الإثنين 6 ديسمبر 2021 - 15:02
وزير المالية د. إبراهيم البدوي
الكتلة النقدية متناقصة منذ قيام الثورة
استلمت أموالاً من لجنة التمكين، وهذه حقيقة الـ)1.5( مليار دولار
ليس صحيحاً أنني أريد إحراج حمدوك
)….( لهذا السبب قدمتُ استقالتي
وزير المالية السابق في حكومة الكفاءات، د.إبراهيم البدوي جاء إلى الخرطوم بصفته المدير التنفيذي لمنتدى البحوث الاقتصادية لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط؛ بهدف تنفيذ بعض المشاريع بالبلاد، ، التقته )السوداني( وطرحت عليه بعض الأسئلة حول صراعاته مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ومحاولة إحراجه أكثر بقرارات اتخذها إبان توليه وزارة المالية، والأموال التي استلمها من لجنة التمكين ، فأجاب عن هذه الأسئلة بسعة صدر، فإلى الحوار..
وصفت بالفاشل إبان توليك منصب وزير المالية، رغم أنك في فترة النظام السابق قدمت أطروحات اقتصادية وُصفت بالممتازة، لماذا؟
شأني شأن أي شخصية عامة تقدمت لخدمة البلاد، وأنا منفتح لأي نوع من الانتقاد، لكن أعتقد أن معيار الفشل والنجاح يحدده مدى نجاعة الفكرة والرؤية، والثورة الصناعية بدأت بفكرة، وأي تطور يحدث للسودان على الصعيد الاقتصادي، لا يمكن أن يبدأ هكذا بلا رؤية.
إذن تعتقد أن لديك رؤية؟
ينتقد من ينتقد، وأنا متصالح مع نفسي جداً، أنا أزعم أنَّ لدي رؤية سواء اتفق الناس حولها أو اختلفوا، كتبت أكثر من )20( رؤية محكمة عن الاقتصاد السوداني، على مدى الـ30 سنة الماضية، ومعيار النجاح هو أن المشروع الذي بدأته ما يزال قائماً، وظهرت بعض النتائج الإيجابية له .
مثل ماذا؟
استقرار سعر الصرف، على الرغم من أن التطبيق نفسه لم يتم بالصورة التي كنت أريدها أن تحدث، وهذا من ضمن الأسباب التي جعلتني اختلف، وأغادر المنصب، وأعتقد أن بداية تأهيل السودان، والشروع في إعفاء الديون، واستقرار سعر الصرف، وحتى النتائج الأولية التي ظهرت للنشاط الاقتصادي من ناحية الصادرات، كلها مهمة.وكنا نواجه تركة ثقيلة جداً، لكن أفتكر أنني قدمت رؤية لتنفيذ انتقال من النقطة )أ( إلى النقطة )ب(.
أنت متهم بخداع الجميع بتبنيك روشتة صندوق النقد الدولي خفية؟
مخادع؟، أنا آسف جداً، أنا كنت أكثر شخص واضح بين الوزراء، الخداع يمكن أن يُوصف به أُناس معينون كانوا معنا في الحكومة، لكن أنا كانت لديَّ رؤية واضحة جداً، والمقابلات الإعلامية كنت أتكلم فيها بوضوح، وكذلك كتاباتي، من ضمن اختلافاتي الأساسية في إطار الحكومة، كنت أقول إنه لابد أن نتحمل المسؤولية ونوضح للشعب.
لكن رئيس الوزراء كان متحفظاً عليها ؟
عندما قدمت الميزانية في 25 ديسمبر 2019م، وكانت تحتوي على البرامج الإصلاحية التي كان متحفظاً عليها رئيس الوزراء، لكن فيما بعد أصبح يقول تم تعطيلنا، وإذا تمت الإصلاحات في وقت مبكر كنا عبرنا.
لكنك قدمت استقالتك في ذلك الاجتماع؟
نعم، الاجتماع كان بحضور المجلس المركزي، وقال إن تعديل سعر الصرف وغيره هي خطوط حمراء، وقلت لهم طيب ابحثوا عن وزير ينفذ لكم برامجكم.
لماذا؟
لأنني قبلت أن أكون وزيراً وفق برنامج معين، ومحاسبتي يجب أن تتم بالمحصلة النهائية، لكن تم الضغط عليَّ وعدلت عن الاستقالة؛ تقديراً لموقف رئيس الوزراء وقتها.. أحد قيادات الأحزاب أشار إلى ان هذا الأمر لابد منه، لكن في الوقت الحالي لا نستطيع أن نواجه الشعب بهذا الأمر .
