهلاك، وواقع الحال يقول إن الموجودين من الحركات المسلحة في المسرح السياسي غير مؤهلين، حيث يفتقدون التأهل الفني والأكاديمي، ولا يعتبرون كفاءات حقيقية، فهم أشخاص جاؤوا للتجييش فقط من خلال البحث عن الوظائف والغنائم بطريقة غير أخلاقية”.
وتابع حسن، “اتضح من خلال مجريات الأحداث، أن الحركات المسلحة ليس لديها مواقف، سواء على مستوى قضايا السودان عموماً، أو دارفور خصوصاً، فقد سعت لتفصيل اتفاقية جوبا للسلام لمصالحها، وركزت في هذه الاتفاقية على هذا الشيء، بل جعلتها اتفاقية مطلبية وسلطوية، وليس من أجل أهل دارفور ومطالبهم المعروفة، سواء التنمية والعدالة وقضايا النازحين واللاجئين، وغيرها الكثير، لذلك سقطت هذه الحركات سقوطاً أخلاقياً في المجتمع الدارفوري، وأصبح ليس لها تأثير في الشارع لافتقارها للمبادئ”.
وأضاف عضو هيئة محامي دارفور، “في نظري أن ما يتحدث عنه قادة الحركات المسلحة من اتفاقيات لا معنى لها، لأنها لا تصب في مصلحة أصحاب المصلحة الحقيقيين، فهؤلاء القادة ومن خلفهم كانوا ردحاً من الزمن يعيشون في دول أوروبا وأميركا، وبعيدين عن العمل العام، وواقع البلاد، وخصوصاً دارفور التي يتحدثون بلسانها، فهم لا يمثلون إضافة، سواء لدارفور أو السودان، جاؤوا من أجل محاصصات ذاتية، ولا يمثلون شيئاً فيما يتعلق بمسألة التطور المستقبلي للسودان، وهو في اعتقادي أمر سيتولاه الشباب في الحراك الثوري الآن في الشارع السوداني، فهم من ضحوا بدمائهم، ودفعوا ثمن الثورة، فإذا انتظم هؤلاء الشباب في مجموعات سيكون لبلادنا مستقبلاً مشرقاً، لأن غالبيتهم لم يكن هدفه الوظائف والغنائم والمحاصصات، بل خرج للشارع من أجل الحرية والعدالة والسلام، وبناء الوطن”.
14 بنداً
وبإعلان الاتفاق السياسي الثنائي بين البرهان وحمدوك، يكون السودان قد طوى أزمة سياسية تطاول أمدها، وشهدت وساطات دولية ومحلية وإقليمية مورست خلالها ضغوط على المكون العسكري، أدت إلى توقيع هذا الاتفاق الذي يتضمن 14 بنداً، حيث أكد أن “الوثيقة الدستورية لعام 2019 )تعديل 2020( المرجعية الأساسية لاستكمال الفترة الانتقالية مع مراعاة الوضعية الخاصة لشرق السودان والعمل المشترك على معالجتها بصورة ترضي أهل الشرق، وتضمن الاستقرار، مع تعديل الوثيقة بالتوافق بما يحقق مشاركة سياسية شاملة وواسعة لمكونات المجتمع السوداني جميعاً باستثناء حزب المؤتمر الوطني المحلول”.
كما أكد الطرفان في الاتفاق أن “الشراكة القائمة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن لاستقرار وأمن السودان، لذلك اتفقا على إنفاذ الشراكة بروح الثقة والالتزام التام بتكوين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة )تكنوقراط(، وضمان انتقال السلطة في موعدها المحدد يوليو )تموز( 2023 إلى حكومة مدنية منتخبة”.
إلى جانب تأكيد الاتفاق إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، تعهد الطرفان في الاتفاق بإدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان سياسي يحدد إطار الشراكة بين القوى الوطنية )السياسية والمدنية( مع المكون العسكري والإدارة الأهلية ولجان المقاومة وقوى الثورة الحية وقطاعات الشباب والمرأة ورجالات الطرق الصوفية.
