الإثنين 6 ديسمبر 2021 - 20:18
الخرطوم: نجلاء عباس ــ هالة حافظ
كشفت مصادر بوزارة المالية عن زيادة تجري دراستها باورقة الوزارة لزيادة الرسوم الحكومية ضمن اعداد موازنة عام 2022م التي يحاصرها شبح العجز في الايرادات عقب تعليق الدعم الخارجي، والشاهد ان موازنة العام الحالي تضمنت زيادة أفقية ورأسية في الضرائب على القطاعات الإنتاجية والتجارية وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة التي استفادت من النظام المعزول، حيث تمت اجازة موازنة عام 2021م بزيادة في الإيرادات وعجز أقل من موازنة العام السابق، وهي أول موازنة بعد إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ومع مطلع يناير من العام الحالي فوجئ المواطن بزيادات وصلت في بعضها إلى أكثر من 100%، وفي بعض الخدمات الأخرى إلى أكثر من 400%، منها الخدمات التي تقدمها شركات الاتصالات، حيث شهد العام الحالي زيادة في ضريبة القيمة المضافة على قطاع الاتصالات بنسبة 5% لتصل إلى 40% بدلاً من 35%. وبعض الخدمات الأخرى التي تقدمها المؤسسات الحكومية مثل السجل المدني والجمارك ورسوم التوثيق والأراضي وغيرها من الخدمات.
تعويض العجز
ويرى الخبير الاقتصادي كمال كرار ان زيادة الرسوم الحكومية اصبح ممارسة شبه سنوية، ولفت في حديثه لـ )الانتباهة( الى أنه في اية ميزانية جديدة تزداد تلك الرسوم بما بين ٣٠٠% و ٥٠٠% في الاعوام السابقة اي منذ عهد الانقاذ، واكد كرار أنه يتم وضع هذه الرسوم الحكومية لتعويض اي نقص في الميزانية، كاشفاً عن التأثيرات السلبية نتيجة هذا الاجراء لكافة انواع المعاملات الحكومية في الوثائق الرسمية ورسوم الترخيص ورسوم الاراضي وخلافة، الامر الذي يلقي بمعاناة شديدة على المواطن بالرغم من ان الخدمات التي تقدم في مقابل هذه الرسوم سيئة، واردف قائلاً: )ان جزءاً كبيراً من بيروقراطية الجهاز الحكومي وعدم فعاليته جاء نتيجة لأن هذه الرسوم الكبيرة تفتح الباب للفساد خاصة في غياب الرقابة والضبط(، واوضح ان هذا النوع من السياسات ضار بالاقتصاد، ووجه الدولة بالبحث عن مصادر حقيقية من عائدات المؤسسات العامة وارباح وفوائد القطاعات الانتاجية وليس من جيوب الناس، وقطع كرار بأنه عندما تؤخذ الايرادات من جيوب الناس هذا الامر يجعل الميزانية مسلطة على رقاب محدودي الدخل والفقراء، منوهاً بأن الحكومة ما بعد الثورة تتبع نفس نهج الانقاذ، واضاف قائلاً: )ان هذا الأمر يشير بصورة واضحة الى ان الموازنة العامة اصبحت ميزانية جبايات ورسوم تؤخذ من المواطن وليست من مصادر قطاعات حقيقية تعمل عليها الدولة وتضخ بها الاموال بحيث تستطيع ان تحقق فوائد للميزانية(، وابان انه عند الاعتماد على جيب المواطن في الضرائب او الخصومات فإن هذا الامر يدفع الى التهرب من دفع هذه الرسوم بصورة او باخرى، واشار الى ان كثيراً من الشركات قد تتهرب من دفع الضرائب مما يؤدي الى زيادة حجم عجز الموازنة، وتلجأ الحكومة نتيجة هذا الأمر لطباعة النقود، واكد على ان هيكل الموازنة والعقلية الاقتصادية تحتاج الى اعادة نظر حتى لا تكون الموازنة مثلها مثل الموازنات التي تعتمد على الضرائب المباشرة، واوضح أنه يجب ان تكون هناك وسيلة اخرى دون الضغط على المواطن.