وماذا كان ردك؟
قلت له إذا أنتم قادة الثورة، لا تستطيعوا أن تواجهوا الشعب، فما هو الفرق بينكم والإنقاذ؟، الشعب قام بثورة عظيمة لفائدة المجتمع والاقتصاد، وإذا هناك كلفة يجب أن تُدفع لمواجهة التحول، والشعب أنا سأواجهه؛ لذلك أنا مستغرب من الحديث بأنني مخادع، يمكن أن يتم اتهامي بأي شيء إلا الخداع، ولم أسمع بأنه قيل عني ذلك .
إذن ما الذي سمعته مما قيل عنك؟
أنني بتاع البنك الدولي، وبتاع إيه، بالعكس أنا لديَّ مشروع وطني مكتوب خلال الـ30 سنة الماضية، كان آخرها برنامج السياسات البديلة في 2011م لقوى المعارضة الذي انعقد بدار حزب الأمة، وشاركت فيه كل القوى المعارضة، وحتى المؤتمر الشعبي كان وقتها في المعارضة.
كان لديك مشاكل بمكتب رئيس الوزراء، وقبول استقالتك كان تضحية بك؟
أنا لا أريد أن أركز على هذه الأشياء في الوقت الحالي، أنا ليس لديَّ دلائل قاطعة، لكن أفتكر كان هناك تآمر .
كيف؟
أنا صارحت رئيس الوزراء في اجتماع بمنزله، وأبلغته بأن لديَّ مشروع معين، ومتفقون عليه، حتى قبل تشكيل الحكومة، ولا أشعر أن إدارة الاقتصاد السوداني بالطريقة السائدة هذه، والمساحة المتاحة لوزارة المالية كوزارة قائدة للقطاع الاقتصادي، وعرضت عليه بأنه إذا لا توجد إمكانية للاتفاق، فلا داعي أن أستمر في الحكومة.
حتى لو بالتآمر؟
لديَّ إحساس بأن هناك تآمراً، لكن لا أستطيع أن أجزم ، لكن كانت هناك شواهد كثيرة، وهذا من شأنهم، رئيس الوزراء هو رئيس الحكومة، أنا شخصياً أرى من الأمانة والشجاعة إذا شعر الوزير بأنه غير قادر أن يؤدي عمله، فعليه أن يعبر عن رأيه ويرحل .
حكومة حمدوك قبلت استقالتك ونفذت رؤيتك الاقتصادية .. تعليقك؟
ليس لديها بديل؛ لأن المسألة كما ذكرت هي مسألة صلاحيات، لكن لم يكن هناك رفض للمشروع، ولا يوجد مشروع مغاير، وأنا سعيد بأن المشروع حقق بعض النتائج، وأيضاً حزين لأني لو كنت موجوداً في الحكومة، ولديَّ الصلاحيات التي أستحقها سأفعل الكثير لأن لديَّ أفكار، وكان يجب أن يكون هناك تنسيق وتواصل بين سياسات الاقتصاد الكلي الإصلاحية، والعمل القطاعي الخاص بمعاش الناس والمشتقات البترولية، وأعددنا ورقة بهذا الموضوع، وكانت بصورة مختلفة عن التي تم تطبيقها حالياً .. أرجع وأقول إن تطبيق رؤيتي مثلج للصدر .
أنت متهم بتعين بعض الأشخاص بالوزارة دون منافسة على الوظيفة؟
فقط عينت في مكتبي، وبحسب اللوائح، فإن الوزير يعين مستشاراً أو مدير مكتب، يكون أهل ثقة أو معرفة، وحتى في دي أنا فشلت، واعترف بذلك، لكن الوظائف القيادية تتم الموافقة عليها من رئيس الوزراء.
قالوا إنك تعرضت لضغوط من جماعة المزرعة لاتخاذ بعض القرارات؟
لم أسمع بشلة المزرعة إلا بعد أن تركت الحكومة، وأنا لا أقبل ضغطاً من أي أحد، ولديَّ مرجعيتي العلمية أو الحزبية .
صراعك الدائم مع رئيس الوزراء جعله يطيح بك .. ما هو ردك؟
لا أسميها صراعات، لكن مصارحات، كنت صريحاً جداً معه، علاقتي به أكثر من 30 عاماً، ولم تبدأ بالحكومة، وإن شاء الله لا تنتهي بها، كان لديَّ وضوح رؤية، وإذا أتيحت لك فرصة وسألتِ بعض الزملاء ستعرفين أنني أقول رأيي في مجلس الوزراء نفسه، وأنا لا أسميها صراعات، بل هي وضوح رؤية وأمانة فكرية، وأي شخص يتولى منصباً عاماً يجب أن يتصف بها، وحمدوك رجل محترم، ويسمع الرأي، لكن في النهاية وصلنا مرحلة طلبت فيها أن يبحث عن بديل، أو نصل إلى توافق، لكن النتيجة النهائية أنني خرجتُ من الحكومة.