تحقيق وشراكة
كذلك تعهد الجانبان بموجب الاتفاق، بالعمل على بناء جيش قومي موحد وتنفيذ اتفاق سلام جوبا واستكمال الاستحقاقات الناشئة بموجبه وإلحاق غير الموقعين على الاتفاق وبدء حوار موسع وشفاف بين كل القوى السياسية والمجتمعية وقوى الثورة الحية، يؤسس لقيام المؤتمر الدستوري والإسراع في استكمال مؤسسات الحكم الانتقالي بتكوين المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وتعيين رئيس القضاء والنائب العام، يتبعها تكوين المفوضيات ومؤسسات الانتقال الأخرى ومباشرة مهامها فوراً وفق جداول زمنية محددة.
كما شمل الاتفاق السياسي التحقيق في الأحداث التي جرت في أثناء التظاهرات من إصابات ووفيات وسط المدنيين والعسكريين وتقديم الجناة إلى المحاكمة، وضرورة إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو )حزيران(، مع مراجعة أدائها في الفترة السابقة، ودعمها بالكوادر المؤهلة في التخصصات والخبرات اللازمة بما يمكنها من أداء عملها بصورة ناجزة وعادلة، مع تفعيل لجنة الاستئنافات ومراجعة قراراتها وفقاً لدرجات التقاضي المقررة قانوناً.
وحول العلاقات المؤسسية، اعتبر الاتفاق مجلس السيادة الانتقالي مشرفاً فقط على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية، وفق نص المادة )8( في الوثيقة الدستورية، من دون التدخل المباشر في العمل التنفيذي.
تحصين الانتقال
في حين قال البرهان خلال مراسم التوقيع في القصر الجمهوري إن “الاتفاق يؤسس لفترة انتقالية خالية من الأخطاء، ولشراكة حقيقية وصولاً إلى انتخابات عامة حرة ونزيهة”، وأشار إلى “حجم التضحيات وأهمية حقن دماء أبناء السودان وإبقاء الشراكة الانتقالية على اتحاد والتوافق مهما بلغت الخلافات”.
من جانبه، عدد حمدوك الأسباب التي دفعته إلى التوقيع على الاتفاق السياسي الإطاري، لخصها في “تحصين الانتقال الديمقراطي بتوسيع قاعدته، وحقن دماء السودانيين الغالية، وتوفير طاقات الشباب للبناء والتعمير وفك الاحتقان الداخلي والخارجي، والمحافظة على المكتسبات التي تحققت خلال العامين الماضيين على صعيد الانفتاح الخارجي”، مؤكداً أنه “على استعداد للعمل مع الآخر من أجل المضي بالبلاد إلى الأمام”. وشدد على ضرورة “سد الفجوة لتوحيد قوى الشعب الحية للمحافظة على البلد”، معرباً عن شكره لكل الجهود المحافظة على مصلحة البلاد في الداخل والخارج.
ما إن وقع الاتفاق السياسي بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، ورئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك، الأحد 21 نوفمبر )تشرين الثاني(، ليعود الأخير إلى منصبه الذي عزل منه قرابة الشهر، حتى بدأ الشارع السوداني يفسر كثيراً من بنود الاتفاق، ومآلاتها على المشهد السياسي، ويطرح عديداً من التساؤلات.
وأبرز تلك الأسئلة، هل ينطبق قرار تكوين الحكومة المدنية المقبلة التي سيشكلها حمدوك من الكفاءات الوطنية )التكنوقراط( على الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام في أكتوبر )تشرين الأول( 2020، بخاصة أن القرار منح رئيس الوزراء الصلاحية المطلقة في تشكيل حكومته دون قيد أو شرط؟ وما رؤية الحركات المسلحة والمراقبين في الساحة السياسية لهذا التوجه الجديد؟ وهل يتعارض مع اتفاقية السلام أم ماذا؟
قالوا إنهم ملتزمون بالاتفاق السياسي الذي وقع أخيراً ولا سبيل سوى الحوار مع رئيس الوزراء للوصول إلى حل
وضع استثنائي
في هذا السياق، يقول الناطق الرسمي باسم تجمع قوى تحرير السودان، فتحي عثمان، “نحن كحركات مسلحة موقعة على اتفاقية جوبا للسلام يجب أن تستثنى في كثير من الشروط المتعلقة بقضايا الحكم في البلاد، لأن ظروف الحرب التي اندلعت في دارفور منذ عام 2003 فرضت علينا واقعاً مؤلماً، حيث لم يتح لعناصرنا التأهيل الأكاديمي العالي والخبرات المتراكمة في كل ما يتصل بشؤون الحياة العامة، كما لم يحظَ إقليم دارفور بفرص كافية في التعليم والتدريب والتأهيل كبقية أقاليم السودان الأخرى، حتى نلزم بكفاءات )تكنوقراط( كشرط للمشاركة في أجهزة الدولة المختلفة”، مؤكداً أنه على الرغم من ذلك فقد أثبت الوزراء السبعة للحركات المسلحة في حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك السابقة “كفاءة عالية في الأداء، وأدوا دورهم على أكمل وجه”.