إجراء طبيعي
ومرة اخرى وفي ذات العام )2021( وجد المواطن نفسه أمام زيادة أسعار الكهرباء بأكثر من 400% وزيادة أخرى داخل خدمات الجمهور المتعلقة بالمستندات والأوراق الثبوتية، حيث بلغ سعر الرقم الوطني بدلاً من )180ج( )500ج(، وشهادة الميلاد ظلت كما هي و )لم تتغير حتى الآن( بسعر )127 ج(، فيما ارتفعت رسوم البطاقة الشخصية من )180ج( إلى )500ج(، وأوضح القرار ملحوظة بأن رسوم التجديد لا تختلف عن رسوم الاستخراج لأول مرة، فيما بقيت معاملات المرور المالية بنفس التعرفة القديمة، وشمل القرار زيادة رسوم استخراج جوازات السفر السودانية، وجواز الطفل الصغير تغير من )400( جنيه إلى )1000( جنيه سوداني، بينما جواز السفر العادي لشخص بالغ زاد من )700( جنيه إلى )3000( جنيه سوداني، ليتم تعديله الى عشرة آلاف جنيه، وجواز السفر التجاري الخاص برجال الأعمال وأصحاب السجل التجاري تحول من ثمانية آلاف جنيه إلى )25( ألف جنيه سوداني، وهي زيادات واجهها المواطن بشيء من الاندهاش والاستغراب، واصفًا ما يحدث بأنه خذلان كبير للثورة السودانية التي كانت أولى مطالبها محاربة الانهيار الاقتصادي وارتفاع الأسعار.
ويقول رئيس قسم الدراسات الاقتصادية الفاتح عثمان ان زيادة الرسوم الحكومية في الموازنة الجديدة تعتبر اجراءً طبيعياً يتناسب مع وضع التضخم الموجود في البلاد الذي يبلغ حجمه ٣٨٠٪، اي بمعنى انه ليس من الممكن ان تبقى الرسوم على ما كانت عليه في العام السابق، وذكر في حديثه لـ )الانتباهة( أنه من المؤسف ان زيادة الرسوم لا تتناسب مع دخل المواطنين، واقترح الفاتح ان تنحصر الزيادة في رسوم الخدمات التي يستفيد منها المقتدرون واصحاب الدخل العالي، ويمكن ان تتم زيادتها بأربعة او خمسة اضعاف مع بقاء الرسوم التي تقدم لعامة المواطنين بأدنى رسم ممكن، وذلك لمراعاة الظروف الاقتصادية السارية حالياً، مشيراً الى انه لا مانع من زيادة الرسوم الحكومية ولكن بطريقة علمية تتناسب مع دحول المواطنين.
دعم الموازنة
اورتفعت أيضاً خدمات الصراف الآلي في حال ان بطاقة العميل وماكينة الصراف الآلي يتبعان لمصرفين مختلفين، كما عُدّلت رسوم خدمة الشراء عبر نقاط البيع لتصبح خمسة جنيهات كحدٍّ أقصى يتم توزيعها بين مالك الماكينة نقطة البيع مبلغ ثلاثة جنيهات وشركة الخدمات المصرفية الإلكترونية جنيهان، ويجوز للمحولات الخاصة خدمة عملائها بأقل مما ذُكر وفقاً لتقديراتها ضبط محولاتهم وفقاً لما ورد أعلاه.