هل أنت راضٍ عن ذلك الموقف؟
أنا سعيد جداً بأنني متصالح مع نفسي، واتخذتُ موقفاً فيه أمانة، أنا جئت لأقدم خدمة متواضعة، عملت ما أستطيع، وعندما وصلت مرحلة أنني لم تُتح لي الفرصة والمساحة الكافية كوزير مالية مسؤول عن الاقتصاد السوداني تركت الموقع.
اعتبر كثيرون أن قرارات زيادة مرتبات المعلمين بهدف إحراج رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ووضعه أمام الأمر الواقع؟
ليس صحيحاً، لا يمكن أن ننهض بدون أن يكون لدينا معلم مستور، ولديه مرتب يحفظ كرامته، لكن هذه الخطوة كان يجب أن تُستتبع بمشروع مثل مشروع سلعتي بصورة إستراتيجية، الهدف من تعديل هيكل الأجور للمعلمين وغيرهم؛ بسبب التشوهات الكبيرة في المرتبات، مثلاً المستشارون في ديوان النائب العام ووزارة العدل يصرفون مرتبات عالية جداً، مقارنة برصفائهم في الخدمة المدنية، وكان لابد من تسكين الوظائف بوضوح وشفافية، وهذا المشروع كان لإعادة بناء الطبقة الوسطى.. ومن صلاحياتي كوزير شكلت فريقاً برئاسة د.عبد المحسن مصطفى صالح، وعضوية المجلس الأعلى للأجور، ومدير ديوان شؤون الخدمة، ومدير تعويضات العاملين بوزارة المالية، وتم إعداد تقرير ممتاز جداً، وأثنى على أدائه مجلس الوزراء .
هل زيادة المرتبات لها علاقة بزيادة أسعار السلع؟
بعض الناس يقولون الكلام دون تحليل اقتصادي، زيادة المرتبات ليس لها علاقة بزيادة أسعار السلع، فالزيادة كانت وما تزال مرتبطة بمشكلة الأسواق، وكان لابد من الشروع مباشرة في تطوير مشروع )سلعتي(، وتطويره ليتواكب مع موضوع زيادة المرتبات، وحتى الآن إذا انخفض التضخم فإن الزيادة في المرتبات مهمة جداً، وإذا لم تتم كان ستحدث كارثة، لأن بعض المعلمين يتركون الوظيفة، ولا يقدموا حتى استقالاتهم عن العمل .
لكن السياسات التي اتبعتها تسببت في زيادة التضخم بالبلاد؟
الآن الكرة في ملعبنا من ناحية البرنامج الاقتصادي، وكان لابد من مرحلة أولى لمعالجة الاقتصاد الكلي، وإعادة تأهيل السودان، ولا داعي للتفصيل في هذه النقطة، وكان لا يستطيع الاستفادة من أي دعم من المجتمع الدولي، لكن نتيجة للبرنامج والرؤية المقنعة تمت إنجازات كبيرة في هذا السياق.
كثر الحديث عن ضرورة برنامج وطني للتنمية؟
نعم لابد منه لتوفير وظائف للشباب، وبصورة أكثر إلحاحاً لمعالجة معاش الناس .
لكن معاش الناس أصبح أكثر تعقيداً بعد توليك وزارة المالية؟
موضوع الفقر مرتبط بعوامل كثيرة، وليس فقط الصدمات الاقتصادية، مرتبط بالركود الاقتصادي، والاثار السلبية لجائحة كورونا، والتركة الثقيلة التي خلفها نظام الإنقاذ، حيث كان هناك تدمير ممنهج لمؤسسات الدولة، وانهارت مشاريع اقتصادية كبرى، وإهمال القطاع الزراعي وغيره، كانت لدينا خطة ممرحلة تبدأ بإزالة التشوهات ومسألة النمو واستدامته.
ما هو المطلوب إذن ؟
إصلاح الخدمة المدنية، والنظر في مصافحة ذهبية بالتراضي لنسبة كبيرة من العاملين بالدولة، لمن بلغوا سن معينة، وهذه يمكن أن توفر وظائف كثيرة للشباب تصل إلى )300( ألف وظيفة لقيادة خدمة مدنية حديثة، سابقاً قدمت مقترحاً لمجلس الوزراء لإنشاء وكالة التحول الرقمي؛ لتؤدى إلى تطبيق برامج خدمات عن طريق الحكومة الإلكترونية.. كما أن مشروع )سلعتي( لم يتم تطبيقه بالصورة المثلى، ولابد من الشروع في ترميم البنى التحتية، واتباع وسائل خلاقة.
