الأربعاء 24 نوفمبر 2021 - 14:22

في الوقت الذي لم تظهر فيه نتائج تحقيقيات ولجنة فض اعتصام القيادة العامة في العام 2019 التي قتل فيها المئات من الثوار والشهداء المعتصمين إلا أن الأعداد التي قتلت مؤخراً جراء التظاهرات المتكررة بعد تشكيل حكومة الفترة الانتقالية ربما فاقت مجزرة فض اعتصام القيادة ولكن سرعان ما تغيرت الأوضاع السياسية بعد قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر والتي اعتبرها الكثيرون انقلاباً عسكرياً ضد الحكومة المدنية والوثيقة الدستورية حيث وُوْجهت قرارات الجيش برفض شعبي كبير سرعان ما أدى لاندلاع موجة من التظاهرات والاحتجاجات في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات أدت تلك التظاهرات لسقوط عدد من الشهداء قدروا بنحو )40( شهيداً حسب اللجنة المركزية لأطباء السودان، فيما ارتفعت وتيرة القتلى ضمن مليوينة 17 نوفمبر التي وصفت بأنها مجزرة العام 2021 والأكثر دموية وما تزال السلطات تنفي قتل الشهداء واستخدام الرصاص ضد المتظاهرين وعليه يبقى السؤال الذي يبحث عن إجابة من قتل شهداء نوفمبر؟
تحقيق: النذير ـ رفقة
ما قبل 17 نوفمبر
خرج الآلاف من المحتجين في 13 نوفمبر في مسيرات تطالب بإطلاق سراح رئيس الوزراء عبد الله حمدوك واستعادة الحكم المدني وإطلاق سراح المعتقلين، وجاءت التظاهرات استجابة لدعوات الأحزاب والقوى المهنية والثورية، احتجاجاً على إعلان البرهان تشكيل المجلس السيادي الجديد.
قطع الاتصالات
على نحو غير مسبوق أو إعلان قطعت السلطات خدمة الاتصالات الهاتفية في السودان ليل الجمعة وذلك قبل ساعات من الاحتجاجات التي كان مقرراً لها السبت 13 نوفمبر ضد الإجراءات الأخيرة للجيش حيث استيقظ الناس على عدم وجود خدمة الاتصالات وكذلك الإنترنت بحيث لا يمكن إجراء اتصالات هاتفية داخلية في السودان مع إمكانية استقبال المكالمات الواردة من خارج السودان فقط. حيث وجد الثوار والمحتجون أنفسهم في مواجهة شرسة مع السلطة العسكرية التي قررت على نحو مباغت صبيحة الاثنين الماضي 25 أكتوبر قطع خدمتي الاتصالات والإنترنت، ضمن إجراءاتها ضد شركائها المدنيين بالسلطة الانتقالية وذلك قبل فرض حالة الطوارئ وتعليق بعض بنود الوثيقة الدستورية.
بينما وجد المحتجون والداعون لمليونية ما بعد الخامس والعشرين من أكتوبر أمام تحدٍّ كبير لإعادة التنسيق المشترك، وكانت الإجراءات التي اتخذتها السلطات إثر قطع خدمتي الاتصالات والإنترنت ليست الأولى من نوعها حيث قطعت ذات السلطات خدمة الإنترنت عندما فضت القوات النظامية اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو من العام 2019، الا أن قطع خدمة الإنترنت لم يمنع من توثيق عشرات الانتهاكات التي استدعت فتح أكثر من تحقيق لم تظهر نتائجه حتى الآن، ومع تكرار ذات القطع قال بعض الناشطين والثوار إنهم تمكنوا من ابتداع خطط ووسائل بديلة من أجل التواصل ودعوة الناس للخروج لتلك المليونيات.
إجراءات مشددة
على الرغم من الإجراءات المشددة التي اتخذتها السلطات من قطع السلطات لخدمتي الإنترنت والاتصالات لدواعٍ أمنية وعدم إعطاء الثوار والمحتجين مزيد من التنسيق للخروج للشارع الا أن ذلك لم يثنِهم عن حشد الآلاف للخروج على القرارات التي اتخذها الجيش، بل وأكد بعض الثوار أن قطع الإنترنت والاتصالات كان محفزاً لخدمة الخطط بدرجة عالية، حيث كان التنسيق أكثر سهولة ويسراً دون أن يأبه الكثيرون بضرورة التأمين الذاتي وذلك بتحديد شخصيات تتولى المهمة حال اعتقال المسؤول الأول عن التنسيق، وهو نظام داخلي متفق عليه بين أعضاء التشكيل الضيق للجان، ويتم بين مجموعة محدودة في تطبيقات وسائل التواصل.
إغلاق الجسور
وعلى نحو آخر أيضاً أغلقت السلطات معظم الجسور المؤدية إلى مركز الخرطوم في خطوة استباقية للاحتجاجات ومليوينة 17 نوفمبر لاحتجاجات واسعة النطاق دعت إليها تنسيقيات عدة، رفضاً لتشكيل مجلس سيادة جديد، وكذلك أصدرت السلطات في ولاية الخرطوم قراراً بإغلاق جميع الجسور المؤدية إلى العاصمة كما وضع الجيش كتلاً خرسانية لإغلاق كل الطرق المؤدية إلى مقر القيادة العامة، وانتشرت قوات أمنية مشتركة من الجيش والشرطة وقوات الدعم السريع عند المرافق الاستراتيجية وفي بعض الشوارع الرئيسية.