وأضاف عثمان، “في اعتقادنا، أنه بالنظر إلى حساسية الموقف ولمصلحة البلاد ينبغي علينا ابتداء حوار مع رئيس الوزراء، وبالتأكيد من خلال النقاش المستفيض سنصل إلى نتيجة، لأنه ليس لدينا سبيل غير الحوار الجاد والبناء، لأن موقفنا ثابت وواضح بأنه لا بد من العبور بالسودان إلى بر الأمان خلال هذه الفترة الانتقالية، التي تشهد تحديات عصيبة تتطلب الحكمة وإعلاء صوت العقل”، لافتاً إلى أنه ليس لديهم إشكال أو موقف من حكومة التكنوقراط، لأنها مطلب الشارع السوداني، فضلاً عن كونها أحد البنود الأساسية في الوثيقة الدستورية، لكن هذا الشرط يتنافى مع اتفاقية السلام، وهي مضمنة في الوثيقة الدستورية، بالتالي يصبح هناك إلزام في التنفيذ.
ونوه الناطق باسم تجمع تحرير السودان، إلى أنه لا يرى أن هناك تناقضاً في مواقف الحركات المسلحة، بخاصة تلك التي تنضوي تحت مظلة قوى الحرية والتغيير )الميثاق الوطني( التي كانت تطالب بحكومة كفاءات خلال الأزمة السياسية، وفي الوقت نفسه تطلب استثناءها من هذا الشرط، مشيراً بقوله “لا أرى أن هناك تناقضاً، لأننا كحركات مسلحة لنا وضع استثنائي خاص متضمن في اتفاق ملزم لجميع الأطراف، ونعتقد أنه لا بد من التوافق من أجل السلام، والعمل سوياً لتهيئة الأجواء الصالحة للبناء، باعتبار أن السلام هو مفتاح للعملية السلمية والاستقرار، وعلينا ألا نرجع إلى المربع القديم”.
اتفاق واضح
في الصعيد ذاته، قال الأمين السياسي في حركة العدل والمساواة سليمان صندل، “ما يدور من أحاديث حول عدم استثناء وزراء أطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام من حكومة التكنوقراط المقبلة، كلام خارج السياق وغير موفق، لأن سلام جوبا جاء باتفاق واضح النصوص يتضمن كيفية المشاركة في كل أجهزة الدولة المعنية، سواء في مجلس الوزراء، أو المجلس السيادي، أو المجلس التشريعي، وغيرها، وهو اتفاق واجب النفاذ بشكل واضح”.
وأضاف صندل، “أي حديث ليس في السياق لا يعنينا بشيء، ولن ينفذ، فاتفاقية السلام تحدثت أنه في حال تعارضت مع الوثيقة الدستورية تسود الاتفاقية، بالتالي لا بد من الالتزام ببنود السلام بشكل صارم، وأي محاولة للنكوص عن اتفاقية السلام مضر، ونحن حريصون للغاية على هذه الاتفاقية وكل ما ورد فيها من نصوص”.
نقاش ووعود
من جانبه، ذكر نائب رئيس جبهة كفاح السودانية، والقيادي في التحالف السوداني والجبهة الثورية حذيفة محيي الدين البلول، أنهم “ملتزمون بالاتفاق السياسي الذي وقع أخيراً بين البرهان وحمدوك، ونصوصه التي أسهمت في معالجة الأزمة السياسية، فهذا الاتفاق في رأينا جاء لحقن دماء الشباب والثوار، وسيسهم دون أدنى شك في تأمين الانتقال والتحول المدني الديمقراطي”.