أكثر الأشياء المقلقة بالنسبة لي غربة الشباب من الوضع الحاصل، وربما لديهم إحساس بأنه لا يوجد أفق، وهذه من أخطر المهددات، التركيبة الديمغرافية للشعب السوداني الفئة العمرية من )35( سنة فما دون يشكلون )67%(، لا بد من استهدافهم.
إذن مشكلة التضخم ليست مشكلة اقتصاد كلي؟
نعم ليس طباعة نقود، لأن الكتلة النقدية متناقصة منذ قيام الثورة، لكن التضخم مرتفع؛ والسبب الرئيسي أن الأسواق ليس بها تنافس، ويوجد نشاط اقتصادي كبير للسماسرة، والوسطاء استحوذوا على هامش كبير من الأسعار .
عندما كنت وزيراً هل استلمت مبالغ مالية من لجنة التمكين؟
نعم، من ناحية عامة كنت متماهياً ومقدراً لعمل اللجنة ، ومتعاوناً معهم في وزارة المالية، وأنشأنا إدارة الأصول المستردة، وكان رأيي الشخصي أن استرداد الأموال التي بها شبهة نهب واستيلاء على مقدرات الشعب من أهم استحقاقات ثورة ديسمبر المجيدة، أيضاً يوجد موضوع فصل الموظفين، وهذا الموضوع يحتاج للأخذ والرد لتوخي العدالة.
بعد تكوين الإدارة شرعنا في الاجتماعات الراتبة والمعمقة مع قيادة اللجنة، واتفقنا على تقسيم الأصول المستردة إلى )3( أصناف، الأول السيارات والأراضي البيضاء، والصنف الثاني كان عبارة عن عمارات ومزارع وفنادق، ورأينا أن تتم إدارتها عن طريق إدارة خاصة بأن تُعهد لشركات لديها خبرة وتجارب في إدارة المشروعات لصالح وزارة المالية ، والصنف الثالث كانت الشركات المعقدة مثل وزارة المالية لديها أسهم في )السلام روتانا( وغيره، يمكن أن يتم إدراجها في صندوق أملاك السودان، وكان هناك )3( من الخبراء القانونيين تقدموا بمشروع قانون، وأيضاً مدير الحسابات القومية، وتم إرسالها في 2020م إلى وزير العدل، على أن يتم إجازة القانون من قبل مجلسي السيادة والوزراء، لكن بعد أن قدمت استقالتي تم تحويل هذا الأمر لشركة قابضة .
لماذا؟
لا أدري .
جاءتنا إفادة بوجود أكثر من مليار ونصف المليار دولار موجودة في حسابات ببنك الخرطوم، والبنك المركزي بدأ يتحقق من هذا الأمر، لكن اكتشفنا أن معظم الأموال اسمياً موجودة، لكن تم سحبها بصورة أو بأخرى، والمبلغ ضئيل لا يكاد يصل المليون دولار، وهذا هو المبلغ الذي استلمناه، وأدرج في حساب وزارة المالية .
وماذا عن الأصول الأخرى؟
كانت هناك ترتيبات جارية لتُستلم عن طريق إدارة الأصول المستردة، لكن تركت الحكومة قبل أن ينجز هذا الأمر .
عدت لعملك السابق خارج السودان؟
أنا المدير التنفيذي لمنتدى البحوث الاقتصادية لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وزيارتي الآن للسودان لتمويل مسح العمل، وهو مسح كبير جداً مولناه بالكامل بالتنسيق مع وزارة العمل والإصلاح الإداري والمركز القومي للإحصاء، وتم التدريب في كل ولايات السودان، لأن لدينا قدرات كبيرة في هذا الجانب، وأطلقنا مشروعاً بحثياً لثلاث دول من دول الربيع العربي في الموجة الثالثة، وهي الجزائر والعراق والسودان، وفي إطار السودان لدينا أوراق علمية من الانتقال السياسي، والتحول الديمقراطي، والزراعة، والشباب والمرأة، وغيرها، شارك بها )25( خبيراً سودانياً، وفيما بعد سيتم عقد ورشة لأصحاب المصلحة في هذه النقاط المهمة، وهذا دليل على أن العمل الوطني ليس بالضرورة أن يكون محصوراً في الحكومة .