وفي المقابل قال الخبير الاقتصادي محمد نور كركساوي ان الحكومة مضطرة لزيادة الرسوم الحكومية )الضرائب( في موازنة ٢٠٢٢م، لجهة ان لديها عجزاً في الموازنة، الا انه ناتج عن احجام الممولين الاجانب عن القروض والمنح لحين اصلاح الامر السياسي، لذلك ليس لدى الحكومة مصدر مما خلق فجوة في الموازنة العامة بين المصروفات والايرادات سواء كان ذلك في ميزان المدفوعات او الميزان التجاري، وبالتالي لا بد من البحث عن مصادر اخرى لدعم الايرادات، لذلك يتم اللجوء الى زيادة الضرائب والرسوم الجمركية وخلافه، ووجه كركساوي في حديثه لـ )الإنتباهة( بضرورة اضافة مراجعة الهيئات والشركات الحكومية لدعم الموازنة والايرادات، وقال ان الشركات الامنية وغير الامنية لا بد ان تساهم في دعم الموازنة الجديدة، وقطع بأنه دون تلك الحلول ستتوسع الفجوة وستضطر الحكومة للاستلاف من البنك المركزي من غير اغطية ـ اي لطباعة النقود ــ وبالتالي تزداد الكتلة النقدية وتسبب خللاً في مؤشرات التضخم وارتفاع الاسعار.
موازنة دون وزير
ويعلق المحلل الاقتصادي د. عبد العظيم المهل بأن موازنة عام ٢٠٢٢م بدأت متأخرة وفي ظروف صعبة واحتقان وعدم استقرار، ووضعت دون وزير، وذلك ينعكس سلباً عليها، واشار المهل في حديثه لـ )الإنتباهة( الى انه يجب ان يكون هناك تقييم للاداء المالي لعام ٢٠٢١م وما هو الشيء الذي قُدم خلال تلك الفترة التي شهدت الكثير من قرارات رفع الدعم، مما يفترض ان يكون دخل خزانة الدولة الكثير من الايرادات التي تقارب قيمتها ما بين )٢٥٠( و )٣٠٠( مليار جنيه، خاصة انه لا يوجد انفاق حكومي )لا مجلس تشريعي ولا وطني( فأين ذهبت تلك الاموال؟
وقال: )كان من المفترض ان توجه ايرادات رفع الدعم الى قطاع التعليم والصحة والخدمات، بجانب ضرورة ان يلمسها المواطن في السلع الاستهلاكية، وبكل اسف فإن المواطن لم يشعر بأي تحسن معيشي في هذه الفترة(. واضاف المهل قائلاً: )كنا نتمني ان يتم في موازنة ٢٠٢٢م تخفيض رسوم الجمارك بصورة كبيرة، وذلك لا يعني انها ايرادات فائضة ولكنها مؤجلة(، ولفت الى ان السودان مؤهل لأن يكون اكبر دولة في المنطقة لاعادة الصادر لاحاطته بدول الجوار التي يصدر لها مثل جنوب السودان واثيوبيا واريتريا ومالى ونيجريا وغيرها من الدول، فلا بد ان تكون هناك استفادة من الصادر، بدلاً من اتاحة الفرص للتهريب والمهربين الذين يدمرون اقتصاد البلاد، فتخفيض الجمارك سوف يفتح الاسواق الداخلية التي ينجر اليها اجانب دول الجوار وتتم اعادة الصادر وانتعاش الاسواق. وقال المهل: )يفترض ان تستصحب الموازنة معالجة اوضاع محدودي الدخل وتحسين المرتبات للعاملين(، مشيراً الى ان موظفي القطاع العام اصيبوا بالاحباط، فاصبحوا لا يداومون على العمل بشكل دوري لقلة حيلتهم واوضاعهم المادية الصعبة، وشدد على ضرورة توفير وظائف وانهاء بند العطالة حتى يتم الاستغلال الامثل لموارد البلاد الاقتصادية. واوصى المهل بوضع حلول مبتكرة لا تؤدي الى زيادة التضخم.
مواجهة التحديات
اما المحلل الاقتصادي د. محمد الناير فقد قال لـ )الانتباهة( ان موازنة ٢٠٢٢م تواجهها الكثير من التحديات، وعلى رأسها قضية تباطؤ المجتمع الدولي في الايفاء بالتزاماته تجاه البلاد، بجانب تحدي زيادة مرتبات العاملين في القطاع العام اضعافاً مضاعفة، باعتبار ان الزيادة الاخيرة التي طرأت على المرتبات اصبحت لا تغطي ١٥٪ من الحد الادنى لاحتياجاتهم، بجانب ضرورة البحث عن اوعية ايرادية مبتكرة وتوطين امكانات البلاد والاستغلال الامثل للموارد بحيث لا تؤثر سلباً في معاش الناس.