رمزية 17 نوفمبر
جاءت مليونية 17 نوفمبر رغم القمع الوحشي وإغلاق الكباري والاتصالات والإنترنت، بأنها رمزية وصفها البعض بأنه اليوم الذي كان يجب فيه على الجانب العسكري تسليم السلطة للمدنيين، بينما ينظر لها طرف آخر برمزية 17 نوفمير من العام 64.
عدد القتلى
ارتفع عدد شهداء مواكب “17 ” نوفمبر التي خرجت ضد الإجراءات التصحيحية التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان، بينما اعتبره الكثير انقلاباً ضد دولة المدنية والتي طالبت بالحكم المدني الى )16( شهيداً على حسب بيان اللجنة المركزية لأطباء السودان مساء أمس السبت وقالت اللجنة في بيان )ارتقى )٤( شهداء وثلاثة بمستشفى البراحة )بينهم شهيدة( وشهيد واحد بمستشفى أحمد قاسم، ارتقت صباح أمس روح الشهيد محمد آدم هارون )16( سنة، متأثراً بجراحه البالغة جراء إصابته برصاص بالرأس والرجل ليرتفع عدد شهداء أمس السبت إلى 16 شهيداً وأشارت اللجنة في بيانها الى وجود أعداد كبيرة من المصابين في مستشفيات الخرطوم المختلفة.
الهجوم على المستشفيات
من جانبه أشار المكتب الموحد للأطباء السودانيين الى وقوع هجوم على بعض المستشفيات في الخرطوم، وتابع: )نتيجة لهذا العنف، هناك نقص حاد في الكوادر الطبية، خاصة في بحري، ونقص حاد في الدم والسوائل الوريدية والتخدير وأدوية الطوارئ الأخرى ومستلزمات الصدمات(، وقال ان إغلاق الطرق وخطوط الهاتف والإنترنت، جعل الاستجابة للطوارئ الصحية أمراً مستحيلاً، وأدان المكتب الموحد للأطباء بشدة أعمال العنف والقتل ضد المتظاهرين الأبرياء يوم 17 نوفمبر 2021 والأيام السابقة، ودعا في المقابل إلى إجراء تحقيق دولي في الموقف وطالب بيان الأطباء المجتمع الدولي واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتدخل الفوري وإنقاذ الجرحى وتوفير المعدات والأدوية والإمدادات اللازمة رداً على الهجمات الوحشية المستمرة للجيش في السودان وفي بيان آخر منفصل قال المكتب الموحد لأطباء السودان إن هناك محاولات من ما أسماه بمليشيات المجلس العسكري الانقلابي اقتحام مستشفى الوعد التخصصي بأمدرمان علماً بوجود عديد من المصابين بالمستشفى منهم من يخضعون لعمليات جراحية حساسة. وأضاف البيان: تلك قوات أطلقت الغاز المسيل للدموع غير مكترثة لسلامة المصابين والمرضى والكوادر الطبية داخل المستشفى، وأشار البيان لمحاصرة القوات مستشفيات أخرى منها مستشفى الأربعين بأمدرمان مانعة وصول المصابين والكوادر إليها، وأكد البيان أن هذه الجرائم تمثل تعدياً صارخاً للحق في الصحة من النظام الانقلابي الذي تعدى مسبقاً على الحق في الحياة نفسها، مشيراً الى أن مثل هذه الحوادث لا تحدث حتى في حالات الحروب بين الدول. ومن جانبه نناشد تجمع المهنيين السودانيين القادرين من الطبيبات والأطباء بالتوجه نحو المستشفى الدولي ببحري ومركز صحي الشعبية حيث توجد أعداد كبيرة من الإصابات تتخطى قدرة الكادر المتاح، وأشار البيان الى وجود الكثير من الإصابات ببحري يتم التعامل معها داخل المنازل بسبب ترصد القوات الأمنية لمنع محاولات لإسعاف المصابين، وناشد البيان الصيادلة والأطباء المساعدة في سد النقص في المحاليل الوريدية والمسكنات وأي مستلزمات طبية أخرى تساعد في إسعاف الجرحى.