السوداني
وزير المالية د. إبراهيم البدوي
الكتلة النقدية متناقصة منذ قيام الثورة
استلمت أموالاً من لجنة التمكين، وهذه حقيقة الـ)1.5( مليار دولار
ليس صحيحاً أنني أريد إحراج حمدوك
)….( لهذا السبب قدمتُ استقالتي
وزير المالية السابق في حكومة الكفاءات، د.إبراهيم البدوي جاء إلى الخرطوم بصفته المدير التنفيذي لمنتدى البحوث الاقتصادية لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط؛ بهدف تنفيذ بعض المشاريع بالبلاد، ، التقته )السوداني( وطرحت عليه بعض الأسئلة حول صراعاته مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ومحاولة إحراجه أكثر بقرارات اتخذها إبان توليه وزارة المالية، والأموال التي استلمها من لجنة التمكين ، فأجاب عن هذه الأسئلة بسعة صدر، فإلى الحوار..
وصفت بالفاشل إبان توليك منصب وزير المالية، رغم أنك في فترة النظام السابق قدمت أطروحات اقتصادية وُصفت بالممتازة، لماذا؟
شأني شأن أي شخصية عامة تقدمت لخدمة البلاد، وأنا منفتح لأي نوع من الانتقاد، لكن أعتقد أن معيار الفشل والنجاح يحدده مدى نجاعة الفكرة والرؤية، والثورة الصناعية بدأت بفكرة، وأي تطور يحدث للسودان على الصعيد الاقتصادي، لا يمكن أن يبدأ هكذا بلا رؤية.
إذن تعتقد أن لديك رؤية؟
ينتقد من ينتقد، وأنا متصالح مع نفسي جداً، أنا أزعم أنَّ لدي رؤية سواء اتفق الناس حولها أو اختلفوا، كتبت أكثر من )20( رؤية محكمة عن الاقتصاد السوداني، على مدى الـ30 سنة الماضية، ومعيار النجاح هو أن المشروع الذي بدأته ما يزال قائماً، وظهرت بعض النتائج الإيجابية له .
مثل ماذا؟
استقرار سعر الصرف، على الرغم من أن التطبيق نفسه لم يتم بالصورة التي كنت أريدها أن تحدث، وهذا من ضمن الأسباب التي جعلتني اختلف، وأغادر المنصب، وأعتقد أن بداية تأهيل السودان، والشروع في إعفاء الديون، واستقرار سعر الصرف، وحتى النتائج الأولية التي ظهرت للنشاط الاقتصادي من ناحية الصادرات، كلها مهمة.وكنا نواجه تركة ثقيلة جداً، لكن أفتكر أنني قدمت رؤية لتنفيذ انتقال من النقطة )أ( إلى النقطة )ب(.
أنت متهم بخداع الجميع بتبنيك روشتة صندوق النقد الدولي خفية؟
مخادع؟، أنا آسف جداً، أنا كنت أكثر شخص واضح بين الوزراء، الخداع يمكن أن يُوصف به أُناس معينون كانوا معنا في الحكومة، لكن أنا كانت لديَّ رؤية واضحة جداً، والمقابلات الإعلامية كنت أتكلم فيها بوضوح، وكذلك كتاباتي، من ضمن اختلافاتي الأساسية في إطار الحكومة، كنت أقول إنه لابد أن نتحمل المسؤولية ونوضح للشعب.
لكن رئيس الوزراء كان متحفظاً عليها ؟
عندما قدمت الميزانية في 25 ديسمبر 2019م، وكانت تحتوي على البرامج الإصلاحية التي كان متحفظاً عليها رئيس الوزراء، لكن فيما بعد أصبح يقول تم تعطيلنا، وإذا تمت الإصلاحات في وقت مبكر كنا عبرنا.
لكنك قدمت استقالتك في ذلك الاجتماع؟
نعم، الاجتماع كان بحضور المجلس المركزي، وقال إن تعديل سعر الصرف وغيره هي خطوط حمراء، وقلت لهم طيب ابحثوا عن وزير ينفذ لكم برامجكم.
لماذا؟
لأنني قبلت أن أكون وزيراً وفق برنامج معين، ومحاسبتي يجب أن تتم بالمحصلة النهائية، لكن تم الضغط عليَّ وعدلت عن الاستقالة؛ تقديراً لموقف رئيس الوزراء وقتها.. أحد قيادات الأحزاب أشار إلى ان هذا الأمر لابد منه، لكن في الوقت الحالي لا نستطيع أن نواجه الشعب بهذا الأمر .