واشار الناير الى اهمية توسيع المظلة الضريبية افقياً وليس رأسياً حتى تغطي الضرائب مطالبات الموازنة، وألا تؤثر زيادة الرسوم في محدودى الدخل، وقال: )يبدو ان الحكومة الانتقالية السابقة والحالية نهجهما زيادة الرسوم التي ظهرت في كافة الاجراءات ابتداءً بالبطاقة القومية والرخصة والترخيص، وتطول القائمة خلاف قرارات رفع الدعم عن الوقود والدواء والخبز والكهرباء التي أصحبت تشكل ضغطاً كبيراً على المواطن البسيط(، وقال الناير: )في ما يتعلق بالموازنة فإنها تأخرت كثيراً ولم نسمع عنها شيئاً، وحان الآن وقت اجازتها(، واضاف ان ما طلع من اخبار عن الموازنة كان يتعلق بالتعديل الذي لم يخض في التفاصيل والاكتفاء باعلان اجازة تعديلها، مما خلق نوعاً من عدم الوضوح والشفافية، ولفت الى وجود بطء كبير في القنوات الاقتصادية لعدم تعيين وزير، جازماً بأن تشكيل الحكومة لن يتم في شهر ديسمبر، خاصة أن هناك جدلاً كبيراً حول تعيين الوزراء والولاة وضرورة مشاركة مختلف ولايات السودان.
وقال الناير ان الوضع السياسي لا شك سيؤثر سلباً في الملف الاقتصادي، لافتاً الى ان الموازنة يعدها فنيون وتجيزها السلطة التنفيذية والتشريعية المتمثلة في الوقت الحالي في مجلسي السيادة والوزراء الى حين تشكيل المجلس التشريعي.
الخرطوم: نجلاء عباس ــ هالة حافظ
كشفت مصادر بوزارة المالية عن زيادة تجري دراستها باورقة الوزارة لزيادة الرسوم الحكومية ضمن اعداد موازنة عام 2022م التي يحاصرها شبح العجز في الايرادات عقب تعليق الدعم الخارجي، والشاهد ان موازنة العام الحالي تضمنت زيادة أفقية ورأسية في الضرائب على القطاعات الإنتاجية والتجارية وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة التي استفادت من النظام المعزول، حيث تمت اجازة موازنة عام 2021م بزيادة في الإيرادات وعجز أقل من موازنة العام السابق، وهي أول موازنة بعد إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ومع مطلع يناير من العام الحالي فوجئ المواطن بزيادات وصلت في بعضها إلى أكثر من 100%، وفي بعض الخدمات الأخرى إلى أكثر من 400%، منها الخدمات التي تقدمها شركات الاتصالات، حيث شهد العام الحالي زيادة في ضريبة القيمة المضافة على قطاع الاتصالات بنسبة 5% لتصل إلى 40% بدلاً من 35%. وبعض الخدمات الأخرى التي تقدمها المؤسسات الحكومية مثل السجل المدني والجمارك ورسوم التوثيق والأراضي وغيرها من الخدمات.