وواصل البلول، “فيما يتعلق بمسألة تشكيل حكومة تكنوقراط دون استثناء الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام جرى نقاشها أخيراً مع ممثلين لمكونات أطراف العملية السلمية، وجرى الوعد بالرد بعد اجتماع خاص تعقده القيادة المعنية باتفاقية السلام مع الجبهة الثورية خلال اليومين المقبلين، لكن بشكل عام إن أطراف العملية السلمية مدركة التعقيدات التي تمر بها البلاد ومتفهمة طبيعة المشكلة، ما يجعلها تسهم في مساعدة حمدوك لإكمال ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية، بخاصة أن أطراف العملية السلمية دعمت الاتفاق السياسي وستساعد في تسهيل تنفيذه”.
ويعتقد رئيس جبهة كفاح السودانية، أن أي حديث عما سيتخذ من مواقف من قبل الحركات المسلحة في حال عدم استثنائها من شرط توافر عنصر الكفاءات وفق المعايير التي ستتخذ لاختيار الوزراء والمسؤولين في أجهزة الحكم المدني، سابق لأوانه حالياً.
منافع ومحاصصات
في المقابل، أشار عضو هيئة محامي دارفور، ومدير معهد السودان للديمقراطية الصادق علي حسن، إلى أن “ما يجري الآن في المشهد السوداني هو تبادل مصالح ومنافع، فهو مجرد مكافآت متبادلة، فالوعود التي تحدث عنها حمدوك خلال حفل توقيع الاتفاق السياسي مجرد مخاطبات وكلام للاستهلاك، وواقع الحال يقول إن الموجودين من الحركات المسلحة في المسرح السياسي غير مؤهلين، حيث يفتقدون التأهل الفني والأكاديمي، ولا يعتبرون كفاءات حقيقية، فهم أشخاص جاؤوا للتجييش فقط من خلال البحث عن الوظائف والغنائم بطريقة غير أخلاقية”.
وتابع حسن، “اتضح من خلال مجريات الأحداث، أن الحركات المسلحة ليس لديها مواقف، سواء على مستوى قضايا السودان عموماً، أو دارفور خصوصاً، فقد سعت لتفصيل اتفاقية جوبا للسلام لمصالحها، وركزت في هذه الاتفاقية على هذا الشيء، بل جعلتها اتفاقية مطلبية وسلطوية، وليس من أجل أهل دارفور ومطالبهم المعروفة، سواء التنمية والعدالة وقضايا النازحين واللاجئين، وغيرها الكثير، لذلك سقطت هذه الحركات سقوطاً أخلاقياً في المجتمع الدارفوري، وأصبح ليس لها تأثير في الشارع لافتقارها للمبادئ”.
وأضاف عضو هيئة محامي دارفور، “في نظري أن ما يتحدث عنه قادة الحركات المسلحة من اتفاقيات لا معنى لها، لأنها لا تصب في مصلحة أصحاب المصلحة الحقيقيين، فهؤلاء القادة ومن خلفهم كانوا ردحاً من الزمن يعيشون في دول أوروبا وأميركا، وبعيدين عن العمل العام، وواقع البلاد، وخصوصاً دارفور التي يتحدثون بلسانها، فهم لا يمثلون إضافة، سواء لدارفور أو السودان، جاؤوا من أجل محاصصات ذاتية، ولا يمثلون شيئاً فيما يتعلق بمسألة التطور المستقبلي للسودان، وهو في اعتقادي أمر سيتولاه الشباب في الحراك الثوري الآن في الشارع السوداني، فهم من ضحوا بدمائهم، ودفعوا ثمن الثورة، فإذا انتظم هؤلاء الشباب في مجموعات سيكون لبلادنا مستقبلاً مشرقاً، لأن غالبيتهم لم يكن هدفه الوظائف والغنائم والمحاصصات، بل خرج للشارع من أجل الحرية والعدالة والسلام، وبناء الوطن”.