وماذا كان ردك؟
قلت له إذا أنتم قادة الثورة، لا تستطيعوا أن تواجهوا الشعب، فما هو الفرق بينكم والإنقاذ؟، الشعب قام بثورة عظيمة لفائدة المجتمع والاقتصاد، وإذا هناك كلفة يجب أن تُدفع لمواجهة التحول، والشعب أنا سأواجهه؛ لذلك أنا مستغرب من الحديث بأنني مخادع، يمكن أن يتم اتهامي بأي شيء إلا الخداع، ولم أسمع بأنه قيل عني ذلك .
إذن ما الذي سمعته مما قيل عنك؟
أنني بتاع البنك الدولي، وبتاع إيه، بالعكس أنا لديَّ مشروع وطني مكتوب خلال الـ30 سنة الماضية، كان آخرها برنامج السياسات البديلة في 2011م لقوى المعارضة الذي انعقد بدار حزب الأمة، وشاركت فيه كل القوى المعارضة، وحتى المؤتمر الشعبي كان وقتها في المعارضة.
كان لديك مشاكل بمكتب رئيس الوزراء، وقبول استقالتك كان تضحية بك؟
أنا لا أريد أن أركز على هذه الأشياء في الوقت الحالي، أنا ليس لديَّ دلائل قاطعة، لكن أفتكر كان هناك تآمر .
كيف؟
أنا صارحت رئيس الوزراء في اجتماع بمنزله، وأبلغته بأن لديَّ مشروع معين، ومتفقون عليه، حتى قبل تشكيل الحكومة، ولا أشعر أن إدارة الاقتصاد السوداني بالطريقة السائدة هذه، والمساحة المتاحة لوزارة المالية كوزارة قائدة للقطاع الاقتصادي، وعرضت عليه بأنه إذا لا توجد إمكانية للاتفاق، فلا داعي أن أستمر في الحكومة.
حتى لو بالتآمر؟
لديَّ إحساس بأن هناك تآمراً، لكن لا أستطيع أن أجزم ، لكن كانت هناك شواهد كثيرة، وهذا من شأنهم، رئيس الوزراء هو رئيس الحكومة، أنا شخصياً أرى من الأمانة والشجاعة إذا شعر الوزير بأنه غير قادر أن يؤدي عمله، فعليه أن يعبر عن رأيه ويرحل .
حكومة حمدوك قبلت استقالتك ونفذت رؤيتك الاقتصادية .. تعليقك؟
ليس لديها بديل؛ لأن المسألة كما ذكرت هي مسألة صلاحيات، لكن لم يكن هناك رفض للمشروع، ولا يوجد مشروع مغاير، وأنا سعيد بأن المشروع حقق بعض النتائج، وأيضاً حزين لأني لو كنت موجوداً في الحكومة، ولديَّ الصلاحيات التي أستحقها سأفعل الكثير لأن لديَّ أفكار، وكان يجب أن يكون هناك تنسيق وتواصل بين سياسات الاقتصاد الكلي الإصلاحية، والعمل القطاعي الخاص بمعاش الناس والمشتقات البترولية، وأعددنا ورقة بهذا الموضوع، وكانت بصورة مختلفة عن التي تم تطبيقها حالياً .. أرجع وأقول إن تطبيق رؤيتي مثلج للصدر .
أنت متهم بتعين بعض الأشخاص بالوزارة دون منافسة على الوظيفة؟
فقط عينت في مكتبي، وبحسب اللوائح، فإن الوزير يعين مستشاراً أو مدير مكتب، يكون أهل ثقة أو معرفة، وحتى في دي أنا فشلت، واعترف بذلك، لكن الوظائف القيادية تتم الموافقة عليها من رئيس الوزراء.
قالوا إنك تعرضت لضغوط من جماعة المزرعة لاتخاذ بعض القرارات؟
لم أسمع بشلة المزرعة إلا بعد أن تركت الحكومة، وأنا لا أقبل ضغطاً من أي أحد، ولديَّ مرجعيتي العلمية أو الحزبية .
صراعك الدائم مع رئيس الوزراء جعله يطيح بك .. ما هو ردك؟
لا أسميها صراعات، لكن مصارحات، كنت صريحاً جداً معه، علاقتي به أكثر من 30 عاماً، ولم تبدأ بالحكومة، وإن شاء الله لا تنتهي بها، كان لديَّ وضوح رؤية، وإذا أتيحت لك فرصة وسألتِ بعض الزملاء ستعرفين أنني أقول رأيي في مجلس الوزراء نفسه، وأنا لا أسميها صراعات، بل هي وضوح رؤية وأمانة فكرية، وأي شخص يتولى منصباً عاماً يجب أن يتصف بها، وحمدوك رجل محترم، ويسمع الرأي، لكن في النهاية وصلنا مرحلة طلبت فيها أن يبحث عن بديل، أو نصل إلى توافق، لكن النتيجة النهائية أنني خرجتُ من الحكومة.