تعويض العجز
ويرى الخبير الاقتصادي كمال كرار ان زيادة الرسوم الحكومية اصبح ممارسة شبه سنوية، ولفت في حديثه لـ )الانتباهة( الى أنه في اية ميزانية جديدة تزداد تلك الرسوم بما بين ٣٠٠% و ٥٠٠% في الاعوام السابقة اي منذ عهد الانقاذ، واكد كرار أنه يتم وضع هذه الرسوم الحكومية لتعويض اي نقص في الميزانية، كاشفاً عن التأثيرات السلبية نتيجة هذا الاجراء لكافة انواع المعاملات الحكومية في الوثائق الرسمية ورسوم الترخيص ورسوم الاراضي وخلافة، الامر الذي يلقي بمعاناة شديدة على المواطن بالرغم من ان الخدمات التي تقدم في مقابل هذه الرسوم سيئة، واردف قائلاً: )ان جزءاً كبيراً من بيروقراطية الجهاز الحكومي وعدم فعاليته جاء نتيجة لأن هذه الرسوم الكبيرة تفتح الباب للفساد خاصة في غياب الرقابة والضبط(، واوضح ان هذا النوع من السياسات ضار بالاقتصاد، ووجه الدولة بالبحث عن مصادر حقيقية من عائدات المؤسسات العامة وارباح وفوائد القطاعات الانتاجية وليس من جيوب الناس، وقطع كرار بأنه عندما تؤخذ الايرادات من جيوب الناس هذا الامر يجعل الميزانية مسلطة على رقاب محدودي الدخل والفقراء، منوهاً بأن الحكومة ما بعد الثورة تتبع نفس نهج الانقاذ، واضاف قائلاً: )ان هذا الأمر يشير بصورة واضحة الى ان الموازنة العامة اصبحت ميزانية جبايات ورسوم تؤخذ من المواطن وليست من مصادر قطاعات حقيقية تعمل عليها الدولة وتضخ بها الاموال بحيث تستطيع ان تحقق فوائد للميزانية(، وابان انه عند الاعتماد على جيب المواطن في الضرائب او الخصومات فإن هذا الامر يدفع الى التهرب من دفع هذه الرسوم بصورة او باخرى، واشار الى ان كثيراً من الشركات قد تتهرب من دفع الضرائب مما يؤدي الى زيادة حجم عجز الموازنة، وتلجأ الحكومة نتيجة هذا الأمر لطباعة النقود، واكد على ان هيكل الموازنة والعقلية الاقتصادية تحتاج الى اعادة نظر حتى لا تكون الموازنة مثلها مثل الموازنات التي تعتمد على الضرائب المباشرة، واوضح أنه يجب ان تكون هناك وسيلة اخرى دون الضغط على المواطن.
إجراء طبيعي
ومرة اخرى وفي ذات العام )2021( وجد المواطن نفسه أمام زيادة أسعار الكهرباء بأكثر من 400% وزيادة أخرى داخل خدمات الجمهور المتعلقة بالمستندات والأوراق الثبوتية، حيث بلغ سعر الرقم الوطني بدلاً من )180ج( )500ج(، وشهادة الميلاد ظلت كما هي و )لم تتغير حتى الآن( بسعر )127 ج(، فيما ارتفعت رسوم البطاقة الشخصية من )180ج( إلى )500ج(، وأوضح القرار ملحوظة بأن رسوم التجديد لا تختلف عن رسوم الاستخراج لأول مرة، فيما بقيت معاملات المرور المالية بنفس التعرفة القديمة، وشمل القرار زيادة رسوم استخراج جوازات السفر السودانية، وجواز الطفل الصغير تغير من )400( جنيه إلى )1000( جنيه سوداني، بينما جواز السفر العادي لشخص بالغ زاد من )700( جنيه إلى )3000( جنيه سوداني، ليتم تعديله الى عشرة آلاف جنيه، وجواز السفر التجاري الخاص برجال الأعمال وأصحاب السجل التجاري تحول من ثمانية آلاف جنيه إلى )25( ألف جنيه سوداني، وهي زيادات واجهها المواطن بشيء من الاندهاش والاستغراب، واصفًا ما يحدث بأنه خذلان كبير للثورة السودانية التي كانت أولى مطالبها محاربة الانهيار الاقتصادي وارتفاع الأسعار.