من أطلق الرصاص؟
قال مسعفون إن قوات الأمن قتلت بالرصاص )15( شخصاً على الأقل وأصابت العشرات، بينما شارك الآلاف في احتجاجات مناهضة لما أسموه بانقلاب عسكري طيلة الشهر الماضي في الخرطوم ومدن أخرى يوم الأربعاء ١٧ نوفمبر الذي كان أكثر الأيام دموية خلال المظاهرات المستمرة منذ شهر. وطالب المحتجون، الذين ساروا في أحياء بأنحاء العاصمة ومدينتي بحري وأم درمان، بتسليم كامل السلطة لسلطات مدنية ومحاكمة قادة انقلاب 25 أكتوبر وقال شهود إن قوات الأمن أطلقت الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع لمنع التجمعات في أنحاء المدن الثلاث بعد قطع اتصالات الهاتف المحمول في وقت سابق يوم الأربعاء. وأعلن التلفزيون الرسمي عن وقوع إصابات بين المحتجين والشرطة. وقال شهود إن قوات الأمن انتشرت بكثافة في الشوارع الرئيسية ومفارق الطرق واستخدمت الغاز المسيل للدموع لإبقاء المحتجين بعيداً عن نقاط التجمع وأغلقت الجسور العابرة لنهر النيل.
الشرطة تنفي
ونفت الشرطة في بيان لها إطلاق النار على المتظاهرين المحتجين على قرارات قائد الجيش بحل مجلسي السيادة والوزراء، وقال مدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق أول زين العابدين عثمان إن قوات الأمن لم تستخدم الأعيرة النارية لتفريق المتظاهرين، وإنما استخدمت الغاز المدمع فقط، وأضاف أن لجنة شكلت لتحديد عدد قتلى المظاهرات وأماكن سقوطهم، وشددت الشرطة على أنها ستتخذ الإجراء المناسب مع أي عسكري متورط في الاعتداء على المواطنين.
القاتل المجهول
الفريق شرطة عابدين أشار الى ما أسماه القاتل المجهول الذي يتجول متعطشاً لمزيد من الدماء وذكر أن الفوضي في التعامل بميدان الأحداث من قبل القوات المتعددة يجعل مهمته أكثر سهولة سواء كان هذا القاتل نظامياً أو مندساً، وقال عابدين: معظم لقطات وقائع القتل التي حدثت للشهداء في أماكن متفرقة من مسارح الأحداث بكل من بحري وأمدرمان والخرطوم وظللت أقارن بينها.. وأضاف: لقد لاحظت أن كثيراً من هؤلاء الشهداء والشهيدات قد تم تصويرهم باحترافية قبل سقوطهم شهداء وكأن الذي قام بالتصوير يريد أن يوثق لحظاتهم الأخيرة وعند اختيارهم لإلحاقهم بركب الضحايا الأبرياء.. ثم يتم تصوير لحظة إصابتهم واستشهادهم بدقة تحمل كل التفاصيل بالإضافة لذلك نجد أن معظم الإصابات إن لم تكن كلها استهدفت الرأس والصدر وهي مواقع إصابات تسبب الموت لا محالة، ويبرز هنا سؤال مهم، يجب الالتفات لما تقوم به هذه الجهة وبهذه الاحترافية التي تختار وتوثق وتصيب وتسبب هذا القتل الاحترافي وقال في رأيي إنه أمر مهم ويمكن أن يكون خيطاً لمعرفة غموض استمرار هذا القتل؟ هنا يبرز دور التحقيق الاحترافي والدقيق والذي ظللنا نفتقده وتسجل معظم حوادث القتل ضد مجهول. وأضاف: يجب ألا يترك التحقيق شاردة وواردة ويستصحب معه كل حوادث القتل المشابهة التي حدثت منذ انفجار الثورة في العام 2013م.. وقال عابدين: ستؤكد الوقائع تشابه سلوك الجناة من توثيق لسيرة الشهيد قبل إصابته ثم تصوير إصابته وسيجد المحقق أن مسارات العيارات معظمها تأتي من أماكن عالية أو من مسافة قريبة وكل هذه الأحوال والوقائع بالمتابعة والتحري الاحترافي وفقاً لخبرتي في هذا المجال ستمكن من الوصول لحقائق ستكون نتائجها مذهلة.. وأعرب عابدين عن حيرته وتساءل: لماذا لا تولي الجهات المختصة وأعني بذلك شرطتنا الجنائية بحكم تخصصها ومسؤوليتها حوادث القتل المتمددة والمتكررة جل اهتمامها وتفريغ ضباط وأتيام تحقيق لكل حادثة وبعزيمة وإصرار للوصول للحقائق.. وقال: لن تتوقف عمليات القتل وسيواصل القاتل المجهول وتلك الجهات صاحبة الأجندة عمليات إجرامها لتحقيق هدفها الذي تصبو اليه ليتحول السودان الى ميدان للاقتتال والانفلات الكامل للأمن.. نعم التحقيق الاحترافي سيجيب عن كافة الأسئلة وسيصل للقاتل الذي ما زال مجهولاً سواء كان ينتمي لجهات رسمية أو لجهات لها أجندتها وأهدافها وفي كافة الأحوال لابد من الوصول اليه وتقديمه لمنصات العدالة، وأضاف: من الخطورة أن يظل هذا القاتل أو هؤلاء القتلة المحترفين أحراراً لسفك المزيد من الدماء وتكتفي القوات الرسمية ببيانات الإنكار وتبرئة ساحاتها.. وقال إن أسر الشهداء وكل الشعب السوداني يريد أن يعرف من الذي قتل وكيف قتل والى أي جهة ينتمي وما هو هدفه وأين اختفى الآن.