هل أنت راضٍ عن ذلك الموقف؟
أنا سعيد جداً بأنني متصالح مع نفسي، واتخذتُ موقفاً فيه أمانة، أنا جئت لأقدم خدمة متواضعة، عملت ما أستطيع، وعندما وصلت مرحلة أنني لم تُتح لي الفرصة والمساحة الكافية كوزير مالية مسؤول عن الاقتصاد السوداني تركت الموقع.
اعتبر كثيرون أن قرارات زيادة مرتبات المعلمين بهدف إحراج رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ووضعه أمام الأمر الواقع؟
ليس صحيحاً، لا يمكن أن ننهض بدون أن يكون لدينا معلم مستور، ولديه مرتب يحفظ كرامته، لكن هذه الخطوة كان يجب أن تُستتبع بمشروع مثل مشروع سلعتي بصورة إستراتيجية، الهدف من تعديل هيكل الأجور للمعلمين وغيرهم؛ بسبب التشوهات الكبيرة في المرتبات، مثلاً المستشارون في ديوان النائب العام ووزارة العدل يصرفون مرتبات عالية جداً، مقارنة برصفائهم في الخدمة المدنية، وكان لابد من تسكين الوظائف بوضوح وشفافية، وهذا المشروع كان لإعادة بناء الطبقة الوسطى.. ومن صلاحياتي كوزير شكلت فريقاً برئاسة د.عبد المحسن مصطفى صالح، وعضوية المجلس الأعلى للأجور، ومدير ديوان شؤون الخدمة، ومدير تعويضات العاملين بوزارة المالية، وتم إعداد تقرير ممتاز جداً، وأثنى على أدائه مجلس الوزراء .
هل زيادة المرتبات لها علاقة بزيادة أسعار السلع؟
بعض الناس يقولون الكلام دون تحليل اقتصادي، زيادة المرتبات ليس لها علاقة بزيادة أسعار السلع، فالزيادة كانت وما تزال مرتبطة بمشكلة الأسواق، وكان لابد من الشروع مباشرة في تطوير مشروع )سلعتي(، وتطويره ليتواكب مع موضوع زيادة المرتبات، وحتى الآن إذا انخفض التضخم فإن الزيادة في المرتبات مهمة جداً، وإذا لم تتم كان ستحدث كارثة، لأن بعض المعلمين يتركون الوظيفة، ولا يقدموا حتى استقالاتهم عن العمل .
لكن السياسات التي اتبعتها تسببت في زيادة التضخم بالبلاد؟
الآن الكرة في ملعبنا من ناحية البرنامج الاقتصادي، وكان لابد من مرحلة أولى لمعالجة الاقتصاد الكلي، وإعادة تأهيل السودان، ولا داعي للتفصيل في هذه النقطة، وكان لا يستطيع الاستفادة من أي دعم من المجتمع الدولي، لكن نتيجة للبرنامج والرؤية المقنعة تمت إنجازات كبيرة في هذا السياق.
كثر الحديث عن ضرورة برنامج وطني للتنمية؟
نعم لابد منه لتوفير وظائف للشباب، وبصورة أكثر إلحاحاً لمعالجة معاش الناس .
لكن معاش الناس أصبح أكثر تعقيداً بعد توليك وزارة المالية؟
موضوع الفقر مرتبط بعوامل كثيرة، وليس فقط الصدمات الاقتصادية، مرتبط بالركود الاقتصادي، والاثار السلبية لجائحة كورونا، والتركة الثقيلة التي خلفها نظام الإنقاذ، حيث كان هناك تدمير ممنهج لمؤسسات الدولة، وانهارت مشاريع اقتصادية كبرى، وإهمال القطاع الزراعي وغيره، كانت لدينا خطة ممرحلة تبدأ بإزالة التشوهات ومسألة النمو واستدامته.
ما هو المطلوب إذن ؟
إصلاح الخدمة المدنية، والنظر في مصافحة ذهبية بالتراضي لنسبة كبيرة من العاملين بالدولة، لمن بلغوا سن معينة، وهذه يمكن أن توفر وظائف كثيرة للشباب تصل إلى )300( ألف وظيفة لقيادة خدمة مدنية حديثة، سابقاً قدمت مقترحاً لمجلس الوزراء لإنشاء وكالة التحول الرقمي؛ لتؤدى إلى تطبيق برامج خدمات عن طريق الحكومة الإلكترونية.. كما أن مشروع )سلعتي( لم يتم تطبيقه بالصورة المثلى، ولابد من الشروع في ترميم البنى التحتية، واتباع وسائل خلاقة.