ويقول رئيس قسم الدراسات الاقتصادية الفاتح عثمان ان زيادة الرسوم الحكومية في الموازنة الجديدة تعتبر اجراءً طبيعياً يتناسب مع وضع التضخم الموجود في البلاد الذي يبلغ حجمه ٣٨٠٪، اي بمعنى انه ليس من الممكن ان تبقى الرسوم على ما كانت عليه في العام السابق، وذكر في حديثه لـ )الانتباهة( أنه من المؤسف ان زيادة الرسوم لا تتناسب مع دخل المواطنين، واقترح الفاتح ان تنحصر الزيادة في رسوم الخدمات التي يستفيد منها المقتدرون واصحاب الدخل العالي، ويمكن ان تتم زيادتها بأربعة او خمسة اضعاف مع بقاء الرسوم التي تقدم لعامة المواطنين بأدنى رسم ممكن، وذلك لمراعاة الظروف الاقتصادية السارية حالياً، مشيراً الى انه لا مانع من زيادة الرسوم الحكومية ولكن بطريقة علمية تتناسب مع دحول المواطنين.
دعم الموازنة
اورتفعت أيضاً خدمات الصراف الآلي في حال ان بطاقة العميل وماكينة الصراف الآلي يتبعان لمصرفين مختلفين، كما عُدّلت رسوم خدمة الشراء عبر نقاط البيع لتصبح خمسة جنيهات كحدٍّ أقصى يتم توزيعها بين مالك الماكينة نقطة البيع مبلغ ثلاثة جنيهات وشركة الخدمات المصرفية الإلكترونية جنيهان، ويجوز للمحولات الخاصة خدمة عملائها بأقل مما ذُكر وفقاً لتقديراتها ضبط محولاتهم وفقاً لما ورد أعلاه.
وفي المقابل قال الخبير الاقتصادي محمد نور كركساوي ان الحكومة مضطرة لزيادة الرسوم الحكومية )الضرائب( في موازنة ٢٠٢٢م، لجهة ان لديها عجزاً في الموازنة، الا انه ناتج عن احجام الممولين الاجانب عن القروض والمنح لحين اصلاح الامر السياسي، لذلك ليس لدى الحكومة مصدر مما خلق فجوة في الموازنة العامة بين المصروفات والايرادات سواء كان ذلك في ميزان المدفوعات او الميزان التجاري، وبالتالي لا بد من البحث عن مصادر اخرى لدعم الايرادات، لذلك يتم اللجوء الى زيادة الضرائب والرسوم الجمركية وخلافه، ووجه كركساوي في حديثه لـ )الإنتباهة( بضرورة اضافة مراجعة الهيئات والشركات الحكومية لدعم الموازنة والايرادات، وقال ان الشركات الامنية وغير الامنية لا بد ان تساهم في دعم الموازنة الجديدة، وقطع بأنه دون تلك الحلول ستتوسع الفجوة وستضطر الحكومة للاستلاف من البنك المركزي من غير اغطية ـ اي لطباعة النقود ــ وبالتالي تزداد الكتلة النقدية وتسبب خللاً في مؤشرات التضخم وارتفاع الاسعار.