14 بنداً
وبإعلان الاتفاق السياسي الثنائي بين البرهان وحمدوك، يكون السودان قد طوى أزمة سياسية تطاول أمدها، وشهدت وساطات دولية ومحلية وإقليمية مورست خلالها ضغوط على المكون العسكري، أدت إلى توقيع هذا الاتفاق الذي يتضمن 14 بنداً، حيث أكد أن “الوثيقة الدستورية لعام 2019 )تعديل 2020( المرجعية الأساسية لاستكمال الفترة الانتقالية مع مراعاة الوضعية الخاصة لشرق السودان والعمل المشترك على معالجتها بصورة ترضي أهل الشرق، وتضمن الاستقرار، مع تعديل الوثيقة بالتوافق بما يحقق مشاركة سياسية شاملة وواسعة لمكونات المجتمع السوداني جميعاً باستثناء حزب المؤتمر الوطني المحلول”.
كما أكد الطرفان في الاتفاق أن “الشراكة القائمة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن لاستقرار وأمن السودان، لذلك اتفقا على إنفاذ الشراكة بروح الثقة والالتزام التام بتكوين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة )تكنوقراط(، وضمان انتقال السلطة في موعدها المحدد يوليو )تموز( 2023 إلى حكومة مدنية منتخبة”.
إلى جانب تأكيد الاتفاق إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، تعهد الطرفان في الاتفاق بإدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان سياسي يحدد إطار الشراكة بين القوى الوطنية )السياسية والمدنية( مع المكون العسكري والإدارة الأهلية ولجان المقاومة وقوى الثورة الحية وقطاعات الشباب والمرأة ورجالات الطرق الصوفية.
تحقيق وشراكة
كذلك تعهد الجانبان بموجب الاتفاق، بالعمل على بناء جيش قومي موحد وتنفيذ اتفاق سلام جوبا واستكمال الاستحقاقات الناشئة بموجبه وإلحاق غير الموقعين على الاتفاق وبدء حوار موسع وشفاف بين كل القوى السياسية والمجتمعية وقوى الثورة الحية، يؤسس لقيام المؤتمر الدستوري والإسراع في استكمال مؤسسات الحكم الانتقالي بتكوين المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وتعيين رئيس القضاء والنائب العام، يتبعها تكوين المفوضيات ومؤسسات الانتقال الأخرى ومباشرة مهامها فوراً وفق جداول زمنية محددة.
كما شمل الاتفاق السياسي التحقيق في الأحداث التي جرت في أثناء التظاهرات من إصابات ووفيات وسط المدنيين والعسكريين وتقديم الجناة إلى المحاكمة، وضرورة إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو )حزيران(، مع مراجعة أدائها في الفترة السابقة، ودعمها بالكوادر المؤهلة في التخصصات والخبرات اللازمة بما يمكنها من أداء عملها بصورة ناجزة وعادلة، مع تفعيل لجنة الاستئنافات ومراجعة قراراتها وفقاً لدرجات التقاضي المقررة قانوناً.
وحول العلاقات المؤسسية، اعتبر الاتفاق مجلس السيادة الانتقالي مشرفاً فقط على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية، وفق نص المادة )8( في الوثيقة الدستورية، من دون التدخل المباشر في العمل التنفيذي.
تحصين الانتقال
في حين قال البرهان خلال مراسم التوقيع في القصر الجمهوري إن “الاتفاق يؤسس لفترة انتقالية خالية من الأخطاء، ولشراكة حقيقية وصولاً إلى انتخابات عامة حرة ونزيهة”، وأشار إلى “حجم التضحيات وأهمية حقن دماء أبناء السودان وإبقاء الشراكة الانتقالية على اتحاد والتوافق مهما بلغت الخلافات”.
من جانبه، عدد حمدوك الأسباب التي دفعته إلى التوقيع على الاتفاق السياسي الإطاري، لخصها في “تحصين الانتقال الديمقراطي بتوسيع قاعدته، وحقن دماء السودانيين الغالية، وتوفير طاقات الشباب للبناء والتعمير وفك الاحتقان الداخلي والخارجي، والمحافظة على المكتسبات التي تحققت خلال العامين الماضيين على صعيد الانفتاح الخارجي”، مؤكداً أنه “على استعداد للعمل مع الآخر من أجل المضي بالبلاد إلى الأمام”. وشدد على ضرورة “سد الفجوة لتوحيد قوى الشعب الحية للمحافظة على البلد”، معرباً عن شكره لكل الجهود المحافظة على مصلحة البلاد في الداخل والخارج.