أكثر الأشياء المقلقة بالنسبة لي غربة الشباب من الوضع الحاصل، وربما لديهم إحساس بأنه لا يوجد أفق، وهذه من أخطر المهددات، التركيبة الديمغرافية للشعب السوداني الفئة العمرية من )35( سنة فما دون يشكلون )67%(، لا بد من استهدافهم.
إذن مشكلة التضخم ليست مشكلة اقتصاد كلي؟
نعم ليس طباعة نقود، لأن الكتلة النقدية متناقصة منذ قيام الثورة، لكن التضخم مرتفع؛ والسبب الرئيسي أن الأسواق ليس بها تنافس، ويوجد نشاط اقتصادي كبير للسماسرة، والوسطاء استحوذوا على هامش كبير من الأسعار .
عندما كنت وزيراً هل استلمت مبالغ مالية من لجنة التمكين؟
نعم، من ناحية عامة كنت متماهياً ومقدراً لعمل اللجنة ، ومتعاوناً معهم في وزارة المالية، وأنشأنا إدارة الأصول المستردة، وكان رأيي الشخصي أن استرداد الأموال التي بها شبهة نهب واستيلاء على مقدرات الشعب من أهم استحقاقات ثورة ديسمبر المجيدة، أيضاً يوجد موضوع فصل الموظفين، وهذا الموضوع يحتاج للأخذ والرد لتوخي العدالة.
بعد تكوين الإدارة شرعنا في الاجتماعات الراتبة والمعمقة مع قيادة اللجنة، واتفقنا على تقسيم الأصول المستردة إلى )3( أصناف، الأول السيارات والأراضي البيضاء، والصنف الثاني كان عبارة عن عمارات ومزارع وفنادق، ورأينا أن تتم إدارتها عن طريق إدارة خاصة بأن تُعهد لشركات لديها خبرة وتجارب في إدارة المشروعات لصالح وزارة المالية ، والصنف الثالث كانت الشركات المعقدة مثل وزارة المالية لديها أسهم في )السلام روتانا( وغيره، يمكن أن يتم إدراجها في صندوق أملاك السودان، وكان هناك )3( من الخبراء القانونيين تقدموا بمشروع قانون، وأيضاً مدير الحسابات القومية، وتم إرسالها في 2020م إلى وزير العدل، على أن يتم إجازة القانون من قبل مجلسي السيادة والوزراء، لكن بعد أن قدمت استقالتي تم تحويل هذا الأمر لشركة قابضة .
لماذا؟
لا أدري .
جاءتنا إفادة بوجود أكثر من مليار ونصف المليار دولار موجودة في حسابات ببنك الخرطوم، والبنك المركزي بدأ يتحقق من هذا الأمر، لكن اكتشفنا أن معظم الأموال اسمياً موجودة، لكن تم سحبها بصورة أو بأخرى، والمبلغ ضئيل لا يكاد يصل المليون دولار، وهذا هو المبلغ الذي استلمناه، وأدرج في حساب وزارة المالية .
وماذا عن الأصول الأخرى؟
كانت هناك ترتيبات جارية لتُستلم عن طريق إدارة الأصول المستردة، لكن تركت الحكومة قبل أن ينجز هذا الأمر .
عدت لعملك السابق خارج السودان؟
أنا المدير التنفيذي لمنتدى البحوث الاقتصادية لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وزيارتي الآن للسودان لتمويل مسح العمل، وهو مسح كبير جداً مولناه بالكامل بالتنسيق مع وزارة العمل والإصلاح الإداري والمركز القومي للإحصاء، وتم التدريب في كل ولايات السودان، لأن لدينا قدرات كبيرة في هذا الجانب، وأطلقنا مشروعاً بحثياً لثلاث دول من دول الربيع العربي في الموجة الثالثة، وهي الجزائر والعراق والسودان، وفي إطار السودان لدينا أوراق علمية من الانتقال السياسي، والتحول الديمقراطي، والزراعة، والشباب والمرأة، وغيرها، شارك بها )25( خبيراً سودانياً، وفيما بعد سيتم عقد ورشة لأصحاب المصلحة في هذه النقاط المهمة، وهذا دليل على أن العمل الوطني ليس بالضرورة أن يكون محصوراً في الحكومة .
السوداني