موازنة دون وزير
ويعلق المحلل الاقتصادي د. عبد العظيم المهل بأن موازنة عام ٢٠٢٢م بدأت متأخرة وفي ظروف صعبة واحتقان وعدم استقرار، ووضعت دون وزير، وذلك ينعكس سلباً عليها، واشار المهل في حديثه لـ )الإنتباهة( الى انه يجب ان يكون هناك تقييم للاداء المالي لعام ٢٠٢١م وما هو الشيء الذي قُدم خلال تلك الفترة التي شهدت الكثير من قرارات رفع الدعم، مما يفترض ان يكون دخل خزانة الدولة الكثير من الايرادات التي تقارب قيمتها ما بين )٢٥٠( و )٣٠٠( مليار جنيه، خاصة انه لا يوجد انفاق حكومي )لا مجلس تشريعي ولا وطني( فأين ذهبت تلك الاموال؟
وقال: )كان من المفترض ان توجه ايرادات رفع الدعم الى قطاع التعليم والصحة والخدمات، بجانب ضرورة ان يلمسها المواطن في السلع الاستهلاكية، وبكل اسف فإن المواطن لم يشعر بأي تحسن معيشي في هذه الفترة(. واضاف المهل قائلاً: )كنا نتمني ان يتم في موازنة ٢٠٢٢م تخفيض رسوم الجمارك بصورة كبيرة، وذلك لا يعني انها ايرادات فائضة ولكنها مؤجلة(، ولفت الى ان السودان مؤهل لأن يكون اكبر دولة في المنطقة لاعادة الصادر لاحاطته بدول الجوار التي يصدر لها مثل جنوب السودان واثيوبيا واريتريا ومالى ونيجريا وغيرها من الدول، فلا بد ان تكون هناك استفادة من الصادر، بدلاً من اتاحة الفرص للتهريب والمهربين الذين يدمرون اقتصاد البلاد، فتخفيض الجمارك سوف يفتح الاسواق الداخلية التي ينجر اليها اجانب دول الجوار وتتم اعادة الصادر وانتعاش الاسواق. وقال المهل: )يفترض ان تستصحب الموازنة معالجة اوضاع محدودي الدخل وتحسين المرتبات للعاملين(، مشيراً الى ان موظفي القطاع العام اصيبوا بالاحباط، فاصبحوا لا يداومون على العمل بشكل دوري لقلة حيلتهم واوضاعهم المادية الصعبة، وشدد على ضرورة توفير وظائف وانهاء بند العطالة حتى يتم الاستغلال الامثل لموارد البلاد الاقتصادية. واوصى المهل بوضع حلول مبتكرة لا تؤدي الى زيادة التضخم.
مواجهة التحديات
اما المحلل الاقتصادي د. محمد الناير فقد قال لـ )الانتباهة( ان موازنة ٢٠٢٢م تواجهها الكثير من التحديات، وعلى رأسها قضية تباطؤ المجتمع الدولي في الايفاء بالتزاماته تجاه البلاد، بجانب تحدي زيادة مرتبات العاملين في القطاع العام اضعافاً مضاعفة، باعتبار ان الزيادة الاخيرة التي طرأت على المرتبات اصبحت لا تغطي ١٥٪ من الحد الادنى لاحتياجاتهم، بجانب ضرورة البحث عن اوعية ايرادية مبتكرة وتوطين امكانات البلاد والاستغلال الامثل للموارد بحيث لا تؤثر سلباً في معاش الناس.
واشار الناير الى اهمية توسيع المظلة الضريبية افقياً وليس رأسياً حتى تغطي الضرائب مطالبات الموازنة، وألا تؤثر زيادة الرسوم في محدودى الدخل، وقال: )يبدو ان الحكومة الانتقالية السابقة والحالية نهجهما زيادة الرسوم التي ظهرت في كافة الاجراءات ابتداءً بالبطاقة القومية والرخصة والترخيص، وتطول القائمة خلاف قرارات رفع الدعم عن الوقود والدواء والخبز والكهرباء التي أصحبت تشكل ضغطاً كبيراً على المواطن البسيط(، وقال الناير: )في ما يتعلق بالموازنة فإنها تأخرت كثيراً ولم نسمع عنها شيئاً، وحان الآن وقت اجازتها(، واضاف ان ما طلع من اخبار عن الموازنة كان يتعلق بالتعديل الذي لم يخض في التفاصيل والاكتفاء باعلان اجازة تعديلها، مما خلق نوعاً من عدم الوضوح والشفافية، ولفت الى وجود بطء كبير في القنوات الاقتصادية لعدم تعيين وزير، جازماً بأن تشكيل الحكومة لن يتم في شهر ديسمبر، خاصة أن هناك جدلاً كبيراً حول تعيين الوزراء والولاة وضرورة مشاركة مختلف ولايات السودان.
وقال الناير ان الوضع السياسي لا شك سيؤثر سلباً في الملف الاقتصادي، لافتاً الى ان الموازنة يعدها فنيون وتجيزها السلطة التنفيذية والتشريعية المتمثلة في الوقت الحالي في مجلسي السيادة والوزراء الى حين تشكيل المجلس التشريعي.